No Script

النائب أبي رميا تحدّث لـ «الراي» عن الواقع المُخيف

«وحش» الانهيار ينقضّ على السنة الدراسية في لبنان

تصغير
تكبير

- أقساط تتضخّم ورواتب تتبخّر... والتسرُّب يتدحرج
- الدولار «القفل والمفتاح» في المأزق والحل... والليرة لم تعد ملاذاً
- 55 في المئة نسبة التسرّب المدرسي هذه السنة وهي مرشحة للازدياد مع تَعاظُم الأزمة الاقتصادية
- 13 في المئة من الأولاد دون سن الـ18 التحقوا بسوق العمل لمساعدة عائلاتهم
- 45 ألف طالب تركوا المدارس في 2022 من دون معرفة وجهتهم
- قيمة رواتب الأساتذة «تبخّرت» ولم تعد تكفي للوصول إلى المدرسة

أطلّت السنة الدراسية في لبنان ثقيلةً على الطلاب والأهل والأساتذة والمدارس، مترنّحةً فوق ألف «هَمّ وغَمّ» وتكاد أن تكون في مهبّ الريح في بلادٍ يجتاحها الانهيارُ المالي – الاقتصادي وتعيش على طريقة... كل يوم بيوم.

همومُ السنة الدراسية كبرتْ وتضخّمتْ إلى الحدّ الذي يهدّد بـ «انفجارها» وتطييرها مع تآكُل رواتب المعلّمين وتَبَخُّر قدرات الأهل وعجْز المدارس عن الصمود... أما الدولة ففي «غيبوبة» شلّتْها السياسة ونَخَرَها الفساد.

جيلٌ بكامله مهدَّد بضياعِ مستقبله في أسوأ أزمةٍ تجاوزتْ بأبعادها مسألةَ الأقساط والرواتب... إنها تشي بـ «موت» مرحلةٍ ذهبية كان فيها التعليمُ فخرَ لبنان ورأسماله وقيمته المضافة والعلامة الفارقة الأكثر نضارة في سجلّه.

فتحتْ المدارس الخاصة أبوابها لكن العام الدراسي في خطر داهم. المشكلة متشعّبة وكثيرة التعقيدات فيما وزارة التربية والتعليم العالي عاجزة عن استنباط الحلول، تحاول «الترقيع» علّها تشتري الوقت وتتمكّن من إطلاق العام الدراسي دون التأكيد على مصيره.

«نكبةٌ» مدرسية متعدّدة... الطرف

أطرافٌ كثر غارقون في لجة معاناةٍ تتخطى الحاضر لتُلْقي بظلالها القاتمة على المستقبل. المدارس الخاصة في لبنان، ورغم قرار وزير التربية عباس الحلبي بمنْع استيفاء الأقساط المدرسية أو أجزاء منها بالدولار الأميركي، تتصرّف على هواها وخارج القوانين المرعية. عدد كبير منها فَرَضَ استيفاء جزء من القسط بالدولار أو إحتساب القسط بالعملة الوطنية إنما على سعر صرف السوق السوداء. كذلك عمدت إدارات المدارس إلى تحديد أقساط السنة الجديدة قبل بدئها وزيادة الأقساط في شكل مخيف وصل في بعض الأحيان إلى 32 مليون ليرة بذريعة ازدياد نفقاتها وما يتوجب عليها من تقديمات إضافية لأساتذتها.

لجانُ الأهل في المدارس اعترضتْ على هذه الزيادات وطريقة احتسابها ووزير التربية فَنَّدَ في تعميمٍ صادرٍ في 12 سبتمبر 2022 كل المخالفات التي تَرتكبها المدارس الخاصة في حال أرادتْ فرْضَ أقساطها بالدولار. لكن هذه الاعتراضات لم تمنعها من السير بدوْلرة الأقساط متذرِّعةً بألف حجة ومبرِّرة على لسان أمين عام المدارس الكاثوليكية أنها ستأخذ في الاعتبار حال الأهل المادية وتفصّل القسط على قياس كل حالة، فيما الحالات المحتاجة أكثر من أن تحصى وتُعدّ.

الفقراء الجدد... حدِّث ولا حرج

المدارس الرسمية من جهتها على صورةِ الدولة اللبنانية عاجزة وتتخبّط بالفوضى، غير قادرة على تأمين مطالب أساتذتها الذين ما زالت تُحتسب رواتبهم على قيمة 1500 ليرة للدولار في حين أنه تخطى عتبة 38000 ليرة. تحاول إسكات صرخاتهم ببعض التقديمات والحوافز المادية لكنهم يعتبرونها غير كافية مطلقاً ولا تتيح لهم حتى الوصول إلى مدارسهم.

رواتب صار غالبيتها يعادل 100 دولار ومع الحوافز قد تصل إلى 200 كحد أقصى في حين أن فاتورة مولد الكهرباء تقارب مئة دولار فكيف يؤمّنون معيشتهم بما تبقى؟

أما الأساتذة المتعاقدون في التعليم الأساسي والثانوي فلم ينالوا مستحقاتهم بعد عن الفصل الأخير من العام الماضي وهم في آخر سلّم أولويات الوزارة وفق ما تصرّح به رئيسة لجنة المتعاقدين في التعليم الأساسي نسرين شاهين، وهم لم يلمسوا أي تحسين أو تغيير لأوضاعهم على أرض الواقع.

وما حصل من إضرابات العام الماضي وتَوَقُّفٍ عن التدريس لأشهر مهدَّد بأن يتكرر هذه السنة إن لم تبادر الوزارة للوصول إلى حلولٍ تُرْضي الأساتذة وتؤمّن استمراريةَ العام الدراسي.

أساتذة التعليم الخاص بدورهم وبلسان نقيبهم الحالي رودولف عبود والسابق نعمة محفوض يرفعون الصوتَ والسقف، ويطالبون بتأمين جزء من رواتبهم بالدولار بعدما باتوا يدفعون كل شيء في يومياتهم بالعملة الخضراء. وهم يتساءلون كيف يمكنهم تأمين وصولهم إلى المدارس في ظل ارتفاعٍ مخيف في سعر المحروقات وتأمين أبسط اللوازم من ورق ومطبوعات وقرطاسية لينجزوا واجباتهم في المدرسة والبيت؟ لا بل كيف يؤمّنون كلفة الكهرباء في بيوتهم؟

الأساتذة، الذين باتوا من «الفقراء الجدد» حسبما يقول أحدهم بعدما كانوا ركيزة المجتمع يحملون مستقبله على أكتافهم، صاروا بحاجة لمَن يحمل همّهم وهمّ أبنائهم... جزء منهم هاجر بحثاً عن مصدر رزق في الخارج وجزء يعيش معاناةً حقيقية لا يجد لها مَنْفَذاً.

المدارس التي كانت تُعَيَّر سابقاً بأنها تربح كثيراً، أقفل بعضٌ منها أبوابه لعدم إمكانه تحمل الكلفة التشغيلية ودفْع رواتب الأساتذة، فيما الباقي يعاني للحفاظ على مستواه بعدما عَصَرَ ميزانيته الى أقصى حد كما أوصى وزير التربية.

وبعض المدارس كان محظوظاً بمساعداتٍ أتت من جهات مانحة أوروبية وفرنسية في شكل خاص. لكن غالبية المدارس وجدت نفسها مضطرة لرفع أقساطها واستيفاء قسم منها بالدولار لتأمين إنطلاق العام الدراسي. وألْقت دولرة الأقساط بثقلها الساحق على الأهالي فكان الخيارُ إما بنقل أولادهم الى المدارس الرسمية أو حتى بوقف تعليمهم ودفْعهم إلى سوق العمل، في ظاهرةٍ لم يعرفها لبنان يوماً تهدد إرثَه الثقافي والمستوى العلمي الذي لطالما تَغَنّى به وتضع مستقبل أبنائه في خطر.

أرقام مفزعة عن التسرُّب و... الضياع

في ظل سنة دراسية مُهَدَّدة وتَسَرُّب مدرسي كبير ماذا يقول المسؤولون وكيف يرون الحلول؟

رئيس لجنة الشباب والرياضة النائب سيمون أبي رميا قال في حديث الى «الراي»: «إن وضعَ الشباب اليوم كارثي، وأرقام تقرير اليونيسيف أتت صادمة: 83 في المئة من الشباب يسعون للهجرة بسبب البطالة، و77 في المئة من المهاجرين هم من فئة الشباب، و55 في المئة نسبة التسرب المدرسي وهي مرشحة للارتفاع مع بداية العام الدراسي بسبب تفاقم الأزمة الإقتصادية مع ازدياد نزوح الطلاب من المدارس الخاصة الى الرسمية غير المؤهَّلة لوجستياً لإستقبال أعداد كبيرة من الطلاب. 13 في المئة من الأولاد دون 18 سنة دخلوا سوق العمل لمساعدة عائلاتهم مادياً. وهذا ما يطرح تخوفاً فعلياً على العام الدراسي. للأسف الدولة لا تولي المدارس الرسمية الإهتمام المطلوب، وللأسف أيضاً وسط هذه الأزمات أن المواطن اللبناني ولا سيما الشباب والأهل هم مَن يدفعون الثمنَ في ظل غياب الدولة. ويحاول القطاع الخاص إستنباط مَخارج لإمكان إستمرار التعليم لكنها تأتي على حساب المواطن الذي لا يستطيع تأمين الدولار، فيما على المدارس القيام بدورها لمحاربة التسرب المدرسي».

وكان ابي رميا قد دعا سابقاً إلى «إعلان حالة طوارئ تربوية من أجل إنقاذ العام الدراسي» وكشف عن أرقام مخيفة، وقال «هناك 22 في المئة من الطلاب تركوا المدارس بحسب تقرير لوزارة التربية، إذ تراجع عدد المُسَجَّلين في المَدارس الرسمية من 380 ألف تلميذ عام 2021 إلى 284 ألف تلميذ مسجَّل عام 2022. وهناك 45 ألف طالِب تركوا المدارس ولا نعلم وجهتهم، قد يكون جزء منه مغادر لبنان ولكن المرجح ان يكون القسم الأكبر منهم ترك الدراسة بسبب عدم قدرة الاهل المادية على تعليم أبنائهم ما اضطر التلاميذ الى البحث عن عمل لمساعدة عائلاتهم. وما يؤكد هذه الفرضية أن 13 في المئة من الأولاد تحت سن الثمانية عشرة يعملون لمساعدة أهلهم لأنهم باتوا عاجزين عن دفْع بدلات النقل الى المدارس أو حتى تأمين»سندويش«لأولادهم الى المدرسة».

ولفت أبي رميا الى ان «لجنة التربية النيابية تتخوّف من التسرّب المدرسي وأن يؤدي لإمكان إلغاء العام الدراسي برمّته لأن المتوقّع أن تترك أعداد كبيرة من التلاميذ، تقارب المئة وخمسين ألف تلميذ، المدارس الخاصة الى الرسمية وهي غير مهيأة لتستقبل هذا العدد، بالإضافة الى الرواتب الكارثية للأساتذة الذين هددوا بالإضراب اذا لم يتم تصحيح رواتبهم وبدلات النقل وغيره. إضافة الى أن عدداً كبيراً من الأساتذة هاجر من لبنان ونحن عاجزين عن توظيف بدلاء بسبب القانون الذي أقرّ ويمنع التوظيف في المؤسسات الرسمية».

وفي حديثه إلى «الراي» أكد أبي رميا ما قدّمه من اقتراحات لمعالجة مشكلة البطالة والتسرب المدرسي قائلاً: «كرئيس لجنة الشباب والرياضة النيابية تَقَدّمْتُ بإقتراحاتِ قوانين عدة، أبرزها إسكان الشباب والبطاقة الشبابية. لكن أي قانون لا معنى له من دون مراسيم تنفيذية. كذلك اقترحتُ لمعالجة موضوع البطالة تفعيلَ المؤسسة الوطنية للاستخدام لتقوم بدورها في درس سوق العمل».

ويضيف أبي رميا الذي يحمل همّ الطلاب اللبنانيين ويسعى ليس فقط إلى المساهمة في إيجاد حلول للوضع الحالي بل الى تحسين وتطوير المستوى التعليمي في لبنان: «هناك إقتراح قانون تقدّمتُ به لإعتماد الرياضة مادةً أساسية في المنهج اللبناني وإدخال إختبارها في الشهادة الرسمية على غرار المنهج الفرنسي، لكن هذا الاقتراح تعتريه عوائق عدة منها عدم وجود مَلاعب مؤهَّلة للرياضة في غالبية المدارس. كما تقدّمتُ بمشروع الأكاديمية الوطنية للرياضة التي تهدف لإكتشاف طاقات الأولاد الرياضية وتقديم التسهيلات وتبنيهم تربوياً ومادياً ورياضياً لكنها لم تبصر النور حتى الساعة».

ورغم كل العوائق والمَخاوف من أن تتأثّر السنة الدراسية بأزمات لبنان العاتية، يُنْهي أبي رميا حديثَه بنفحةٍ متفائلة مؤكداً أن «الأزمة اللبنانية ستزول لأن لكل أمر نهاية فليس من بلد يستمر بإنهياره. ولنحافظ على الإيجابية لبناء مستقبل أفضل».

لكن هل تكفي الإيجابية لإنقاذ العام الدراسي؟ ام أن العبء بات أكبر من أن يُحتمل ولو تمّ تقسيم ثقله على كل الأطراف المعنية؟ وهل تضاف السنة الدراسية الآتية إلى سجلّ الأعوام الأربعة الماضية التي دهورت مستوى التعليم في لبنان إلى أسفل درك؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي