الهوامش تضيق أمام لبنان الرسمي في مقاربة الاعتداء على «اليونيفيل»
ميقاتي: لا أسلحة إيرانية عبر مطار بيروت
- ميقاتي: مرفوضة المزايدات في حادثة العاقبية وكذلك الاستخفاف بخطورة ما حصل أو اعتباره حادثاً عرضياً
- وقفة تضامنية مع عائلة الجندي الايرلندي أمام قنصلية بلاده في بيروت
يَمْضي الواقعُ اللبناني في استجرارِ أزماته المالية والسياسية التي زادت من وطأتها الجريمةُ الخطيرة التي استهدفتْ قبل 6 أيام آليةً تابعة لقوة «اليونيفيل» في الجنوب وقتْل عنصر ايرلندي وجَرْح 3 آخَرين.
وفي موازاة الانسداد الكامل في الانتخابات الرئاسية وترحيل جلسات رفْع العتب في البرلمان إلى السنة الجديدة، وعلى وقْع استمرار «التمتْرس» السياسي - الدستوري بين رئيس الوزراء نجيب ميقاتي و«التيار الوطني الحر» حول آلية عمل حكومة تصريف الأعمال في فترة الشغور الرئاسي، أعطى لبنان الرسمي إشاراتٍ إلى استشعاره فداحةَ الاعتداء الذي استهدف القوة الدولية في منطقة العاقبية (ليل الأربعاء الماضي) ومحاولته حصْر أضراره التي ظهّرتْ وفق مصادر معارِضة هزالةَ حضور الدولة وسلطتها في المناطق الخاضعة لنفوذ «حزب الله»، وإمكان تحوُّل الجنوب بخطأ متعمَّد أو غير مقصود صندوقة بريدٍ متعددة الاتجاه من فوق رأس الشرعية وعلاقة «بلاد الأرز» مع المجتمع الدولي الذي تتمثل 48 دولة منه في «اليونيفيل» التي تَتَجدّد مهمتها منذ 1978.
وفيما كان لبنان يسعى إلى معاودة «الربْط» مع الخارج وحجْز موقع له على أجندة اهتمامات مؤتمر بغداد 2 الذي يبدأ اليوم في الأردن بحضور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وفي بنود بيانه الختامي، تزداد الخشية من أن يؤدي التلكؤ اللبناني «المعتاد» عن التعاطي مع حدَثٍ بحجم جريمة العاقبية بما يتلاءم مع طبيعته الخطرة إلى زيادة الهوّة بين «بلاد الأرز» وبين المجتمع الدولي الذي ينتظر من السلطات الرسمية إثبات «وجودها»، بدءاً من الإمساك بزمام الملف المالي وإصلاحاته الشَرْطية التي مازالت بيروت تتملّص منها، وليس انتهاءً بإظهار قدرتها على أن تكون صاحبة قرار أمني وشريكاً فعلياً في القرار1701 وعلى محاسبة المتلاعبين بـ «أمن اليونيفيل» أياً تكن ملابسات اعتداء العاقبية.
وعلى وقع تقارير عن أن الاعتداء على الدورية الايرلندية في اليونيفيل قد يكون متعمَّداً وعن تعقُّبٍ حصل للآليتين قبل دخول إحداهما طريقاً داخلية وتعرُّضها لإطلاق نار بما بين 7 و27 رصاصة (وفق أكثر من تقرير إعلامي) في موازاة ما نقلتْه صحيفة «الأندبندنت» بطبعتها الايرلندية من اعتقادٍ بأن الجندي شون روني قُتل بالرصاص من مسافة قريبة بعدما انقلبت مركبته المدرعة، فإن ثمة مناخاتٍ تحذّر من أن أي لفلفةٍ لهذه القضية قد تفضي إلى واحد من أمرين:
أولهما أن مجلس الأمن وهو الناظم لمهمة اليونيفيل وعملها قد يذهب لتشكيل لجنة تقصي حقائق بحال لمس محاولات لتمييع التحقيق أو ترْكه بلا محاسبة مُطْلِق أو مطلقي النار وتوقيفهم.
وثانيهما أن إدارة الظهر لبنانياً لِما جرى قد يجعل دولاً عدة تتردّد في المضي بانخراطها باليونيفيل أو يعزّز رغبة بعض الأطراف الدولية في تعديل إضافي على مهماتها و«قواعد الاشتباك».
وفي هذا الإطار، وفي موازاة تنظيم وقفة تضامنية مع عائلة الجندي الإيرلندي «الذي استشهد في سبيل السلام للبنان» أمام قنصلية بلاده في محلة بدارو - بيروت أمس شارك فيها ناشطون وإعلاميون وعائلة المفكّر لقمان سليم الذي اغتيل في الجنوب قبل أكثر من عام، مضى المسؤولون اللبنانيون في إحاطة هذا الملف بمتابعة مباشرة، حيث أكد وزير الدفاع موريس سليم، خلال زيارته التفقدية لجرحى عناصر الكتيبة الايرلندية في مقر الوحدة في صور ومستشفى حمود «ان التحقيقات جارية في حادثة العاقبية والأجهزة الأمنية تقوم بدورها»، آملاً«انتهاء التحقيقات بالوصول لتحديد المسؤول وعندئذ لكل حادث حديث»، مؤكداً انه «سيحاسب كل من اقدم على هكذا فعل».
وشدد على «أن العلاقة بين اليونيفيل والمواطنين وأهالي البلدات والقرى هي علاقة عمرها عقود وتتسم بالثقة والصداقة والمحبة والتعاون، ولا توجد أي مشاعر سلبية بينهما، وهذه الثقة بين الطرفين ستستمر وستكون أقوى».
بدوره أعلن ميقاتي «أن الجيش اللبناني يجري التحقيقات اللازمة في الحادثة التي حصلت مع اليونيفيل، ونأمل الوصول الى النتيجة قريباً».
وقال خلال لقائه مجلس نقابة المحررين أمس، إن «المزايدات في هذا الملف مرفوضة وكذلك مرفوض الاستخفاف بخطورة ما حصل او اعتباره حادثاً عادياً أو عرضياً.
الحادثة يجب أخذها بجدية، وإجراء كامل التحقيقات والمحاسبة. وهذا الملف أتابعه مع قيادة الجيش التي تجري التحقيقات اللازمة ونأمل الوصول الى النتيجة قريباً».
ورداً على سؤال، أعلن «لكون الحادثة حصلت خارج نطاق عمليات اليونيفيل، فمن المرجّح أنه لم يكن مخطَّطاً لها».
وعن موضوع مطار بيروت وما قيل عن أسلحة ايرانية يتم إدخالها، قال ميقاتي: «اجتمعت الأسبوع الفائت مع قائد الجيش ومع القادة الأمنيين وأكدوا جميعاً ان التحقيقات التي أجريت أكدت ان ما قيل غير صحيح، ولا أسلحة تدخل من المطار».
وأضاف: «لدى الحديث في ملف المطار، وبعد حادثة اليونيفيل، كنت بصدد دعوة المجلس الأعلى للدفاع الى الانعقاد بصفتي نائب رئيس المجلس، ولكنني عدلت عن الموضوع حتى لا يقال إننا نستفز أحداً».
وعن اللقاء مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبل أيام في الرياض، أكد «كان اللقاء ممتازاً وتحدثنا في الشؤون التي تخص البلد وعبّر عن محبته للبنان وبشكل خاص للبنانيين المقيمين في المملكة العربية السعودية».
حكومياً، أوضح ميقاتي «أن الحكومة تلتزم المهام المطلوبة منها دستورياً في مرحلة الشغور في رئاسة الجمهورية، والى حين انتخاب رئيس جديد، والأولوية الأساسية هي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ومن ثم تشكيل حكومة جديدة».
وإذ أعلن «نعم، وفق المعطيات الخارجية هناك شيء ما يتم التحضير له لحلّ الأزمة (الرئاسية) ولكن الأمور تحتاج الى وقت»، قال رداً على عقد جلسات جديدة لمجلس الوزراء بعد ما رافق الجلس الماضية من اعتراضاتٍ (من «التيار الحر» أي فريق الرئيس السابق ميشال عون) «عند الضرورة والحاجة سأدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد، وفق الصلاحيات الدستورية المنوطة بي، لكن في الوقت الراهن لا شيء طارئاً يستدعي عقد جلسة».
وشدد على «أن وضع جدول أعمال مجلس الوزراء منوط حصراً برئيس الحكومة، ولا شراكة لأحد في هذا الموضوع، وفي حال انعقاد جلسة مجلس الوزراء تتم مناقشة الجدول ويصار الى التفاهم على ما يُقر وما لا يقر».
وأعلن رفضه صيغة «المراسيم الجوّالة التي يقترحها البعض (التيار الحر)، لأن لا سند دستورياً لها»، مشدداً على أنه «لن يطبّق إلا ما ورد في الدستور وروحيته»، ومؤكداً «أن قرارات مجلس الوزراء تؤخذ بأكثرية الحاضرين في الأمور العادية، وبأكثرية عدد أعضاء الحكومة في القرارات الاستثنائية».
وقال «كفى تعطيلاً ومجاهرة بالتعطيل، والأجدى أن نجد حوافز لتحريك عجلة البلد لا لتعطيل ما تبقى من مؤسسات».
وأضاف «يقول البعض إن الحكومة الحالية صلاحياتها محدودة وضيقة، في وقت يقتضي وجود حكومة فاعلة تقوم بواجباتها كاملة. ما نقوم به حالياً في الحكومة هو صيانة الوضع وتسيير شؤون الناس والحفاظ على هيكل بناء الدولة الى حين انتخاب رئيس جديد. والحل سهل وهو في اتفاق اللبنانيين على رؤيتهم لمستقبل البلد بعيداً عن الشعبوية التي لا تفيد. نحن في حالة طوارئ وعلينا أن نتفق حكومة ومجلساً نيابياً على أسس الحل».
وجاءت مواقف ميقاتي من موضوع الحكومة وجلساتها بعد تعثُّر عمل اللجنة الرباعية التي تم تأليفها لتحديد الأولويات والقضايا الطارئة التي يُمكن للحكومة أن تجتمع لمناقشتها والآليات لذلك، حيث قطع وزير العدل هنري خوري (محسوب على «التيار الحر») الطريق على أي انعقاد للحكومة المستقيلة في ظل الشغور، داعياً لاعتماد صيغة «المَراسيم الجوّالة» مع تواقيع الوزراء الـ 24 الذين تتألف منهم الحكومة عليها.