No Script

خواطر صعلوك

الفنون والآداب والثقافة... وأشياء أخرى!

تصغير
تكبير

من أجمل المشاهد الروائية التي قرأتها أخيراً، هو المشهد الروائي الذي رسمه الكاتب هيثم بودي في روايته «الفنار»... حيث يُدفن الجندي الغازي للكويت تحت أكوام مجلات «العربي» وعالم المعرفة والمسرح العالمي وكتب مساهمات الكويت في التنمية العربية والأعمال الخيرية، وأطنان من المجلات والفنون والآداب والحركة الثقافية، تحت هذه الأطنان من الأوراق دُفن الجندي الذي غزا الكويت عام 1990م.

بلد ينتصر على الغزاة بالقوة الناعمة التي كان يصدرها، ولكل زمان قوة ناعمة تناسب معطيات العصر ومتطلباته.

أقرأ الكثير من المقالات، والأحاديث والأفكار التي تنادي بعودة مجلة «العربي» بقوة ومجلات المجلس الوطني وإصدارات الكويت الثقافية، يُريدونها أن تعود «كما كانت»، حيث يقرأها القارئ العربي من سلطنة عُمان إلى جمهورية موريتانيا!

ولكن ما يغيب عن أصحاب ذهنية «كما كانت» هو أن السيدة أم كلثوم قد لخصت مسار هذه العقلية عندما قالت «عاوزنا نرجع زي زمان... قول للزمان ارجع يا زمان».

ومعطيات هذا الزمن مختلفة تماماً عن ذاك الزمان، ليس فقط على مستوى السياسات الثقافية العامة للدولة في ما يتعلق بأهمية أن يقرأ القارئ العربي أو لا يقرأ بالنسبة لنا، وليس فقط عن سؤال مدى الحاجة إلى دور ريادي ثقافي بالشكل نفسه الذي كان موجوداً قبل عام 1990م، وليس على مستوى النقاش الفني في ما يتعلق بانتشار الورقي والرقمي، ولكن الأهم من كل ذلك وهو المُعطى الرئيسي «بالنسبة لي على الأقل» وهو مدى ملائمة الدور الثقافي «كما كانت» للوطن العربي والمحيط الخليجي الذي تبلغ نسب الشباب فيهما وفينا أكثر من 70 في المئة.

المُعطى الأساسي هو الجيل «البَصَري» بامتياز مع مرتبة الشرف، والذي يتثقف بالمسلسلات والأفلام والمقاطع السريعة والأغاني والفنون الإبداعية على مواقع التواصل.

يجدر بالكويت في 2035م - حسب الرؤية - أن تكون مركزاً ثقافياً رائداً بحيث يكون ملتقى بلاد فارس القديمة، وبلاد الرافدين، والجزيرة العربية، لتصبح واحة ذات طابع ثقافي متميز... تحتضن المتاحف التفاعلية عالمية المستوى، وبيئة فنون إبداعية وبصرية لا تضاهى في الشرق الأوسط، وتعزيز فن العمارة المبتكر، وتعيد صياغة فضاءها المفتوح لكي يكون حاضنة شبابية للفنون والصناعات الإبداعية، وتدعم الفنانين والموهوبين وتفخر بالانتصارات الرياضية... وتواصل تعزيز الصحافة الحرة والبيئة المشجعة لحرية التعبير من أجل بناء قطاع إعلامي مرموق عالمياً، وهو ما يمثل قوتها الناعمة من خلال قيادة الإعلام العربي عبر الارتقاء بنموذج الصحافة الكويتية الحرة، وتوفير الخدمات للمنطقة بما في ذلك الخدمات الإعلامية والإقليمية والدولية والتدريب والترويج للصحافيين وصانعي الأفلام، وتعزيز نشاط المسرح والأكاديميات الرائدة للفنون.

كل ذلك، مع الارتقاء بتراثها الإسلامي من أجل بناء دولة ثقافية تمارس العدالة والمساواة والتسامح والسلام كقيم يومية يمارسها سكانها، وأن يُعرف البلد «إعلامياً» على اعتباره مكاناً لجسور التواصل، تتقارب فيه المجتمعات ويتطور فيه التفكير المفتوح القائم على الأرث الإسلامي الغني.

عزيزي القارئ، ربما يحتاج البعض أن تعود إصدارات المجلس الوطني «كما كانت»، العربي وعالم المعرفة وغيرها، ولكنها في الواقع ستكون لقارئ «كان» وليس قارئ «الآن»، ونحن لسنا في حاجة أن تكون الكويت «كما كانت» بل نحتاج إلى أن تكون «كما ينبغي»... كل ما في الأمر أن قوة الكويت الناعمة انتقلت من «الثقافي المكتوب» إلى «الإعلامي المرئي»، ومن الإصدارات التي تُنشر في الخارج إلى المساحة التي تستقطب للداخل. يبقى المهم أن نقوم بدورنا كما ينبغي لكي نستعيد الريادة الثقافية، ولا يضيع إرث المكتوب ولا إمكانية المرئي. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

Moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي