عرفت امرأة، كانت تأكل الخبز والجبن، والفول والفلافل، والنخي والآش، والزيتون والزعتر، والبيض والطماطم لكن زادُها الحقيقي كان الدعاء.
تزوجت وأنجبت وبذلت ما في وسعها لتربية أبنائها وغرسهم في الأرض، وحافظت على علاقة الستر والرضا بين ربها وجيرانها، رَوت الزرع وأطعمت الطير وأعطت بواقي الطعام للقطط، أعدت القهوة، نظفت البيت، طبخت وأعدت الطعام، غسلت المواعين، انزلت الستائر لتغسلها، عطرت الممرات والغرف، شعرت في حياتها بانتصارات وانكسارات، صلت ودعت، صامت أطاعت، ضحكت وبكت وشعرت بالحنين، تكلمت، صمتت، وسافرت وعادت، عاشت وماتت... لقد فعلت ما ينبغي عليها فعله تماما مثل أي أم عادية «رحمها الله» محفورة في وجدان أبنائها.
كلما أتذكرها الآن، وبعد مرور اثنتي عشرة سنة من افتراقنا في الدنيا، أراها تدعي وترفع يدها في وقت المطر، واسترق السمع بين عالمين فأجدها تدعو لأبنائها.
قالت لي ذات يوم «الدعاء هو الوقاية والدواء معاً».
عزيزي القارئ... يااااارب، قلها بيقين، أم تمسك بابنها في قارب للاجئين وتعلم جيداً أنها من المستحيل أن تفلته... قلها وسوف تجد أنه يُذهلك، فتدعو أن يفتح لك باباً فتجده فتح لك جداراً كاملاً، تطلبه أن يعطيك قلباً يُحبك، فتجده أعطاك قلباً يغمرك، تطلب شربة ماء، فيُفجر من بين يديك نهراً لا ينفذ معينه، تطلب منه فرحة صغيرة، فيملأ حضنك بالأفراح ويُوقد لك المنارة، تطلب حمولة جمل فيعطيك قافلة كاملة.
عندما تقول يااااارب، يمكن لك أن تقول ما تريد، وأن تسمع ما يُقال...، واعلموا -بارك الله في خطاكم وذريتكم- ما أنتم إلا دعاء أمهاتكم وآبائكم، وما دعوا يوماً إلا واستجاب، ربما يتأخر الوصل بمعيار العباد، ولكنه يأتي في وقته كما يراه العليم الخبير، إنه يتأخر بالمعايير البشرية، ولكنه في وقته بالمعايير الربانية.
إنما يكون إيمانه صورة لا روح فيها، وظاهراً لا باطن له، ومرتسماً لا حقيقة تحته، ذلك الذي يعتقد أن مد أمواج الأيام لا يأتي له بدعائه الذي دعى الله به... وكل متوقع آت. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر.
Moh1alatwan@