No Script

قيم ومبادئ

لن تُصلحنا الأحزاب السياسية!

تصغير
تكبير

إنّ خط الانحراف الطويل الذي مررنا بخطوطه العريضة منذ بداية التأثر بالأفكار الواردة من الخارج في القرنين الثامن عشر إلى مطلع التاسع عشر حيث تبلورت فكرة إنشاء الأحزاب السياسية حيث يعتبرها البعض مؤشراً على التعددية السياسية مع إمكانية التداول السلمي للسُلطة، إذا سُمح لها بالعمل العلني والدخول في التنافس الانتخابي في ما بينها للحصول على غالبية المقاعد وتشكيل حكومة، ولكن واقع عالمنا العربي يشهد بانعدام التنافس السلمي على السلطة.

لقد بلغت الأحزاب العربية المعلنة 130 حزباً في الدول العربية؟ وهذا إلى جانب غير المعلن والأحزاب التي تعمل وراء الكواليس!

لقد اندفع الناس إلى تأييد هذه الأحزاب بمختلف منطلقاتها وميولها الثورية معتقدين أنها ضرورية لضخ الحيوية الخلاقة في الحياة السياسية.

ولكنهم وجدوا بعد طول السنين أنها سبب ونتيجة لحال من الفوضى الفتاكة أدت إلى عزوف الناس عن التحزب، وتالياً الشك بالمبدأ الديموقراطي نفسه الذي نصت عليه الدساتير مع تبلور رأي عام شعبي سلبي تجاه الانتخابات برمتها!

والحقيقة التي لا يُمكن تجاهلها أن غالبية الأحزاب السياسية غذّت الصراعات الوطنية أو أصبحت وقوداً لها، وبعضهم حملَ رايات أيديولوجية سرعان ما تنكر لها، وأحزاب أخرى اكتفت بالتموضع حول مصالحها، فيما راهنت أحزاب على النزعة الشخصية لبناء زعامة فردية تومض للحظة ثم تنطفئ إلى الأبد!

حتى أصبحت العملية السياسية عبارة عن (ترف سياسي - وتجربة تراوح مكانها - وطابع شخصي - وديموقراطية في غياب الدولة).

والخلاصة، إذا كانت هذه حال الأمة، كما هو واضح لكل مَنْ يدرس أحوالها فمَنْ يصلحها؟ وأين قيادتها؟ فهل تصلحنا الأحزاب السياسية الموالية للغرب أو الشرق؟ وهي لا تضع الإصلاح في برامجها ولا تقدر عليه، ففاقد الشيء لا يُعطيه... وهذه تجربة قرن كامل من الزمان كانت الأمة منجرفة فيه إلى تقليد الغرب، والذوبان فيه، فما استطاعت الأحزاب الاشتراكية ولا الرأسمالية أن تصلح شيئاً في هذا المجال، وظلت الأمة - إن لم تكن قد زادت - في فوضويتها الكارهة للنظام وعفويتها الكارهة للانضباط، وانساقت الجماهير وراء الذي يُشعل الحماسة للحظات ثم تخبو وتخمد العزائم وتنصرف الجهود، بعد فشل الثورات الجماهيرية بحجة (الثورة اتسرئت!).

والحقُّ والحقَّ أقول، لا يقدر على إصلاح هذه البيئة إلا رجال دولة لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذِكر الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة الذين تربّوا تربيةً صالحةً فآمنوا بالله وحده، ثم حَملوا أمانة الحفاظ على الوطن من أيدي العابثين.

ويا ترى كم جلسة، وكم درساً، وكم موعظة، وكم توجيهاً نحتاج إليه في الكويت لتتعلّم الجماعة والقاعدة الشعبية ومكونات المجتمع المدني ليمتثلوا لنداء الحق والواجب، وينهضوا من جديد من كبوتهم، ونتجاوز أزمتنا الحاضرة ونأخذ في الصعود إلى المجد؟

إنّ الذين يستطيلون طريق التربية والتوعية ويحسبون أن هناك طرقاً حزبية أقصر ينبغي أن يأخذوا العِبرة من عظات التجارب العالمية، فإذا كنا لا نعتبر بالأحداث فذلك في ذاته دليل على نقص في تربيتنا يحتاج إلى علاج!

إنّ الظروف الراهنة في العمل البرلماني دقيقة للغاية بسبب الملابسات الداخلية والخارجية معاً، ففي الداخل توجد حالة الجهالة العامة لدى جيل الشباب وما ترتب عليه من بروز قيادات صغيرة متنابذة متنافرة يعتني كل منها برأيه وموقفه فيزداد الشقاق والفراق!

لقد أخذ الشباب شحنة كبيرة عن صور الفساد في الكويت، وعزّزت هذه الفكرة الأحكام القضائية المتسارعة بإدانة رموز الفساد، وحين يرى الشباب مدى بُعد الواقع الموجود اليوم عن القانون... تملؤه الحماسة ويدفعه إخلاصه لوطنه الذي عرفه إلى عدم الصبر على هذا الواقع والرغبة في إزالته بأي أسلوب، فنتج عن هذا اقتحام المجلس والمغردين والمسيئين والمهجرين إلخ... وهنا تقع التجاوزات والتعدي على القيم والثوابت بحجة الإصلاح!

والمطلوب اليوم قدوة تستطيع الموازنة بين الشحنة التربوية وبين الالتزام بالشرعية والقانون دون أن تفتر العزائم عن الإصلاح ومكافحة الفساد... إنها مهمة كبيرة تحتاج جهداً جهيداً، ومعادلة صعبة تحتاج إلى صبر جميل... وحين توجد هذه القدوة بالمواصفات المطلوبة وعلى المستوى المكافئ للظروف الدقيقة الراهنة سيلتئم كثير من الشتات المتناثر على الساحة بعد أن يعرف النهج والأسلوب الصحيح في علاج الواقع، وكما أننا لا نشك في إخلاص الشباب وحبهم لوطنهم ولكنه يخطئ بهذا التصرف خطأً بالغاً يدل على نقص في البصيرة... والإخلاص وحده لا يكفي ولا بد معه من بصيرة حتى لا يكون عندنا مزيد من المهجرين والمغرّدين والمُعتصمين!

ولن يصلح البلد إلّا أبناء الوطن.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي