د. حسن عبدالله عباس / شهادة علمية ماركة «بيربري»

تصغير
تكبير
سؤال مهم ينبغي على كل إنسان منا تكراره: ما الضرورة من العلم والتعلم، ولماذا ضيعنا أعوام عمرنا في التعلم؟ الإجابة المتوقعة والتقليدية التي سيتلفظها الغالب الأعم هي «الشهادة»! طيب لو سألنا مرة أخرى وما أهمية الشهادة؟ سيأتيك الجواب مباشرة لكي أعمل! وإن سألنا ثالثاً وما علاقة العمل بالشهادة؟ بعد ملامح الدهشة والاستغراب الجواب لأن الشهادة العُليا توفر لصحابها منصباً أعلى وراتباً أجزى ومظهراً اجتماعياً أرقى!

ما لن تجده في الإجابات كلها التي مرت وشبيهاتها هو أننا نتعلم لأجل العلم ولا شيء بعده، نتعلم للارتقاء بالعنصر البشري وتحقيق الكمال، لأننا كيان عاقل ونسعى إليه ولأجله فقط. فالجميع هنا متفق على أن كلمات كالعلم والمعرفة مرادفات لا تعني سوى المزيد من المال والبهرجة الاجتماعية والتفاخر في ما بين الناس لا أكثر!

تدهور التعليم في الكويت لا يعود إلى نقص في الميزانية أو المعدات، بل يعود في أصله وبدايته إلى ثقافة مجتمعية تسترخص معنى العلم وتستنزله إلى حد الراتب والمكتب وديكورات المنزل والسيارة والرحلة السياحية! قصدي بالثقافة المجتمعية تعريف عالم الاجتماع الإنكليزي إدوارد تايلور بأنها «الفنون والأخلاق والقانون والعرف وغير ذلك من الإمكانيات أو العادات التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في مجتمع» (انظر Primitive Culture). فأهمية العلم لدينا جميعاً سواء كُنا حكومة أو مجلسا أو اعلاما أو شعبا لا تتعدى الكماليات بالضبط كمن يُسأل أين قضى رحلته السياحية أو عن ماركة حقيبة اليد!

فلا عجب إذاً أن تكون مخرجات التعليم سيئة رغم الصرف الكبير على هذا القطاع الذي يصل لأكثر من 13 في المئة من إجمالي الانفاق العام الحكومي (في اختبار مهارات القراءة PIRLS كان ترتيب الكويت 43 من بين 45 دولة والمستويات نفسها في العلوم والرياضيات، ولم تتجاوز نسبة الملتحقين في الجامعة أكثر من 10 في المئة من إجمالي المواطنين حسب تقرير بلير). فلا عجب أن تنتشر ظاهرة شراء الشهادات واستشراء البعثات المزيفة ودكاكين الجامعات والسرقات العلمية طالما أن ثقافتنا المجتمعية في شأن التعليم لا تتجاوز الشكل الخارجي! فالمستوى المتدني من التعليم في الدولة تتحمله جميع مكونات المجتمع الكويتي، وبمعنى أصح ثقافة المجتمع!

ما هو الحل إذاً؟ الحل أن يُعاد النظر في نظرتنا الاستراتيجية للتعليم، بدءاً بالدولة، ونزولاً إلى الطفل في الروضة. فالدولة عليها أن تُدرك أن وظيفتها لا تكمن في نقل المعرفة من عندها إلى أرشيف الذاكرة لدى الطفل، فالطفل، كما يقول فيلسوف التربية جون ديوي، يتعلم بصورة أفضل من خلال الخبرة العملية للتعليم ومن وحي احترام استقلاليته في التفكير واختيار الأنسب لما يتوافق وظروفه الحياتية (أنظر: Democracy and Education).

فهل نعتقد أن تتحقق طفرة العلم لمجرد زيادة راتب أو توقيع اتفاقية مع «مايكروسوفت» لميكنة المدارس! طبعاً لا، المطلوب تغيير جذري في كل شيء، ابتداءً من رفض الفاشلين دراسياً في كلية التربية ورفع نسب القبول والتشدد في نوعية المقبولين للتدريس واعادة تأهيلهم دورياً والتشجيع على القراءة وفتح باب المسابقات العلمية والتشجيع على اقتناء الكتب وإيجاد مكتبات في بيوتنا قبل مناطقنا السكنية وتقدير الكفاءات ونشر مفاهيم الشفافية ومقاومة الفساد. باختصار هي ثورة وطنية شاملة اسمها «اقرأ»!





د. حسن عبدالله عباس

كاتب كويتي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي