No Script

مجرد رأي

كلنا سعوديون... وحائطنا واحد

تصغير
تكبير

يحكى أن تاجراً في عصر ليس ببعيد، تعرض العالم من حوله إلى أزمة برد قارص، فوجه نداءه إلى نظرائه بأن يساعدوا في تخفيف الضغوط عن المأزومين باسم الانسانية، ومصلحة البشرية.

لكن المفارقة أنه ثبت للجميع أن التاجر نفسه يعاكس ما ينادي به من مبادئ، وفي الوقت نفسه لا يكف عن مهاجمة الآخرين بما يؤخذ عليه ويهددهم بحجة أنهم يخربون السوق، رغم أن قراراتهم تصحيحية ومبينة على معطيات اقتصادية، كما أنها لا تأتي تحت ضغط انتخابي يقض مضجعه.

ما سبق ليس إلا مقدمة ضرورية لتقريب الموقف الأميركي بعد قرار منظمة «أوبك بلس» خفض الإنتاج النفطي مليوني برميل، والذي عكس أخيراً وبشكل واضح، غضب واشنطن من السعودية لأنها قادت حسب رأي الرئيس بايدن القرار، وهو ما بدا واضحاً من التعليقات المستنكرة من قبل مسؤولين أميركيين والتي انهالت على السعودية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

مبدئياً أخطأ الأميركان في ذلك مرتين، الأولى بتوجيه التهديد واللوم إلى المملكة العربية السعودية، لتحميلها مسؤولية قرار «أوبك بلس»، لأنه باختصار قرار «أوبك بلس» صدر عبر «توافق جماعي» بين الدول الأعضاء، ولم تقره المملكة منفردة.

فبقراءة بسيطة يتضح أن القرار الذي يهدف لتحقيق استقرار في أسعار النفط التي تراجعت مع تباطؤ الاقتصاد العالمي جاء بالتنسيق والدراسة مع أعضاء المنظمة الآخرين، ويشملون الكويت والإمارات والجزائر وإيران والعراق وليبيا ونيجيريا وغينيا الاستوائية وفنزويلا والكونغو وانغولا، إضافة إلى روسيا وآخرين من خارج تحالف «أوبك».

إذاً، خفض الإنتاج النفطي رغم التحذيرات الأميركية جاء وفقاً لتحركات جماعية وليس بتوجيه من السعودية كما يتهم الادعاء الأميركي، كما أنه وحسب مسؤولين سعوديين القرار مبني على اعتبارات تنظيمية واقتصادية لا دخل للسياسة فيها، فكما هو معلوم أميركياً أن حدة التصريحات مرتبطة بصراعات انتخابية بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي.

أما الخطأ الأميركي الثاني فجاء في الذريعة، فبعد ما صرح به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أخيراً بالقول إن الولايات المتحدة والنروج تبيعان الغاز للأوروبيين بثمن مضاعف 4 مرات ما تبعيه لشركاتها يجب أن توجه للأميركان تهمة شيطنة أسعار الطاقة.

وإذا كان قرار تحالف «أوبك بلس» خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً في محاولة لتعزيز أسعار الذهب الأسود، استفز الولايات المتحدة التي أكدت أن مثل هذه الخطوة ستضر الدول التي تعاني أصلاً من ارتفاع أسعار الخام، إلا أن ردة الفعل الأميركية كانت عدائية بطريقة غير مبررة، وتشبه موقف الشرطي الذي يهدد الجمهور باستخدام حقه بالمخالفة لمجرد أنه يملك ذلك وليس لأن الآخر يستحقها.

وما يتعين التركيز عليه أنه جرى تغذية الموقف الأميركي باعتبارات سياسية قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي الشهر المقبل، وما يتطلبه ذلك من ترضيات انتخابية تخفف حدة الهجوم من متضرري أزمة الطاقة.

الخلاصة:

بعد أشهر قليلة من مصافحة «قبضة اليد» الشهيرة بين بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أكدت الرياض على أن مصالحها الاقتصادية مقدمة على الرغبات السياسية لواشنطن حتى لو كانت حليفتها.

أما الاعتبار الثاني الذي أظهرته الانتقادات الأميركية، وهو الجانب المشرق في المسألة أن جدار السعودية قوي جداً، ويشكل سداً منيعاً أمام أي تهديد بفضل قوة المملكة من ناحية، وقوة الدعم الذي تحظى به خليجياً، بعد ما أكدته التصريحات الرسمية لمسؤولي دول التعاول الخليجي على أن الجميع كويتياً وخليجياً يقف يداً بيد مع السعودية في كل قراراتها تحت عنوان «كلنا سعوديون».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي