No Script

سافر إلى ذاتك

اللي ما يطول العنب حامض عنه يقول

تصغير
تكبير

مثل معروف...

في مجتمعنا يرمز إلى الشيء الذي لا تصل له، تخرج العيوب فيه وهذا المثل يرجع لقصة كتبها الشاعر اليوناني اسوب، الذي كتب عن الثعلب والعنب، حيث حكى لنا أن هنالك ثعلباً كان عطشان جداً ثم وجد عنقود عنب، وقرر أن يقطفه وكان ناضجاً، لكنه لم يستطع ذلك، وباءت كل محاولاته بالفشل، فقال بالتأكيد هو حامض وغير جيد ليخفف عن نفسه فشل محاولته وغادر بحزن. هذه قصة، أما الأخرى «دكتورة، زوجي متناقض يروح النادي ويهتم بالتمارين ويرجع ياكل حلويات بشراهة، ممكن تفسرين لي لماذا هذا التناقض»؟

هذه قصة... وأخرى.

«دكتورة، الكذب حرام أعرف هذا المفهوم عدل لكن أنا حياتي كلها كذب، اكذب باسم عائلتي واكذب بوظيفتي واكذب بأتفه الأشياء مثل من وين شريت فستاني، اعيش حياتي بمشاعر متناقضة بين كذبي وبين مشاعري بعد الكذب».

قصة أخرى، «دكتورة أنا أسافر بشكل مختلف عني بالكويت، يعني اسافر اخلع الحجاب وأرجع ألبسه بالمطار، ما تتصورين المعاناة النفسية داخلي».

نترك القصص

المعتقدات

(الغش خطأ ويغش في الاختبار).

(المراوغة مذمومة وأراوغ في علاقاتي).

(الخيانة مرفوضة وأنا أول الخائنين).

قصص كثيرة ومعتقدات أكثر فيها تناقض بين السلوك والشعور يعني بالكويتي (السلوك صوب والشعور صوب ثاني مالهم شغل ببعض)، وجميعهم يشتركون بالنتيجة. وهي السلوك المخالف والتبرير لهذا السلوك، ماذا يسمى هذا الأمر؟ يدعى: التنافر المعرفي (cognitive dissonance)‏ وهي نظرية تقول هناك مسافة نفسية مزعجة بين الحالة من التوتر أو الاجهاد العقلي أو عدم الراحة التي يعاني منها الفرد وبين المعتقدات أو الأفكار أو القيم المتناقضة التي يحملها داخله، أي أن كل فرد يقوم بسلوك يتعارض مع معتقداته وأفكاره وقيمه، أو يواجَهها بمعلومات جديدة تتعارض مع أصلها ونوعها، يتعرض للانزعاج والتوتر والحزن، فالمدركات في الحياة 3 أنواع:

الأولى هي:

1 - العلاقة المنسجمة، وفيها ينسجم اثنان من المدركات /السلوكيات مع بعضهما البعض (على سبيل المثال، عدم الرغبة في أكل الحلويات بعد ساعة 8 مساء - إدراك-، ومن ثم شرب الماء بعد 8 مساء. بدلاً من ذلك-).

2 - العلاقة غير ذات الصلة، ويوجد فيها اثنان من المدركات/السلوكيات التي لا علاقة لبعضهما البعض (على سبيل المثال، عدم الرغبة في أكل الحلويات، ثم الانشغال بربط الحذاء).

3 - العلاقة المتنافرة، وهي قضيتنا اليوم وفيها يتعارض اثنان من المدركات/السلوكيات مع بعضهما البعض (على سبيل المثال، عدم الرغبة في أكل الحلويات، ثم أكل كمية كبيرة منها).

وهنا تنشأ المشكلة النفسية مع النفس والمشكلة الاجتماعية في تفسير لماذا يتصرفون هكذا هل هم منافقون؟ يدعون مالا يفعلونه أم هم كذابون أو هم يعانون فعلا من أنفسهم ولنجيب عن كل ذلك، نذكر القصة التالية التي حدثت في كتاب ليون فستنغر، (1956)، «عندما تفشل النبوءة» (When Prophecy Fails). ويعطي هذا الكتاب سرداً لجماعة دينية بعد فشل نبوءتهم القائلة بأن هبوط جسم غريب على الأرض ليدمرها هو أمر وشيك، وقاموا بتحديد الزمان لذلك، ثم يجتمعون في مكان ووقت محدد مسبقاً، لاعتقادهم أنهم وحدهم من سيبقون على قيد الحياة نتيجة أن الأرض سيتم تدميرها، يخاف الناس من هذا الأمر. ثم تفشل النبوءة المرعبة ويأتي الوقت المحدد واليوم المحدد ولا يحدث شيء.

ما توصل له فستنغر، أنّ أصحاب هذه النبوءة عندما واجهوا فشلها أُصيبوا بنوعٍ من عدم الارتياح، إلا أنهم اخذوا ردة فعل ليريحوا أنفسهم من هذه المشاعر وهي شرح وإعلان أنّها كانت حقيقية، ولكنّ عبادتهم أنقذت العالم. كان بإمكانهم أن يقولوا أخطأنا وينتهي الأمر، ولكن لأنهم لم يفعلوا ذلك، انتبه فستنغر، ووصل إلى أنّ الأفراد يشعرون بعدم الارتياح عندما تتم مواجهتهم بمعلومات تتعارض مع معتقداتهم أو أفكارهم السابقة، وهذا الانزعاج يولد ضغطاً نفسياً عليهم، مما يضطرهم أن يثبتوا أن الفكره صحيحة أو تغيرت مشاعرهم تجاهها أو أنهم حاولوا المستحيل ليبعدوا شيئاً آخر متعلقاً بما فكروا به، كمثال كذبت حتى لا يضربك اباك، وهناك ايضاً ردود فعل مختلفة كادّعاء سوء الفهم، وطلب جماعة داعمين للفكر القديم لمساعدتهم على محاولة إقناع الآخرين بها.

نرجع للأمثلة السابقة (دكتورة زوجي متناقض. ودكتورة أنا أكذب. ودكتورة أنا أخلع الحجاب). معتقدات متناقضة للسلوك الذي تم التصرف فيه. وهذا هو التأثير النفسي السلبي على الصحة النفسية، الضغط بين ما اعرف انه صحيح وبين ممارساتي الخاطئة، وهو بوابة القلق والضغوطات النفسية.

ولأن القصص السابقة تشابهت بالتناقض المعرفي والسلوكي، إذاً، لنتفق أن هؤلاء يعانون من التنافر النفسي ويحتاجون مساعدة في تعديل السلوك ليتوافق مع المدركات والسلوك لا يتغير بيوم وليلة، ولا يحتاجون متنمرين حولهم، وضاغطين على نفسياتهم ومتهورين في الحكم عليهم، كل ما يحتاجونه هو مساعدة تنظم الانفعال والسلوك والمعتقد.

طيب، والثعلب والعنب الحامض هو ظاهرة منتشرة حولنا ونراها في أبسط الاشياء وفي أشدها تعقيداً كالتعميم على الزواج مثال اتزوج/ اتطلق/ النتيجة الزواج سيئ. أتقدم على وظيفة / وما قبلوني/ النتيجة أقول أصلاً ما ابي هذه الوظيفة، اعمل مشروع / واخسر به / اصلاً ما كنت احب المشروع.اريد امنية / ما حققتها / اصلا كنت مو واعي لم تمنيتها.

اللي ما يطول العنب يصف مع الثعلب وحامض عنه يقول...

احذر التنافر المعرفي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي