No Script

رؤية ورأي

ممارسات «بيلونغلوية» في مجلس الأمة الكويتي

تصغير
تكبير

نحن شركاء – بدرجات مختلفة – في رعاية براكين الفئوية الطائفية والعنصرية، في مختلف مراحلها المتموّجة بين قمّة الثوران وقاع الخمود، لأننا أُسراء ثقافة منحرفة تُجرّم التصدّي للطائفيين والعنصريّين وتُبيح التغاضي عن خطاياهم وتُسوّغ الاندماج غير المشروط معهم. ولم نتحرّر من الأسرِ إلا لفترات قصيرة، بفعل أحداث وأزمات صادمة محليّة وإقليمية، وأحياناً من خلال أحداث ووقائع في دول رائدة في الممارسة الديموقراطية.

من بين الأحداث الخارجية الحديثة التي ينبغي الاستفادة منها في التحرّر من الأسر، ثم تصحيح ممارستنا للديموقراطية، تسطع مجريات جلسة الجمعية الوطنية الفرنسية (أحد جناحي البرلمان الفرنسي) في يوم الخميس الماضي. الجلسة التي أطلق فيها النائب غريغوري دو فورنا، عضو الحزب اليميني المتطرّف «التجمع الوطني»، عبارة «فليعد إلى أفريقيا» مقاطعاً بها النائب كارلوس مارتينز بيلونغو، الفرنسي من أصول أفريقية.

الدرس الأول، هو وجوب التصدّي الفوري الجمعي الحازم لكل مثير فتنة فئويّة. فبُعَيد إطلاق العبارة العنصرية، توالت صيحات الاستهجان والاستنكار من كل حدب وصوب على النائب دو فورنا، ثم سرعان ما تحوّلت الصيحات إلى مطالبات بطرده، مما دفع رئيسة البرلمان إلى تعليق الجلسة. ثم في اليوم التالي، أعلن عن منع النائب دو فورنا من دخول البرلمان مدّة 15 يوماً وخصم نصف راتبه لمدة شهرين، وهي العقوبة الأشد المتاحة أمام البرلمان، التي لم تُطبّق من قبل إلا مرة واحدة في عام 1958.

وأما نحن – الكويتيين من كل الأطياف – نساوي بين النوّاب مثيري الفتن الطائفية وبين النوّاب المتصدّين لهم، ونطالب النوّاب الآخرين بتجاهل الفتن ومثيريها بذريعة أنها مفتعلة بغرض إشغال الأمّة عن مسيرة الإصلاح ومحاربة الفساد. الشاهد أن فرنسا التي ترتيبها وفق مؤشّر مدركات الفساد أفضل بكثير من ترتيب الكويت، توئد الفتن فور ولادتها حتى لا تنشغل بها عن التنمية والريادة.

الدرس الثاني، هو ضرورة الضغط على مثيري الفتنة الفئوية لتقديم اعتذارات علنيّة. فالنائب دو فورنا الذي أقرّ – وفق ما تناقلته قناة «فرانس 24» – في وقت سابق أنه أطلق العبارة العنصرية، تراجع لاحقاً وأعرب عن أسفه للنائب بيلونغو عن أي سوء فهم، مؤكّداً أنه لم يقصده وإنما كان يشير إلى المهاجرين الذين يصلون إلى فرنسا من أفريقيا. وعليه، أدعو النوّاب والنشطاء الوطنيين إلى مطالبة الذين أثاروا الفتن الطائفية على مدى سنوات طويلة – الخامدين عن إثارتها حالياً – بالاعتذار عن خطاياهم السابقة، لكي نرسخ ثقافة مجتمعية معادية لمثيري الفتن.

وأمّا الدرس الثالث، هو لزوم التحرر من الطائفيّة الذاتيّة، التي تحرج وتمنع معظم النوّاب المصنّفين وطنيّين، من تبنّي مشاريع لردم هوّة التمييز الفئوي في الحقوق والواجبات العامّة، لكونهم ينتمون إلى إحدى الفئات المستفيدة من تلك المشاريع. وفي امتناعهم، يتحجّج هؤلاء الطائفيون ذاتيّاً بذرائع متعدّدة أقبحها أن أولوية معالجة قضايا الشأن العام أعلى من أولوية ملفات الغبن الفئوي الخاصة بفئات معينة. متناسين أنه بإمكانهم كالفرنسيين الجمع بين الفئتين من القضايا، بل أن الجمع إلزام دستوري.

فالنائب بيلونغلو الذي تعرّض للإساءة العنصرية، لم تمنعه أصوله الأفريقية من طرف الأبوين عن مساءلة الحكومة الفرنسية عن خططها في شأن مساعدة 234 مهاجراً قادماً من أفريقيا – موطن أجداده – على سفينة عالقة في مياه البحر المتوسط.

علينا الارتقاء في مفهومنا للوطنية والديموقراطية، من مفهوم سطحي طائفي عنصري مبنى على الانتماءات المذهبية والعرقية للنوّاب وتكتّلاتهم، إلى مفهوم ديموقراطي مبني على المبادئ والقيم الدستورية كالعدالة والمساواة. لذلك، أدعو إلى الاستفادة من الأجواء الوطنيّة الشكليّة السائدة، في تنقيح ثقافتنا السياسية، من خلال المطالبة بممارسات «بيلونغلوية» في مجلس الأمة الكويتي... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي