البرلمان فوّضها «واجب» تصريف الأعمال في جلسةِ «التوتر المضبوط»
رسالة عون تحوّلت «ثقة ثمينة» لميقاتي وحكومته المستقيلة
- مناوشاتٌ «سلاحها الاعتذار» بين ميقاتي وباسيل و«سجال الشوارب» بين رئيس «التيار» وستريدا جعجع
- بري حدّد الخميس المقبل موعداً لجلسةٍ خامسة لانتخاب رئيس
انتزعتْ الحكومةُ اللبنانية المستقيلة ورئيسها نجيب ميقاتي ثقةً ثمينة من برلمان 2022 الذي مَنَحَها تفويضاً بصيغة «الواجب» لإدارة مرحلة الشغور في سدّة رئاسة الجمهورية وإن ضمن الحدود الضيّقة لصفتها الأصلية كحكومةِ تصريف أعمال.
وبمعزل عن الضوضاء «المضبوطة» التي طبعتْ جلسةَ تلاوةِ ومناقشة رسالة رئيس الجمهورية (السابق) ميشال عون إلى البرلمان والتي طلبتْ سحْبَ التكليف من ميقاتي لتأليف حكومةٍ جديدةٍ واعتبرتْ أن حكومةَ تصريف الأعمال الحالية «غير صالحة» لوراثة صلاحيات الرئاسة الأولى وهو ما دعّمه (عون) بتوقيع مرسوم اعتبارها مستقيلةً في محاولة لجعْلها «غير موجودة» دستورياً، فإن رئيس مجلسَ النواب نبيه بري نَجَحَ في حصْدِ مجموعة نقاط أبْعد من الإفتاء بعدم دستورية المطالبة بسحْب التكليف (سقط حُكْماً مع بدء الشغور الرئاسي) وذلك بعدما كان «التيار الوطني الحر» وضعه في مرمى نار واحدة مع ميقاتي متّهماً إياهما بتعمُّد تعطيل استيلاد حكومة كاملة الصلاحيات.
وجاء الموقفُ الذي صَدَرَ بـ «الإجماعِ» عن البرلمان بعد الاستماع الى رسالة عون «حول مسألة تشكيل الحكومة الجديدة وبعد النقاش حولها»، الأكثر تعبيراً عن خروج ميقاتي بـ «حَصانةٍ دستورية» لدوره وحكومته المستقيلة كـ «حصانِ الضرورة» في توفير «شبكة أمانِ» الحد الأدنى للبلاد التي تُلاطم انهياراً مالياً هو من الأعتى في العالم منذ 1850 وذلك بانتظار اكتمال ظروف انتهاء «السباق الرئاسي» إلى انتخاب الرئيس 14 للبنان.
ونصَّ «الموقف» على الآتي: «استناداً الى النص الدستوري حول أصول تكليف رئيس لتشكيل الحكومة وطريقة التشكيل وفق المادة 53 من الدستور ولما لم يرد أي نص دستوري آخر حول مسار هذا التكليف واتخاذ موقف منه، وبما أن فخامة رئيس الجمهورية قام باستشارات ملزمة وفق ما ورد وبعد إطلاعه رئيس المجلس النيابي، أتت نتيجتها تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة.
وباعتبار أن أي موقف يطول هذا التكليف وحدوده يتطلب تعديلاً دستورياً ولسنا بصدده اليوم وفي الصفحة الرابعة من رسالة فخامته يشير الى ذلك وحتى لا تطغى سلطة على أخرى، ولحرص المجلس على عدم الدخول في أزمات ميثاقية ودستورية جديدة، وحرصاً على الاستقرار في مرحلة معقدة وخطيرة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً تستوجب إعطاء الأولوية لعمل المؤسسات، يؤكد المجلس ضرورة المضيّ قدماً وفق الأصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلف للقيام به بمهامه كحكومة تصريف أعمال».
واستوقفتْ أوساطاً مراقبة الصياغةُ المتعلّقة بـ «رئيس الحكومة المكلف للقيام به بمهامه كحكومة تصريف أعمال» والتي انطوت إما على «التباسات لغوية» أو «غموضٍ متعمّد» تفادى ذكر المسرح السياسي - الدستوري التي ستصرّف عليه الحكومة المستقيلة الأعمال وهو الشغور الرئاسي، وذلك بعدما جرى الركون الى تفاهم ضمني على أن البلاد باتت أمام حكومة رئاسية مع وقف الإعلان تمْضي في «عملها كالمعتاد» ضمن نطاق تصريف الأعمال ومن دون جلسات لمجلس الوزراء (إلا في الحالات الطارئة) والتي من دونها لا تعتمر «القبّعة الرئاسية».
وكان ميقاتي وخلال الجلسة قال في موضوع ممارسة الحكومة مهماتها: «أعي تماماً انه عندما يتحدث الدستور عن تصريف الأعمال بالمعنى الضيق، فهو حتماً يميّز بين حكومة كاملة الأوصاف وحكومة تصريف الأعمال، وهذا الأمر ينطبق في الأيام العادية، ولكن عندما تقتضي المصلحة الوطنية العليا، سأستشير المكوّنات المُشارِكة في الحكومة لاتخاذ القرار المناسب، بدعوة مجلس الوزراء اذا لزم الأمر، وأنا لستُ في صدد تحدي أحد، ولا ضد أحد. سنتشاور في اي موقف ونتّخذ القرار المناسب».
وفي معرض تذكيره بالرسالة التي وجّهها الى البرلمان رداً على توقيع عون مرسوم اعتبار حكومته المستقيلة حُكماً منذ ما بعد انتخابات مايو النيابية مستقيلةً والتي أكد فيها المضيّ بمسؤوليات تصريف الأعمال التي باتت «بمرتبة الإلتزام والموجب الدستوري كرّسته وفرضته المادة 64»، وبعدما شدّد على «ان هناك استشارات نيابية ملزمة حصلت، وتم بموجبها تكليف رئيس حكومة بتشكيلها»، اكد ميقاتي أن المطلوب من عون وفريقه «كما هو واضح، هو تعديل الدستور، وكل ما نشهده هدفه خلق جدلية لمنع الحكومة من ممارسة عملها»، وأضاف: «أنا تحت سقف الدستور والقوانين المرعية، وسأقوم بعملي بشكل كامل، كما سأعمل مع السادة الوزراء، كلّ في وزارته، لانجاز ما هو مطلوب. والحل بانتخاب رئيس الجمهورية، وهذا الحل هو في عهدة مَن يطالبون به وليس عندي. يجب انتخاب رئيس الآن وغداً قبل بعد غد».
وفي موازاة ذلك، اعتبر رئيس «التيار الحر» جبران باسيل بعد الجلسة «أن عدم وجود إرادة بتشكيل حكومة شكل ضربة كبيرة للدستور أدت لفراغ رئاسي فوقه فراغ حكومي وحصل اعتراف من الجميع اليوم بأن الحكومة لم يعد بإمكانها الاجتماع إلا إذا حدث أمر طارئ بموافقة كل المكونات»، لافتاً إلى «أن الحالة الفريدة التي نعيشها اليوم ناتجة عن عدم رغبة رئيس الحكومة المكلف بالتأليف، وعدم اعتذاره، وعدم القدرة على سحب التكليف منه، وهذا ما تسبب بالفراغ المتعمد... هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية عجز المجلس النيابي عن انتخاب رئيس»، ومشيراً إلى «أنه أمر جيد ان يصدر عن المجلس النيابي أن هذه الحكومة لا تستطيع أن تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية».
وكانت الجلسة التي انعقدت على وقع خشية من «انفجارها» بصاعق ما وُصف من خصوم العهد السابق بأنه «رسالة مسمومة» أريد منها استدراج «حرب صلاحيات ذات طبيعة طائفية» شهدت سجالاتٍ ولكنها بقيت «تحت السقف».
وأحد السجالات اندلع بين باسيل وميقاتي، حين كان الأخير يستعرض مفاوضات تشكيل الحكومة بالوقائع والتواريخ ويؤكد «أنا كنت أكثر المتحمسين لتشكيل حكومة»، فردّ عليه رئيس «التيّار الحرّ» «أنت تستغيب الرئيس»، فردّ ميقاتي «سأطلب من رئيس الجامعة اللبنانية وضع مادة تدرّس كيف نفاوض على شفير الهاوية».
ورداً على ميثاقية تكليفه، قال ميقاتي لباسيل «كان يجب أن أعتذر في حينها، ولكن عندما طالبتَ أنت باعتذاري تراجعتُ».
كذلك برز سجالٌ بين رئيس «التيار الحر» وعضو تكتّل «الجمهورية القوية» النائبة ستريدا سمير جعجع، التي قامتْ بمقاطعة مداخلة باسيل التي تحدث فيها عن اعتماد ترشيح المسيحيّ الذي اختاره الناس لرئاسة الجمهورية، حيث قالت «يلا إمشي بسمير جعجع»، فردّ عليها باسيل «ما تشوّشيني بأمور جانبية»، قبل أن تضيف: «هوي الأقوى مسيحياً حط إيدك على شواربك ويلا ننتخب سمير جعجع»، فأجابها باسيل «شفنا اللي عندو شوارب بدو داعش والنصرة بسورية».
فعادت وردّت عليه «اللي عندو شوارب بكون رجّال».
وشهدت الجلسة بعد تلاوة رسالة عون انسحاب نواب «الكتائب» والتغييريين، وسط تأكيد النائب سامي الجميل (رئيس الكتائب) أن «المجلس النيابي يتحوّل عند الفراغ الدستوري هيئة ناخبة وبالتالي لا يحق له بحسب المادة 75 القيام بأي عمل آخَر إلا انتخاب رئيس للجمهورية، وعند وقوع الفراغ يجب البحث عن تعبئته وليس تنظيمه لأن بذلك نقوم باجتهادات نخرج بها عن الدستور».
أما النواب التغييريون فاعتبروا في بيان صدر عن 10 منهم، أنّه «بما أنّ المادة 74 من الدستور تنص صراحةً على أنّه إذا خلت سدّة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون، وبما أنّ المادة 75 من الدستور تنص صراحةً على أنّ المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يُعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أيّ عمل آخر، وبما أنّ سدة الرئاسة خلت في منتصف ليل 31 اكتوبر من دون التمكن من انتخاب رئيس جمهورية جديد، فإنّ الدعوة إلى جلسة موجهة إلى النواب لتلاوة ومناقشة رسالة رئيس الجمهورية، لا تستقيم، مع ما يَترتب من تبعاتٍ وعيوبٍ تمسّ صحة وقانونية الجلسة».
وتحت وطأة المطالبات للبرلمان باستعادة جلساته لانتخاب رئيس والتي فشل في 4 منها حتى الآن بالوصول إلى نتيجة، أعلن بري أن مرحلة الشغور ستحكمها «جلسة في الأسبوع» بدءاً من الخميس المقبل «ولكن آملاً منكم ألا تتحوّل القصة مسرحية لاننا عقدنا 4 جلسات وتحوّلنا الى موضوع«هزء»ولذلك قلت انني بصدد القيام بشيء من الحوار»، ومتمنياً «خلال هذا الأسبوع أن يحصل توافق بين المكونات والبلوكات، وجميعكم يعرف أين هي العقدة. العقد يجب أن تُحل وإذا لم يحصل تَراجُع من هنا وتراجع من هناك لن نصل إلى حل».