No Script

قيم ومبادئ

مَنْ غشّنا فليس منّا!

تصغير
تكبير

الأمانة أنزلها الله في جذر قلوب الرجال، وهي من محاسن القيم وتظهر في السر كما تظهر في العلن، ولكي تقوم مصالح الناس في البيع والشراء وسائر المعاملات بلا منازعات وبلا إثارة الشرور في المجتمع.

وفي مقابل الأمانة تجد الغش والخيانة، فمَنْ خدع الناس بأي صورة فليس هو على هدي النبي، صلى الله عليه وسلم، وفي هذا زجر شديد وتهديد لمَنْ تمادى في الغش، ولكن اليوم في ظل أجواء الحريات - المزعومة - والحقوق المدنية وحريات الآراء والتذرع بعدم التدخل بالخصوصيات - استغل أصحاب النفوس الضعيفة هذه العمومات من أجل سوء استغلال مناصبهم لزيادة مكاسبهم المادية حتى أصبح الغش ظاهرة اجتماعية تناولت للأسف مرفق القضاء والتعليم و«الداخلية»، بل حتى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب!

إن حقيقة الغش تأتي بصورة تقديم الباطل في ثوب الحق أو تضليل الرأي العام أو إخفاء الحقيقة أو الشهادة بخلافها... ومن العار على الشرفاء أن يرضوا على أنفسهم بمثل هذه الدناءة الخُلقية، وهي في حقيقتها معصية تجمع بين أكل أموال الناس بالباطل وبين أسباب ضياع الأمم وانعدام الذمم وحصول المنازعات... ولن يكون علاج مثل هذا الداء العُضال بالقوانين وزيادة الأجهزة الرقابية فهي وإن كانت فاعلة ومجدية في بعض الأحيان إلا أنها لن تقوم مقام الوازع الديني.

والضمير الأخلاقي وإحياء جانب المراقبة لله (فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، حتى يعلم كل فرد أن الله مطلع على أعماله وسوف يُحاسبه بعدما تشهد عليه الملائكة، ويشهد عليه سمعه وبصره وجلده ورجله ويداه بما كان يعمل!

وحين يبلغ الفساد في التصوّر يتسع حتى يصبح هو الأصل، وهنا يتغير الأمر ولم يعد فساد السلوك وحده هو العلة فنعالجه بخطبة حماسية أو موعظة مؤثرة وإنما أصبح الأمر يحتاج إلى جهد جهيد.

لقد كانت شهادة أن لا إله إلّا الله عند الجيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم الذين تلقوها وآمنوا بها أول مرة شيئاً يبلغ من الضخامة والرسوخ والقوة بحيث يمكن أن يزيل واقعاً بشرياً بأكمله، ويُنشئ بدلاً منه واقعاً جديداً مختلفاً عنه كل الاختلاف.

لقد كان الإسلام منهج حياة متكاملاً يشمل الحياة: بجميع جوانبها، فلا يخرج شيء من هذه الحياة صغُر أو كبُر عن لا إله إلّا الله ومقتضياتها.

وهكذا تلقتها نفوسهم الزكية بقبول حسن وأنبتت في أرواحهم نباتاً حسناً فأصبحت نفوسهم نفوساً جديدة لا عهد لهم بها من قبل، وأصبحت حياتهم حياة جديدة ليس فيها من رواسب الجاهلية... فقد اكتسبت الحياة لديهم معاني جديدة لم تكن لهم بها سابق معرفة، بل حتى الأشياء الجديدة التي بقيت في مجتمعهم وهي من حياة الجاهلية وارتضاها الإسلام لم تكن هي هي بحالتها السابقة... إنما أصبحت شيئاً مختلفاً تماماً في جوهرها وأهدافها مع تشابه الصورة.

فالشجاعة مثلاً صفة من صفات العربي الجاهلي، ولما أتى الإسلام حضّ عليها ورغّب فيها ولكن هل بقيت كما هي؟ كلا! فشجاعة الجاهلية هي تلك الحمية التي ندّد بها الإسلام وحذّر منها والمتمثلة بقول الشاعر عمرو بن كلثوم:

ألا لا يجهلنّ أحدٌ علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

وهذه حمية الجاهلية... أما ما دعا إليه الإسلام فهو الجوهر الحقيقي للشجاعة... الشجاعة في الحق والتمسك به ولا يخاف في الله لومة لائم ولا يشتري بآيات الله ثمناً قليلاً... أما الحمية الجاهلية فهي كانت ومازالت بمفهومها القاصر والحاسر في انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً بالمعنى الجاهلي وهذا هو الغش الذي مَنْ يتعاطاه فليس منا فهل نعي ذلك؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي