No Script

أما بعد...

«سوف أرى»

تصغير
تكبير

في بلاط لويس الرابع عشر، كان النبلاء والوزراء يمضون أياماً وليالي في مناقشة قضايا الدولة. فيجتمعون... ويتناقشون... ويتجادلون... ويقيمون التحالفات ويفكّكونها... ويعودون إلى الجدل.

حتى تصل اللحظة الحرجة في آخر الأمر. فيتم اختيار شخصين اثنين منهم لتقديم الجوانب والآراء المختلفة لطرحها على لويس نفسه.

وهو الذي يقرر ما الذي ينبغي عمله. وبعد اختيار هذين الشخصين يتابع الجميع المزيد من الجدل. كيف يجب صياغة القضايا المطروحة؟ وما الذي سيعجب لويس وما الذي يزعجه؟ وما هو التوقيت المناسب لطرحها؟ وفي أي قاعة من قاعات قصر فرساي؟ وما التعبير الذي ينبغي أن يرتسم على وجهيهما؟

وأخيراً، وبعد أن يتم إقرار ذلك كله تأتي اللحظة المصيرية في خاتمة المطاف.

ويقترب الممثلان من لويس ويشرعان بالحديث عن الموضوع المثار ويعرضان عليه الخيارات والاقتراحات المطروحة بإسهاب وتفصيلٍ مُمل. وهو يستمع إليهما بصمت وانتباه شديد.

وعلى وجهه نظرة شديدة الغموض.

وأخيراً، بعد أن ينتهي كل من الرجلين من عرض ما لديه ويطلب رأي الملك.

ينظر إليهما قائلاً: «سوف أرى» ثم يأمر بخروجهما من القاعة دون أن يسمعا منه كلمة أخرى غير التي قالها: «سوف أرى». وعندما يصل لويس إلى قرار بعد أيام أو أسابيع ولعلها تصل لأشهر يعمل بموجب هذا القرار.

فلا يكلف على نفسه عناء شرح ما سوف يقرره في هذا الموضوع.

لم يكن لويس كذلك دائماً فقد كان معروفاً عنه في شبابه أنه يتكلم بشكل مستفيض. وكان صمته اللاحق شيئاً فرضه على نفسه. فلم يكن أحد يعرف موقفه بالضبط، أو يتمكن من التنبؤ بردود فعله.

ولم يكن أحد يستطيع أن يحاول خداعه بأن يقول ما يظنون أنه يرغب بسماعه؛ لأنه لم يكن أحد يعلم ما الذي يريد سماعه أصلاً. فبينما كانوا يتحدثون ويتحدثون إليه وهو صامت، كانوا يكشفون عن أنفسهم المزيد والمزيد من المعلومات التي تنعكس عليهم في آخر المطاف.

ليس النطق بأقل مما هو ضروري قاصراً على الملوك ورجالات الدولة فقط. ففي جميع مجالات الحياة، فكلما قل ما يتفوه به المرء زاد ظهوره بمظهر الشخص العميق والغامض.

فإنه من المستحيل عموماً أن نجعل الناس يفعلون ما نريدهم أن يفعلوه بالتحدث معهم فقط. بل إنهم سينقلبون ضدنا، ويعاكسون رغباتنا ويعصوننا بسبب حبهم للعناد والمشاكسة المحضة.

إذ إن الصمت يفقد المشاكسين راحتهم، فهم آلات تفسير وتوضيح؛ يشعرون أن عليهم أن يعرفوا ما الذي تفكر به! فعندما تسيطر بدقة وعناية على ما تكشفه، فإنهم يعجزون عن تفسير نواياك ومقاصدك.

قال آندري وارهول ذات مرة: «لقد تعلمت أن لك سلطة أكثر عندما تغلق فمك».

Twitter: @Fahad_aljabri

Email: Al-jbri@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي