رسالتي

رحيل أمي غير!

تصغير
تكبير

مؤمنٌ بأنّ لِكُلِّ أجلٍ كتاب، وبأنّ كلّ مَنْ في الأرض فانٍ، وبأنه لن يبقى سوى وجه ربّنا ذي الجلال والإكرام.

رحلت أمي -رحمها الله- إلى جوار الرحمن الرحيم، وأنعم به من جوار وكما، قال الشاعر عندما فقد ولده:

جاورت أعدائي وجاور ربّه... شتّان بين جواره وجواري

رحلت -رحمها الله- فشعرنا برحيلها كأنّنا أيتام - مع أنّ أعمارنا تجاوزت الخمسين - وبرحيلها تساوت عندنا الأشياء، وأصبحت الدنيا لا تساوي جناح بعوضة، ولا نهتم إن هي أقبلت أم أدبرت، وصدق من قال: لا يشيخ المرء إلا عند فقد أمه.

لقد عُرِفت الوالدة -رحمها الله- بصفاتٍ عدة، أشير إليها لتكون تذكرة لمن بعدها.

لقد كانت -رحمها الله- ذات يد سخية معطاءة، فكانت كالغيث يسقي القريب والبعيد، ومن تعرف ومن لا تعرف.

كانت تقدم الهدايا السخية في المناسبات، وكانت تعطي الأحفاد عند سفرهم ما يعينهم في رحلتهم، فكسبت قلوبهم، حتى أن بعضهم قطع دراسته في الخارج وحجز مع أقرب رحلة ليشهد جنازتها.

كانت -رحمها الله- إذا سمعت ببلد منكوب تصدقت، وإذا سمعت بمشروع خيري شاركت.

بنت في حياتها مسجداً في غانا، وكانت تدفع سنوياً لمشروع إفطار الصائم والأضحية لأهل مسجدها.

فأسأل الله -تعالى- أن يجعلها تحت ظل صدقتها يوم القيامة.

كانت -رحمها الله- شديدة الحرص على اللبس الساتر حتى وهي في السبعينات من عمرها، فلم تكن تخرج إلا وعليها عباءة الرأس، وتستحي أن تخرج إلا وهي تغطي قدميها.

وكانت -رحمها الله- تحرص على السنن ناهيك عن محافظتها على الفرائض، وكثيراً ما كانت تتأخر علينا، ثم نكتشف أن السبب هو أداؤها للسنن قبل وبعد الصلوات المكتوبة.

وكانت لا تنام إلا بعد أدائها لصلاة الوتر، مع أن الذهاب لتجديد الوضوء كان يتعبها، وفيه مشقة عليها.

تفاجأت في يوم عرفة الماضي أنها صامت ذلك اليوم، مع أنها معذورة عن صيام رمضان بسبب إصابتها بالفشل الكلوي.

وفاجأتني مرة بأنها حجزت للعمرة مع أن غسيل الكلي كان يوم بعد يوم، لكنها رتبت سفرتها بحيث تذهب للعمرة وترجع لتدرك موعد الغسيل الآخر.

لقد ابتليت الوالدة -رحمها الله- بالعديد من الأمراض، وأجرت العديد من العمليات لكنّها كانت صابرة محتسبة.

فأسأل الله -تعالى- أن يجعل ذلك تكفيراً لذنوبها ورفعة لدرجاتها.

إنّ مما خفّف علينا المصاب برحيل الوالدة -رحمها الله- هي تلك المبشرات التي رأيناها بعد وفاتها، ومنها وجهها البشوش، والجمع الغفير الذي صلى على جنازتها، وذكرها الطيب على ألسنة من يعرفها، كما أنّ وفاتها كانت يوم الجمعة، وبعض أرحامنا رآها في المنام وهي في أحسن حال وأجمل صورة.

أقول لكل الأبناء والبنات، اجتهدوا في بر الوالدين والإحسان إليهما قبل رحيلهما، فهما لن يريا دموعك، ولن يسمعا نحيبك، ولن يشعرا بتقبيلك لهما أو بضمك لجثمانهما، فكل ذلك لن يفيد إن لم تكن أحسنت إليهما في حياتهما.

رب اغفر لوالدي وارحمهما كما ربّياني صغيرا.

Twitter: @abdulaziz2002

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي