No Script

مجرد رأي

العملاق النائم...

تصغير
تكبير

وصفت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية الكويت أخيراً بأنها «عملاق نائم»، إذ تمتلك قدرات هائلة اقتصادية، وإمكانات بشرية كبيرة ومقومات أخرى لكنها غير مستغلة!

ولفتت «لوفيغارو» في تقرير إلى الكثير من الإمكانات غير المستغلة بصورة جيدة، مؤكدة أن الكويت تمتلك واحداً من أكبر الصناديق السيادية في العالم، لكن حركة تطورها بطيئة، وأنها ورغم الديموقراطية التي تميزها تدور الكويت في فلك الجمود والتأخر عن جيرانها الخليجيين.

وهنا يكون منطقياً تجدد الحديث عن التحدي الوجودي الذي يواجه الكويت لجهة الاختلالات الهيكلية التي تعاني منها الميزانية العامة، واستحقاق الاسراع في ايقاظ العملاق الكويتي بمعالجات تتمتع بكفاءة عالية، ورؤية واضحة، ومستهدفات تنموية حقيقية تدفع بالكويت إلى أن تكون جزءاً من التحول الحاصل خليجياً.

في أدبيات الاقتصاد يتعين على صانع السياسة المالية إحداث توازن مستمر في شقين رئيسين، وهما خفض المخاطر وتنويع الدخل، ومن خلال ذلك يمكن تفادي الوقوع في فخ الانكشاف الحاد على تذبذب الأسواق أو أقله تخفيف نتائجه السلبية.

في الكويت قد لا تجد اثنين يختلفان على أن الميزانية العامة تعاني من مخاطر هيكلية كبرى، تتمثل في الاعتماد شبه الكلي على النفط كمصدر رئيس للدخل، ما يجعل الميزانية العامة مرتبطة كلياً بحركة النفط صعوداً وهبوطاً.

ونتيجة لذلك يصعب على صانع السياسة المالية تجاوز المطبات المالية بسهولة، سواء المحلية أو المستوردة،لاسيما إذا كان الأمر موصولاً بتغيرات جيوسياسية مثل التي يعيشها العالم منذ فترة، وغيرت اتجاهاته اقتصادياً.

ومالياً لا يعد الاعتماد شبه الكلي على النفط المرض الوحيد الذي يعاني منه جسد الميزانية العامة، فهناك آخر لا يقل شراسة، يتمثل في تركز نحو 3 أرباع المصروفات العامة في الصرف على الرواتب والدعوم.

كما لا يعد اختراعاً للعجلة القول إن وجود هذه الثنائية مجتمعة يعمق مخاطر الميزانية وأعبائها، ويعوق خطى الحكومة في تعزيز النمو الاقتصادي، لا سيما إذا تعرضت أسواق النفط لاضطرابات متوسطة الأجل.

ومن أجل انجاح مسيرة التحول الاقتصادي التي تنشدها الحكومة والتي تبدو معها أنها أكثر جدية من السابق يتعين تبني حلول مالية مستدامة وأكثر شمولية، تضمن قيادة الكويت لصناعة مجتمع حيوي واقتصاد قوي، ووطن طموح، وفقاً لمستهدفات تنموية رئيسية مدفوعة بتحقيق رؤية الكويت 2035 التي لا تزال من الناحية العملية معلقة رغم كل الحديث الصاخب حكومياً وشعبياً في شأن استحقاقها والقدرة على تنفيذها.

الخروج من المأزق المالي المتجذر بالميزانية العامة يتطلب تعزيز احتياطات الدولة ومركزها المالي برفع قدراتها على مواجهة الصدمات والازمات العالمية، وهذا يتحقق بتنويع مصادر الدخل، وزيادة الإيرادات غير النفطية.

فترة رواج النفط تحتاج إلى إعادة تدبر لتوجيه الفوائض المحققة من ارتفاع أسعاره بخلق صناعات حقيقية وتنمية استثمارية وبشرية مستدامة تؤدي إلى تعزيز وجود بيئة عمل رافضة للتراخي في تحقق هذا المستهدف، والذي يضمن في أقل مكتسباته خلق مزيد من فرص العمل للمواطنين بعيداً عن اثقال الميزانية العامة بمزيد من الصرف على البطالة السافرة المحققة حالياً.

وبخلاف ذلك يكون أي حديث عن التنمية بمثابة حراك عبثي، لن يقودنا إلا لمزيد من الدوران المكلف في الدائرة نفسها، ما يترتب عليه استمرار تبديد ثروات الكويت في تغطية مصروفات متنامية ورفاهية غير محققة للمواطن.

الخلاصة:

تتجه الأنظار إلى الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني شي جينبينغ للسعودية وعقده قمة صينية ـ سعودية، وصينية ـ خليجية، وصينية ـ عربية.

وفي هذه الأثناء يبرز التحدي أمام الكويت إما لتحقيق الرمزية البحتة مع هذا الاقتصاد الضخم أو الجوهرية للغاية، بتوقيع سلسلة مذكرات تعاون مختلفة يمكن أن يكون لها تأثير حقيقي على الاقتصاد المحلي مستقبلاً.

بالطبع القمة الصينية ـ الخليجية ليست المسار الوحيد الذي على الكويت تتبعه، فهناك إجراءات وقرارات عدة يتوجب اتخاذها، وفي مقدمتها رفع حجم الانفاق الاستثماري بالموازنة العامة، وزيادة جهود تحسين بيئة الأعمال المحلية بما يسمح باستقطاب تدفقات أجنبية مدفوعة من شركات عالمية يعول عليها في تحقيق نهضة حقيقية استثمارياً وبشرياً. مع عدم اغفال أهمية تحقيق ذلك بالتوازي مع زيادة حضور القطاع الخاص بعقد شراكات كبرى مع مكوناته.

ومن رحم هذا التوجه يمكن نسج خطوط اقتصادية جديدة قادرة على تعديل مسار الكويت نحو آفاق جديدة، معززة برؤية تنموية تتحقق على الأرض، وليس مجرد حبر على ورق.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي