جلسة انتخاب سادسة للبرلمان اليوم و«قواعد الاشتباك»... هي هي
باسيل يطلّ من باريس... في الوقت الضائع الرئاسي
- زيارة باسيل في قراءة أوساطٍ من المعارضة: بقاء في الصورة
خطفتْ الزيارةُ التي بدأها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل لباريس، الأضواء من الاستعدادات للجلسة السادسة لانتخاب رئيس للجمهورية التي يعقدها البرلمان اليوم، من دون «قطرة أمل» في أن تفكّ أسْر استحقاقٍ يدور في حلقة مفرغة من شغورٍ صار عمره 17 يوماً و... الحبل عالجرار.
وعلى وقع تَرَقُّبِ ألّا تشهد جلسة اليوم أي تعديل في «قواعد الاشتباك» الرئاسي على خط الانقسام بين المعارضة والموالاة المنقسمتين بدورهما على نفسيهما واللتين ستمضيان، الأولى باقتراع غالبيتها للمرشّح «حتى إشعار آخَر» ميشال معوّض والثانية بالتمترس خلف الورقة البيضاء حتى التوافق على مرشح «حزب الله» وحلفائه سليمان فرنجية أو حرْق باسيل المَراكب نهائياً معه، تحوّلت زيارة الأخير لباريس محطَّ اهتمامٍ بارز، ليس فقط لكونها امتداداً لحركة خارجية بدأها رئيس «التيار الحر»، بل أيضاً لأنها تُضيء على الدور الفرنسي حيال لبنان وأزماته، وذلك بمعزل عن مدى فاعلية هذا الدور وامتلاكه قدرةً على التأثير وخرْق التوازنات الداخلية بأبعادها الإقليمية.
ولعلّ من مفارقات الدور الذي تضطلع به باريس في لبنان في الأعوام الأخيرة، أنه خلافاً للتقليد السياسي هي أصبحت أكثر ابتعاداً عن القوى اليمينية، وصارتْ مهتمَّةً بفتح علاقاتٍ حوارية مع «حزب الله» وقوى الموالاة وعلى رأسها «التيار الوطني»، ومن هنا تحوّلت زيارة باسيل لفرنسا خبراً أول في اهتمام القوى السياسية ولا سيما المُعارِضة منها.
فالمعارضة لا تُخْفي أنها تنظر الى دور باريس بعينٍ حذرة، منذ أن بدأ الحوار بين باريس و«حزب الله»، رغم أن فرنسا تَصَرَّفَتْ بعد انفجار المرفأ في 4 أغسطس 2020 على قاعدة تحميل السلطة في لبنان والحزب جزءٌ أساسي منها، المسؤوليةَ عما جرى وتعاملتْ مع كل القوى المُشارِكة فيها على قدم المساواة في توجيه انتقاداتٍ لها.
وكان الرئيس ايمانويل ماكرون حاداً في الملاحظات التي أعطاها لهذه القوى حين التقتْه في قصر الصنوبر ولا سيما باسيل.
لكن منذ لقاء قصر الصنوبر وزيارات ديبلوماسيين فرنسيين لـ «حزب الله»، بدأت العلاقةُ تتوسّع تباعاً وتتخذ أبعاداً أكثر وضوحاً، في تعامل باريس مع الحزب ليس كأمر واقع فحسب، إنما عن اقتناعٍ أكثر بمحورية دوره.
وقد نشطت حركة الموفدين الى «حزب الله»، بالتوازي مع تَوسُّع حركة الرئيس الفرنسي في اتجاه السعودية التي نجحت في جعل باريس تنتظم تحت سقف مسلّماتها حيال الواقع اللبناني والقرارات الدولية الناظِمة له ولسلاح الحزب وأدواره.
وإذ جاء البيان الثلاثي من نيويورك في سبتمبر الماضي، ليضع باريس إلى جانب الرياض وواشنطن في التعامل مع لبنان انطلاقاً من التمسك بالشرعية الدولية واتفاق الطائف، فإن فرنسا حاولت في الوقت ذاته ومع اقتراب الفراغ الرئاسي، تكثيفَ اتصالاتها مع كل الأطراف المحلية ولا سيما مع الحزب من أجل وضع انتخابات الرئاسة على سكة الحل.
وفي هذا الإطار، برزتْ زيارة باسيل لباريس، والتي جرى الكلام عنها عمداً قبل وقتها من أجل إعطائها صبغةً رسيمة في تعامل فرنسا مع رئيس «التيار الوطني» الذي فُرضت عليه عقوبات أميركية (منذ نوفمبر 2020).
وتأتي هذه الزيارة وسط مجموعة معطيات وإشارات، بدأت بإعلان شركة «توتال» الفرنسية، مع شريكتها الايطالية «ايني»، توقيع اتفاق إطار مع إسرائيل تمهيداً لبدء التنقيب في البحر عملاً باتفاق الترسيم بين لبنان واسرائيل، والذي كان باسيل أحد عرّابيه، مع «حزب الله».
إضافة الى أن رئيس «التيار» أثار تكهناتٍ حيال رغبته في أن تلعب دولة معينة دوراً في إزالة العقوبات الأميركية عنه.
والعقوبات الأميركية نفسها، جزءٌ من التساؤلات المطروحة حول إمكان حصول لقاء بين باسيل وماكرون، إلى جانب عامل البروتوكول الذي يجعل من الصعب تصوُّر حدوث اجتماعٍ بين رئيس للجمهورية وبين نائب لبناني، وإن لم يكن هذا مستحيلاً بحسب أوساط المعارَضة اللبنانية التي ترى أن المحطة الفرنسية لباسيل قد لا تكون أكثر من محاولة للإطلالة الدولية ولو عبر مسؤولين فرنسيين عن ملف لبنان (خلية الأزمة) على غرار إطلالته عبر قطر الأسبوع الماضي، وذلك في إطار الحرص الدائم من رئيس «التيار» على البقاء في الصورة السياسية والإعلامية، ولو انتهى العهد الذي راهَنَ خصومُ باسيل على أنه سيقضي على دوره سريعاً.
في المقابل لا شك في أن الزيارة تثير تساؤلات حول هدفها الحقيقي، في موضوع رئاسة الجمهورية، كون لقاءات باسيل المتوقَّعة هي مع مسؤولين عن ملف لبنان في الإدارة والخارجية الفرنسية، مع العلم أن باريس التي تحاول أن تُنْتِج صيغةَ حلّ رئاسي، ليست هي التي تلعب دوراً مقرِّراً في بيروت، بين الدوريْن الأميركي والعربي.
وما فُهم حتى الآن أن الرياض، التي علمتْ «الراي» أن النائب وائل ابو فاعور (من كتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط) توجّه إليها، لا تزال غير معنية بأي بحثٍ في تسوياتٍ رئاسية، ولا في تسمية رئيس الحكومة الذي يُفترض أن يواكب رئيس الجمهورية المقبل، وسط كل الكلام عن مقايضةٍ بين رئيس جمهوريةٍ من فريق 8 مارس ورئيس حكومة من مناخ 14 مارس، وهو الأمر الذي لا ترى فيه السعودية ما يؤمّن حلاً متكاملاً للأزمة اللبنانية، كونها تشدّد على انتخاب رئيسٍ إنقاذي يوحّد اللبنانيين ولا يكون من طرفٍ واحد،وتؤكد على محورية سيادة لبنان والالتزام باتفاق الطائف.
أما الاميركيون فهم حالياً خارج إطار أي حلّ لبناني، وسط الانشغالات بملفات دولية وبنتائج الانتخابات النصفية، وهو ما يؤدي الى خلاصةٍ مفادها أن باريس لا تزال تعمل في الوقت الضائع، مُحاوِلةً إنتاج جو عام مقبول قبل الدخول رسمياً في أسماء مرشحين للرئاسة.
وهي بحسب أجواء لبنانية تعرف تماماً أنها لا يمكن أن تمرر اسم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، هي التي تملك مروحةً من أسماء مقربين منها ويشكلون نواة شخصيات مستقلة تَعتبر باريس أنها قادرة على أن تؤدي دوراً توفيقياً مطلوباً في «بروفيل» رئيس الجمهورية، ولكنها ترى أن من المبكر الكشف عنها لأن طبخة الرئاسة لم تنضج ظروفها بعد.