No Script

خبير في الأمن الرقمي شرح لـ «الراي» حجْمها و... مخاطرها

«مَزارع البيتكوين» في لبنان... مَناجِم التعدين تلتهم بقايا الكهرباء

تصغير
تكبير

- الخريطة «سرية» والعمّال يستخرجون العملة الخضراء من فم العتمة

وكأن لبنان لا يكفيه ما يعانيه من عتمة شاملة وتقنين في التيار الكهربائي يناهز 23 ساعة من 24 في اليوم ترافقه أسعار مهولة للطاقة التي تنتجها مولدات الكهرباء، لتضاف الى «فواجعه» مصيبة جديدة. وهذه المرة ليست الدولة اللبنانية مصدر هذه المصيبة، بل بعض المواطنين الذين احترفوا ما يسمى بـ «تعدين» العملات الرقمية في عمليات تقنية معقدة «تلتهم» ما تبقى من طاقة في «بلاد الأرز» وعند اللبنانيين لمصلحة عمال مَناجم العملة المشفرة و«مزارع البيتكوين».

الخطر بدأ قبل بضعة أشهر، لكنّه تَفاقَم اليوم مع شبه انهيار وضع الطاقة الكهربائية في لبنان ما دفع بالوزير والنائب السابق وليد جنبلاط لإطلاق صرخة تحذيرية.

«الراي» استطلعت رأي الخبير في الأمن الرقمي وتقنيات التواصل والتحولات الرقمية رولان أبي نجم لكشف مصدر هذا الخطر المستجدّ على لبنان وملابساته.

«التعدين ظاهرةٌ عالمية لكن لا قوانين تنظّم هذا الموضوع بعد»، يقول أبي نجم، «إنما في البلدان الكبيرة مثل الصين أو إسبانيا تقوم الجهات المختصة بدهْم مراكز التعدين غير الشرعية. حتى أن الصين جمعتْ كل أجهزة التعدين في ساحة عامة وأطلقت عليها الجرافات لسحْقها لأنها نشاطات غير قانونية وتستهلك الكثير من الطاقة الكهربائية في وقتٍ يعاني العالم بأجمعه أزمة طاقة مستفحلة جعلتْ حتى المَعالم السياحية الكبرى تطفئ أنوارَها للحد من استهلاك الطاقة».

ثمة دول وفق ما يشرح أبي نجم بدأت تجرّم هذه النشاطات وتَعتبرها غير شرعية ولا سيما إذا كانت مزارع التعدين تلجأ الى الانترنت غير الشرعي أو مصادر طاقة غير شرعية، وثمة دول ترى فيها تهديداً لأمنها القومي ولقدرتها على توفير الطاقة، فيما دولٌ تسمح بالتعدين شرط ألا يؤثر على استهلاك الطاقة وأن يعمد مَن يقوم به إلى تركيب أجهزة طاقة شمسية منعاً لاستهلاك الطاقة المُنْتَجة من الدولة. فموضوع الطاقة اليوم وبسبب الحرب الروسية - الأوكرانية بات أمراً أساسياً في كل بلدان العالم يستدعي اتخاذ تدابير صارمة، وينعكس على الأمن الوطني من جهة وبالطبع على عمليات التعدين من جهة أخرى. وثمة أرقام تؤكد وفق ابي نجم أن استهلاك أجهزة التعدين في العالم للطاقة يوازي ما تستهلكه دولة هولندا من الطاقة الكهربائية.

خطر انهيار شبكات الكهرباء

في لبنان الإشكالية أكبر مع عدم توافر الطاقة الكهربائية في غالبية المدن والبلدات لأكثر من ساعتين في اليوم فيما مناطق أخرى تتغذى أكثر بالكهرباء بسبب اعتمادها على الطاقة المولَّدة من مصادر مائية. وفي ظل عدم المساواة هذه في التوزيع وعدم المساواة في الجباية، حيث ثمة مناطق لا تسدد فواتير الكهرباء، تصبح بعض المناطق أكثر إزدهاراً في قضية التعدين من سواها رغم عدم وضوح خريطة معينة للبقع الأكثر استخداماً لعمليات التعدين وبالتالي استهلاكاً للطاقة.

جنبلاط كشف عن وجود هذه النشاطات في منطقة الشوف الأعلى وحدد بلدة «مرستي». في تقرير صحافي سابق تم الكشف عن مناطق في قضاء جزين (الجنوب) وبعض الأقضية الأخرى التي تزدهر فيها عمليات التعدين وذلك بسبب توافر الكهرباء فيها على الطاقة المائية أو بسبب التعليق على شبكة الكهرباء الرسمية دون أي رادع. وحالياً تعمد بعض مزارع التعدين الى تركيب ألواح الطاقة الشمسية لتأمين الكهرباء البديلة لعملياتهم.

«التعدين» وفق ما يشرح أبي نجم، هو عملية تحويل للبيتكوين أو العملة الرقمية من فريق الى آخّر. وتتم عبر تقنية تعرف باسم blockchain وكل عملية تحتاج الى تصديق أو تدقيق يتم بدوره عبر آلية معقّدة وبواسطة أجهزة ذات تقنيات متطورة تحتاج الى انترنت سريع وطاقة كهربائية عالية لا تنقطع. ويُطلق على هذه العملية اسم التعدين ويقوم بها أشخاص يُدعون المعدّنون أو «عمّال المناجم». وهم يملكون جهازاً أو أكثر من الأجهزة المذكورة ليتمكنوا من حل العمليات الخوارزمية المعقّدة والقيام بالتدقيق على المزيد والمزيد من عمليات التحويل بحيث بات بالإمكان الحديث عن مزارع تعدين تضمّ أجهزة كثيرة وقادرة على تلبية أعداد أكبر من عمليات التحويل.

وقد أطلق اسم التعدين على هذه العملية بسب التشابه بينها وبين المناجم. فكما تُحَوِّل المناجم المعادن الخام الى قطع ذات قيمة أو إلى عملات معدنية هكذا يمكن بواسطة أجهزة التعدين الرقمية استقطاع مبلغ من كل تحويلة وتعدين هذه العملة الرقمية أي تحويلها الى عملة حقيقية (بالدولار) عبر مؤسسات مختصة باتت موجودة على الأراضي اللبنانية.

ومع الأزمة الاقتصادية وشح الدولار في لبنان صارت هذه العمليات بارقة أمل للشباب توافر لهم إمكانية الحصول على العملة الصعبة. وقد دفعت بالكثير من الشباب اللبنانيين الى الاستثمار في هذه الأجهزة والقيام بعمليات التعدين لتحصيل العملة الصعبة بسهولة وسرعة دون القيام بمجهود يذكر في وقت باتت البطالة سيدة الموقف وأعداد كبيرة من أبناء الجيل الجديد بلا عمل يفتشون عن أي مصدر رزق.

لكن مشكلة التعدين في لبنان أبعد من الحصول على مصدر رزق رغم أهميته، ولا تقتصر على استهلاك الطاقة كما هي في كل بلدان العالم بل تتعداها الى التأثير على شبكة نقل الكهرباء ككلّ وعلى شبكة الانترنت. فخطوط نقل التيار الكهربائي كما يشرح ابي نجم ليست مؤهلة لهذا الضغط «لذا فالشبكة بأكملها مهددة بالانهيار ومنع وصول الكهرباء الى كل المناطق التي تتغذى منها. وهذا ما فجّر قضية التعدين في منطقة أعالي الشوف حيث حرم الأهالي من المياه لأن الشبكة انهارت ولم يعد من خط كهربائي لتأمين ضخ المياه الى القرى».

تأثيرات سلبية تضع قطاعات حيوية في خطر

ويقول أبي نجم: «صحيح أن لا تأثيرات أمنية مباشرة للتعدين على الوضع في لبنان لكن تداعيات انقطاع الكهرباء وانهيار الشبكات والاستهلاك الكبير للإنترنت مع ما يعانيه هذا القطاع من مشاكل، لا شك له تأثير على كل القطاعات الحيوية، من مستشفيات ومراكز خدمات وغيرها. فلبنان المنهَك أصلاً لم يعد يحتمل أعباء إضافية على شبكتيْ الكهرباء والإنترنت فيه».

ربما تكون لعمليات التعدين فائدة ما على الاقتصاد اللبناني تخفّف من سلبياته لكن الواقع ينكر ذلك: «لا فوائد تُذكر للاقتصاد اللبناني من عمليات التعدين بل تقتصر أرباحه المادية على مَن يقومون به» كما يؤكد الخبير الرقمي، ويضيف: «لا بل على العكس أيضاً فإن هؤلاء يستثمرون مبالغ كبيرة لشراء أجهزة التعدين من الخارج ويُخْرجون العملة الصعبة من لبنان في حين أن ما يحدث حالياً من انهيار لأسعار العملات الرقمية يكبّد هؤلاء خسائر كبيرة أو يؤمّن لهم أرباحاً بسيطة لا تعادل ما أنفقوه من استثمارات في عملية شراء المعدات».

على الصعيد العالمي يؤكد أبي نجم أنه تمت أخيراًً عملية دمج بين عملات مشفرة مثل الإيثيريوم هدفها التخفيف من عمليات التعدين واستهلاك الطاقة بشكل كبير. ففي ظل مشاكل الطاقة والدعوات لمقاطعة التعدين بسبب استهلاكه للكهرباء وضرره للبيئة، بدأ العمل على إيجاد طرق للتخفيف منه، إما من خلال الدمج او عبر التضييق على عمليات التعدين. ولكن في لبنان الذي يعيش كما لو أنه في غابةأ كل شيء فيها مستباح، فإن ضبط عمليات التعدين لم يأخذ أبعاده المطلوبة بعد على أمل أن يعي المسؤولون خطورته على الشبكة الكهربائية في هذا البلد الذي كانت الكهرباء السببَ الرئيس في الكثير من ديونه ومشاكله وأوصلتْه الى الانهيار الكبير.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي