وزير العمل العراقي رأى أن الاحتلال فتح أبواب البلاد للإرهاب

شيخ راضي لـ «الراي»: الفقر والبطالة يجسّدان «مستودع بارود» قابلاً للانفجار في أي لحظة

u0645u062du0645u0648u062f u062cu0648u0627u062f u0634u064au062e u0631u0627u0636u064ar
محمود جواد شيخ راضي
تصغير
تكبير
|شرم الشيخ (مصر) - من محمد عبدالجواد|

أكد وزير العمل العراقي المهندس محمود جواد شيخ راضي أن «الفقر والبطالة في بلاده يمثلان في الوقت الراهن مستودع بارود داخل العراق يهدد بالانفجار في أي لحظة، كما أن ارتفاع معدلات الفقر تمثل مشكلة رهيبة داخل العراق، وهذه نتيجة طبيعية لوجود قوات الاحتلال، لذلك وضعت الحكومة الحالية استراتيجية وطنية للتخفيف من الفقر وتم إقرارها أخيراً بهدف خفض الفقر من 23 في المئة حالياً إلى 16 في المئة العام 2014».

وأشار شيخ راضي، في حوار مع «الراي» في شرم الشيخ المصرية، إلى أن «أذيال النظام البائد عقدوا اتفاقاً شيطانياً مع (القاعدة) والخلايا الإرهابية التي توافدت على العراق ما أدخل البلاد في متاهة (القتل العبثي)، إذ كان القتل يمارس بكل وحشية وبلا رحمة. وبدلاً من توجيه العملية الانتحارية إلى القادة العسكريين وقوات الاحتلال، كان الإرهابيون يستهدفون الطبقة الفقيرة من العمال».

وإلى نص ما دار من حوار:



• كيف ترون الوضع في العراق في الفترة الأخيرة؟

- أذيال النظام البائد عقدوا اتفاقاً شيطانياً مع «القاعدة» والخلايا الإرهابية التي توافدت على العراق ما أدخل البلاد في متاهة «القتل العبثي»، إذ كان القتل يمارس بكل وحشية وبلا رحمة. وبدلاً من توجيه العملية الانتحارية إلى القادة العسكريين وقوات الاحتلال، كان الإرهابيون يستهدفون الطبقة الفقيرة من العمال.

ومن يرصد التفجيرات والأعمال الإرهابية التي وقعت في العراق طوال الفترة الماضية يكتشف أنها استهدفت الأسواق ومواقف «الباصات» والحافلات والتجمعات العمالية، ومع ذلك فالشعب العراقي حتى هذه اللحظة لم يتقبل وجود قوات الاحتلال ولا حتى الخلايا الإرهابية.

• باعتباركم وزيراً للعمل هل انعكست هذه الأوضاع على معدلات البطالة؟

- بالتأكيد، فمعدلات البطالة في العراق تزايدت بوتيرة متسارعة نتيجة عوامل عدة، منها الحصار الذي عانى منه الشعب العراقي لأعوام طوال، بجانب احتلال العراق من قبل القوات الأميركية منذ العام 2003، ما تسبب في ظهور أنواع جديدة من الجرائم داخل المجتمع العراقي لزيادة معدلات الفقر والبطالة.

فالفقر والبطالة يمثلان في الوقت الراهن «مستودع بارود» داخل العراق يهدد بالانفجار في أي لحظة، كما أن ارتفاع معدلات الفقر تمثل مشكلة رهيبة داخل العراق، وهذه نتيجة طبيعية لوجود قوات الاحتلال، لذلك وضعت الحكومة الحالية استراتيجية وطنية للتخفيف من الفقر وتم إقرارها أخيراً بهدف خفض الفقر من 23 في المئة حالياً إلى 16 في المئة العام 2014.

• ما طبيعة تلك الجرائم التي أفرزها الواقع الجديد؟

- البطالة أفرزت واقعاً جديداً في العراق لم يسفر إلا عن العوز المادي والفقر الذي لا يحتمل، ما دفع الكثيرين إلى احتراف الجريمة للإثراء السهل والسريع ونظموا أفعالهم أحياناً في عصابات تمارس جميع أنواع الجرائم الكبرى، كالقتل والخطف والسلب والاغتصاب.

كما أن وجود قوات الاحتلال أفرز نوعاً جديداً من الجرائم، منها جرائم النزاعات السياسية فقد كثرت جرائم القتل في العراق من خلال سلطة الميليشيات المسلحة التي تمثل بالضرورة تيارات سياسية متعددة، وبدأ هذا النوع من الجرائم بعمليات انتقامية متبادلة طالت حياة الكثير من السياسيين أو مؤيديهم أفراداً أو مجموعات.

كما برزت إعلامياً ظاهرة «فرق الموت»، رغم عدم تحديد هويتها لعموم العراقيين، لكنها حقيقة مؤلمة ومرعبة في حياة الناس عندما يشاهدون عدداً كبيراً من الضحايا في الأنهار أو في الطرقات العامة، وهي مقطوعة الرؤوس من دون تحديد هوية الجناة أو المغدورين وما الباعث لارتكاب هذه الجرائم؟ كما حدثت جرائم عرقية طالت الكثير من الأبرياء أفراداً أو مجموعات بسبب اختلافهم العرقي، ما أدى إلى تفاقم الجريمة بشكل لا حدود له بسبب تعدد القوميات الإثنية منذ القدم في العراق.

• وماذا عن الجرائم التي ترتكب باسم «العقيدة»؟

- الجرائم العقائدية التي ترتكب باسم الدين أو المذهب مثلت ظاهرة داخل المجتمع العراقي، وبالتأكيد فإن تداخل الدين في السياسة العامة وفي جميع جزئياتها ترك الأثر الكبير في أحد جوانبه، وفي تطور هذه الظاهرة، لأنها أدت إلى أن تتحول الخلافات والنزاعات السياسية إلى خلافات دينية أو طائفية حتى صار يسميها الكثير من المحللين السياسيين لما ينتج عنها كله من أفعال بـ «الجرائم الطائفية».

أضف إلى ذلك الأفكار المذهبية التكفيرية التي منحت لنفسها حق تجريد الآخرين من عقيدتهم وإيمانهم بسبب انتمائهم إلى مذهب آخر، ونتج عن ذلك إباحة القتل لهذا الغير باسم الدين.

• هل يمكنكم تقديم أرقام وإحصاءات تشخص الواقع الاقتصادي في العراق؟

- أحدث الإحصاءات المتاحة لدينا تشير إلى أن حجم الفقر في البلاد بلغ 6.9 مليون شخص من إجمالي عدد سكان العراق البالغ عددهم 30 مليون نسمة، ومن الأمور التي تستخدم للتخفيف من الفقر تحقيق دخل أعلى للفقراء وتحسين المستوى الصحي لهم، إضافة إلى نشر التعليم وتحقيق بيئة سكن أفضل وتوفير الحماية الاجتماعية الفعالة وتقليل التفاوت بين النساء والرجال الفقراء.

والحكومة العراقية نفذت أخيراً حزمة من السياسات الوطنية التي ساعدت على تجاوز ما خلفته الحرب، وتمت السيطرة على معدلات البطالة وتحجيم آثارها، من خلال برنامج القروض المدرّة للدخل وإعانة العاطلين والتدريب المهني، وفقاً لاحتياجات سوق العمل ما ساعد على تراجع معدلات الفقر بشكل ملحوظ.

كما أن هناك حقيقة مؤلمة، وهي أن جميع محاولات تجميل الواقع العراقي لما بعد الاحتلال لم تستطع إخفاء واقع آفات البطالة والفقر والجريمة التي تفتك بالنسيج الاجتماعي في بلاد الرافدين في غياب الدولة القوية بحكم القانون الذي يكفل توجيه حياة العراقي بشكل إنساني قدر المستطاع.

ولذلك باتت البطالة تمثل «برميل بارود» قابلاً للانفجار في أي لحظة، وآخر الإحصائيات تؤكد أن نسبة البطالة في العراق بلغت نحو 50 في المئة من حجم القوى العاملة ومعظم ضحاياها من الشباب، وتستشري البطالة في العراق نتيجة غياب مشاريع استراتيجية في الخدمات العامة والمشاريع التنموية بمختلف نشاطاتها.

وانخفض الناتج المحلي الإجمالي للعراق من 53.9 مليار دولار العام 1980 إلى 41 مليار دولار العام 2006، ومن الطبيعي أن تنعكس آثار ذلك التدهور الذي لحق باقتصاد العراق على حياة المواطن العراقي، حيث هبط متوسط دخله السنوي من 4219 دولاراً العام 1979 إلى 1456 دولاراً العام 2006، ووصلت معدلات التضخم إلى 53 في المئة في العام نفسه، فيما انخفضت مستويات إنتاج النفط لتصل إلى مليوني برميل يومياً.

• وما مدى تأثر القطاع النفطي وسط هذه الظروف؟

- بعد مرور أعوام أربعة على الاحتلال فإن مساهمة القطاعين الزراعي والصناعي في الناتج المحلي الإجمالي بلغت 7.1 في المئة و1.5 في المئة على التوالي العام 2006، وهي نسبة منخفضة جداً، بينما بلغت نسبة مساهمة القطاع النفطي أكثر من 63 في المئة، ورغم هذا كله لا يزال العراق من المجتمعات المرتفعة في نمو السكان، إذ تقدر نسبة النمو بالمجتمع العراقي بأكثر من 3 في المئة.

وبالعودة إلى بيانات حركة التشغيل في العراق أثناء السبعينات والثمانينات نجد أن الاقتصاد العراقي لم يكن يعاني من بطالة حقيقية، إذ لم تتعدَ نسبة البطالة 3.7 في المئة من إجمالي قوة العمل، ولكن بسبب ظروف الحصار وتداعياته على مجمل النشاط الاقتصادي ارتفعت نسبة البطالة إلى 13.5 في المئة في العام 1997، وكانت النسبة الأكبر بين الذكور حيث وصلت إلى 15 في المئة، في حين لم تتعد بين الإناث 6 في المئة.

•... ولكن البطالة مع الغزو أصبحت ظاهرة أليس كذلك؟

- بعد غزو العراق في العام 2003 تفاقمت مشكلة البطالة لتصبح ظاهرة خطرة تهدد المجتمع العراقي في معظم شرائحه العمرية والطبقية والمهنية، إذ لم تعد تقتصر على الفئات ذات التعليم المحدود، وإنما شملت خريجي الجامعات والدراسات العليا بسبب شلّ حركة النشاط الاقتصادي العراقي نتيجة لما دمرته الحرب للبنى التحتية، وما تبعها من أعمال تخريب ونهب لجميع الممتلكات العامة.

الأمر الذي أدى إلى تدهور في القطاعات الاقتصادية وفي مقدمها قطاع النفط والصناعة، إذ توقفت معظم المشروعات الصناعية التي تمتلكها الدولة، والبالغة نحو 192 شركة عامة كبيرة، وحدث انخفاض كبير في القدرات الإنتاجية النفطية، نتيجة تهالك المنشآت النفطية وحاجتها إلى التطوير والإصلاح إضافة إلى ما تتعرض إليه من عمليات تخريبية كبيرة ومستمرة، الأمر الذي جعل النشاط الاقتصادي يواجه صعوبات كبيرة لا سيما النشاط الإنتاجي منه. هذه الفوضى الاقتصادية عمقت الخلل في هيكلية الاقتصاد العراقي وشلته في نشاطه، إذ لم يستطع أن يحافظ على القوى العاملة فيه.

• هل هناك أسباب أو قرارات مباشرة تسببت في تفاقم ظاهرة البطالة بهذا النمو المأسوي؟

- في العام 2003 أصدر حاكم الاحتلال المدني بول بريمر، الذي كانت له صلاحيات واسعة في القضايا التنفيذية والتشريعية، قرارات أو مجموعة من البروتوكولات كان لها دور مباشر في تفاقم مشكلة البطالة، منها حل الجيش العراقي الذي كان يستوعب أكثر من 400 ألف شخص متطوع إضافة إلى نحو 150 ألف جندي مكلف يستوعبهم الجيش لمدة عامين أو أكثر ما يؤخر هذه الفئة سنوياً من الدخول إلى سوق العمل للمدة التي تخدمها في الجيش، وحل المؤسسات الأمنية الأخرى ومؤسسات مدنية كوزارة الإعلام وهيئاتها التي كانت توظف أعداداً كبيرة، وحل هيئة التصنيع العسكري وتسريح أعداد من منتسبيها من دون إيجاد البديل لاستيعاب هذه القوى العاملة التي في معظمها قوى عاملة شابة.

وفي ضوء هذه السياسة التي اعتمدها بريمر في إدارة العراق بعد الاحتلال تفاقمت الأوضاع الاقتصادية، وكانت سبباً في ارتفاع معدلات البطالة وزيادة العنف وتردي الوضع الأمني. لذلك نجد أن البطالة تفاقمت بعد الاحتلال وتداعياته لتصبح ظاهرة واسعة طالت معظم شرائح المجتمع، بسبب التهجير وهروب رأس المال العراقي خارج العراق وتوقف معظم الأنشطة الاقتصادية.

• وهل اتخذت وزارة العمل خطوات في اتجاه مواجهة تزايد معدلات البطالة؟

- مشروع القروض الميسرة لإقامة مشاريع صغيرة هو خير وسيلة لمعالجة ظاهرة البطالة في البلاد، ما يتطلب ضرورة وضع ورسم آلية للمشروعات الخاصة بالتشغيل والتدريب المهني ومعالجة البطالة وحصر مشاريع الإعمار وملاءمة برامج نقل التكنولوجيا لسياسة التشغيل الوطني، خصوصاً أن عدد العاطلين عن العمل في العراق من المسجلين في دوائر وزارة العمل يبلغ أكثر من مليون و150 ألف عاطل، رغم تمكن وزارة العمل من تشغيل أكثر من 230 ألف عاطل منهم، معظمهم من الذكور. كما أن عمل الشركات الاستثمارية الأجنبية في البلاد من الممكن أن يكون أحد الحلول الكفيلة للحد من أزمة البطالة، لأن الاستثمارات التي ستضخها هذه الشركات والمشروعات التي ستقيمها سيوفر الكثير من فرص العمل وسيقلص نسبة البطالة.

وتمكنت وزارة العمل بالتعاون مع وزارة الصناعة من تشغيل نحو 250 ألف عاطل عن العمل من خلال تأسيسها للمشروع الاستراتيجي الكبير الذي قدم قروضاً إلى العاطلين عن العمل.

• هل في أجندتكم مقترحات لتقليص أعداد العاطلين عن العمل؟

- دعنا نعترف بأن البطالة موجودة في معظم الدول العربية، لذلك أطالب جميع الدول العربية بضرورة العمل على تنويع الأوعية الاستثمارية الخاصة بأموال الضمان الاجتماعي، وأن يتم توجيه الغالبية العظمى منها إلى مشروعات خدمية وإنتاجية لتحقيق أكثر من هدف، أهمها توفير المزيد من فرص العمل، وبالتالي مكافحة البطالة، والثاني تقليل المخاطر التي يمكن أن تتعرض إليها أموال صناديق الضمان حال استثمارها في الأسهم والسندات والعقارات.

كما أن استثمار أموال التأمينات في العالم العربي يحتاج إلى إعادة نظر من جانب جميع القائمين عليها لتحقيق أفضل عائد ممكن لهذه الأموال، لأن معظم الدول العربية كانت تنحى منحى في استثمار الأموال المتجمدة في صناديق الضمان الاجتماعي إلى الصكوك الأكثر ربحية والأكثر أماناً، وهذا ما كانت عليه الحال في العراق، إذ كانوا يستسهلون امتلاك عقارات للتأجير ويميلون إلى الاستثمار في شراء السندات والأصول العقارية، وقد أثبتت التجربة أن هذه النظرة قاصرة وغير جيدة لأنها تحتوي على مجازفة كبيرة جداً.

• وأين أموال صندوق الضمان الاجتماعي؟

- عندما انهار نظام صدام انهارت جميع أموال صندوق الضمان الاجتماعي وانعدمت الإيجارات التي كان يتم تحصيلها، وبالتالي أصبحت أموال الضمان الاجتماعي استثماراً مهدراً وتوقفت الأسهم كلياً، وأصبح صندوق الضمان الاجتماعي لا قيمة له، في الوقت الذي كان هذا الصندوق من أكبر الصناديق التي تحتوي على رؤوس أموال في العراق، وعجز الصندوق عن الوفاء بالتزاماته تجاه العمال، واضطررنا إلى تغطية هذا العجز من الموازنة العامة للدولة. لذلك أرى أن يتم استثمار هذه الأموال في المشروعات الصناعية والخدمية والإنتاجية مثل الاستثمار في القطاع الصحي، وبناء المستشفيات، والمصانع بمختلف أنواعها، وهناك بلدان كثيرة تستثمر أموال الضمان الاجتماعي في أنشطة ذات ربحية دائمة، وقد تكون أقل من ربحية الأسهم.

ولكن هذا النوع من الاستثمار قد يكون عديم المخاطر، لذلك من الضروري تنويع الأوعية الاستثمارية لأموال الضمان الاجتماعي في جميع الأقطار العربية على الأقل لتوزيع المخاطر، كما أقترح ضرورة إعادة توظيف الأصول المالية العربية وتحويلها إلى أصول منتجة في مشروعات استثمارية داخل البلدان العربية لتوفير المزيد من فرص العمل ومواجهة البطالة وتطوير هياكل الإنتاج وتنويع مخرجاته.

وهذا يتطلب ضرورة توحيد جميع قوانين العمل العربية وإقرار قانون عمل عربي موحد لضمان تيسير تنقل الأيدي العاملة العربية، وتكليف منظمة العمل العربية بالانتهاء من تنفيذ هذا المشروع الذي من شأنه تصحيح اتجاهات التشغيل وإيجاد الوظائف وفقاً للمسار التكاملي العربي وتوظيف الكفاءات العربية للاستفادة منها بشكل جيد للحد من الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي