خواطر صعلوك

سلاحف وأرانب!

تصغير
تكبير

في أعماق دول أوروبا الضاربة في التقدم والثورة الصناعية والمعلوماتية، وُلدت فلسفة البطء في الثمانينيات، فهي تُنادي بالتأني في عالم يخضع كل شيء وكل شخص لضغوط الإسراع... فالحل ليس في الإنترنت الأسرع أو القيادة السريعة للسيارة أو الوجبات السريعة أو الجدول المزدحم بالأعمال، أو الحمية الغذائية السريعة والتمارين الرياضية المجهدة... الحل ليس في عبادة السرعة وتوفير الوقت، ودائماً وأبداً لم يكن البقاء للأسرع بقدر ما كان البقاء للأصلح.

إنها فلسفة تطلب منك أن تستمع بلحظاتك، أن تُعد طعامك بشكل صحيّ وأن تتذوقه، وألا تُضحي بالجودة لحساب السرعة.

فلسفة تنبهك إلى أن تجاوز السرعة بسيارتك مضر لك حتى لو وصلت باكراً، فتخيل أنك تحتاج إلى دقيقتين ونصف الدقيقة لتجتاز مسافة ثلاثة كيلومترات بسرعة 80 كليومتراً في الساعة، وعندما تزيد سرعتك إلى حدود التهور لتصبح 130 كليو متراً في الساعة، فتصل خلال زمن يقل أربعاً وخمسين ثانية فقط، لتوفير هذه الثواني أنت تعرّض نفسك والآخرين للخطر في عصر عبادة السرعة.

للتأمل والوقوف أحياناً منافع كبيرة في حياتنا، على مستوى الزواج أو الأصدقاء، احذر من أن تسرقك الساعة والوقت والأعمال والواجبات والالتزامات، توقف وتنفس وخذ لنفسك مكاناً للعزلة ومحطة للإستراحة، وإن كان لا بد لك من السرعة فتذكر دائماً هذه القاعدة «للإسراع في تخفيف الإجهاد في الحياة، حاول أن تبطئ».

أحياناً نسرع كثيراً في بحثنا عن المتع أو السعادة، فنصبح لاهثين وراء ذلك فنعبرها من دون أن نشعر بها، عندها نتعلم من ثقافة السرعة التي غزت حياتنا أن الوصول إلى الوجهة - رغم عدم استمتاعنا بها- أكثر أهمية من الرحلة نفسها.

ظهرت في ايطاليا واليابان وألمانيا وفلندا حركات من المجتمعات المدنية تُنادي بالطعام البطيء والمدن البطيئة التي تعتمد على المشي أكثر من السيارات، وتربية الأبناء المتأنية في ظل عالم سريع انتشر فيه فيروس العجلة من الكبار إلى الصغار، فأطفال صغار أصبحوا ينظمون حياتهم الاجتماعية بالهاتف، ويستهلكون سريعاً عبر المواقع، وربما يبدأون حياتهم المهنية من غرف نومهم، بل أصبحت فترة الطفولة أقصر من أيّ وقت مضى، وأصبحوا أكثر برمجة وانهماكاً وأكثر عجلة من الجيل الذي سبقهم.

عزيزي القارئ، لا تجعل السرعة وتوفير الوقت يستهلك أجمل معاني حياتك، فمثلاً لا تلتقط هاتفك بمجرد استيقاظك من النوم لتعرف مَنْ قال ماذا؟ أو مَنْ فعل متى؟ أو آخر خبر أو فضيحة.

اذكر الله، وتناول فطورك أو ساعد في إعداده، مارس رياضة خفيفة، استحم، اقرأ كتاباً أو العب مع أطفالك، أو اصمت وتأمل نفسك... بعدها ارتدِ ملابسك واذهب لعملك بإيقاع جميل دون أن تشعر أنك في حرب أهلية مع الآخرين للوصول باكراً لمقر عملك... وتذكر أنه يوجد في الحياة من المتع والجمال ما هو أهم من زيادة سرعتها، وتذكر أن كل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر.

للاستزادة:

كارل أونوريه، صحافي كندي، عاش حياة سريعة جداً حتى استيقظ ذات يوم وكتب أشهر كتبه وأكثرها رواجاً «في مديح البطء» عام 2004م.

للقُرّاء المهتمين بفلسفة البطء وتنوعها في مجالات الحياة شراء هذا الكتاب والمتاح في دار كلمة.

Moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي