No Script

«الجمعية الاقتصادية»: المرحلة الحالية تشهد معالم ومؤشرات جادّة لإصلاح مسيرة الأداء الاقتصادي

الجمعية الاقتصادية الكويتية
الجمعية الاقتصادية الكويتية
تصغير
تكبير

- تخويل وزير المالية بوضع «سقوف للإنفاق العام» أبرز المعالم
- حجم الحكومة الاقتصادي متضخم جداً ويستدعي إعادة النظر
- إصلاح المالية العامة للدولة كجزء من إصلاح اقتصادي شامل لا يعتمد فقط على جانب الإنفاق

قالت الجمعية الاقتصادية الكويتية إن المرحلة الحالية تشهد العديد من المعالم، والمؤشرات، الجادّة لإصلاح مسيرة الأداء الاقتصادي بدولة الكويت، سواء على الصعيد المؤسسي، أو الإداري، أو برامج وخطط الإصلاح الاقتصادي، وما تتضمنه من مختلف السياسات.

وأشارت في بيان صحافي إلى أن ذلك يستهدف تعظيم مكاسب تحسن السوق النفطي، في الآونة الأخيرة، والأهم استغلال كافة الفرص المتاحة محليا، واقليميا، ودوليا، لتحصين الاقتصاد الكويتي ضد الصدمات الاقتصادية الخارجية، أو تحييد آثارها السلبية قدر الإمكان، خدمة لخلق اقتصاد متنوع ومستدام.

وأضافت الجمعية أن هذه المعالم والمؤشرات تتسق مع آراء وتوجهات الجمعية الاقتصادية الكويتية، والتي أشارت اليها، وما زالت، في مختلف بياناتها، وحلقات نقاشها، وندواتها، وغيرها من الأنشطة، إلى أهمية الإصلاح الاقتصادي بمعناه الشامل.

وبينت أن من ضمن المعالم، والمؤشرات، الجادة، التي خوّل بها مجلس الوزراء، وزير المالية وزير الدولة للشؤون الاقتصادية، والمرتبطة بالإصلاح الاقتصادي، هي تلك المرتبطة بإصلاح السياسة المالية، وبشكل محدد، من خلال أحد أهم أدوات هذه السياسة، وهي وضع «سقوف على الإنفاق العام» غير المبرر اقتصادياً. وكما هو معروف، فإن أحد التحديات الرئيسية، في مجال الإصلاح الاقتصادي، هي تلك المرتبطة بأداء الموازنة العامة للدولة، ومدى التزامها في تحقيق هدف استدامة المالية العامة. مع الحرص، والتأكيد، على أن إصلاح المالية العامة يعتمد، تأثرا وتأثيرا، على أداء وإصلاح الاقتصاد الكلي بوحداته القطاعية المختلفة، ويعتمد أيضاً على مدى تعاون مختلف الجهات الحكومية من وزارات وهيئات عامة وجهات مستقلة وملحقة، في الالتزام بالسقوف على الإنفاق، وفق الضوابط التي تتخذ في هذا الشأن.

وزادات: من المهم أيضا، في مجال سياسة السقوف على الإنفاق الجاري بشكل أساسي، ألا تكون نسبة ضغط الإنفاق الحكومي واحدة على مختلف الوزارات والهيئات العامة، وعلى مختلف بنود الموازنة. فهناك عدد من الوزارات والهيئات العامة التي يرتبط انفاقها بشكل مباشر ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، مثل وزارة التربية والتعليم العالي، كتلك الإنفاقات المرتبطة بالبحث والتطوير، والمختبرات، وأساليب التعليم الحديثة. كما لا ينصح أن تشمل سقوف الانفاق البنود المرتبطة بالإنفاق الرأسمالي القائم على مشروعات استثمارية ذات جدوى اقتصادية، في مجال التنويع والاستدامة، لارتباط هذا الإنفاق بتعزيز لنمو الاقتصادي.

وأوضحت أن تخويل وزير المالية باتخاذ ما يراه مناسبا، ضمن الإطار المؤسسي الداعم للإصلاح، في مجال تفعيل سياسة السقوف على الإنفاق هو توجه سليم، ولا تملك الجمعية إلا مباركته وتأييده لاتساقه كما أشرنا مع توجهات الجمعية، علما بأن سياسة السقوف هي جزء من سياسات «القواعد المالية Fiscal Rules» المستخدمة لوضع قيود على قيم بنود الموازنة العامة للدولة. وهناك أربعة أنواع متعارف عليها من القواعد المالية، وهي: المرتبطة برصيد الموازنة، وبالدين العام، وبالإنفاق العام، وبالإيرادات العامة. وأن ما يهمنا في هذا البيان هي القواعد المالية المرتبطة بالإنفاق العام، على شكل سقوف عليا على هذا الإنفاق، وبشكل خاص الجاري.

ولابد من الإشارة في هذا المجال، إلى أن نسبة الإنفاق العام (الجاري + الرأسمالي) إلى الناتج المحلي الإجمالي بدولة الكويت (44.1 في المئة)، حسب آخر الإحصاءات المعلنة من الإدارة المركزية للإحصاء، لعام 2019، بالأسعار الثابتة (لا تتوافر بيانات محاسبية قومية، على موقع الإدارة العامة للإحصاء، عن الاستهلاك العام، الجاري زائداً الرأسمالي بعد عام 2019، كأحد مكونات الناتج المحلي الإجمالي بطريقة الإنفاق). وهي الأعلى ضمن بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية. بعبارة أخرى، فإن «حجم» الحكومة «الاقتصادي» متضخم جداً، وهو الأمر الذي يستدعي إعادة النظر بهذا الحجم من خلال القواعد المالية وما تتضمنه من سقوف، ومن ضمن سياسات أخرى، أيضا. ووفقا لآخر حساب ختامي منشور للموازنة العامة للدولة 2020/2021، فإن سقف الإنفاق الجاري كنسبة من اجمالي الإنفاق تجاوز (91 في المئة)، تاركاً للإنفاق الرأسمالي (أحد محفزات النمو الاقتصادي المباشرة) النسبة الباقية (نحو 9 في المئة). كما أن حصة الأجور العامة من الإنفاق الجاري، لنفس العام، تمثل نحو (38 في المئة)، ونحو (47 في المئة) للتحويلات، ومتضمنة الدعم، وما شابهها. مع نمو مستمر للأجور، والتحويلات، ماعدا في سنوات نادرة. مع نمو للإنفاق العام لا يتسق مع النمو المناظر للإيرادات العامة (إلا في السنوات المالية المرتبطة بارتفاع الإيرادات النفطية). وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار بأن تأثير الإنفاق الجاري على تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي، هو تأثير محدود (من خلال انخفاض ما يسمى اقتصادياً «المضاعف المالي» لهذا النوع من الإنفاق، أي تأثير تغير مختلف أنواع الإنفاق على تغير الناتج المحلي الإجمالي)، لذا فإن العمل على وضع سقوف على الإنفاق الجاري، هو أمر سوف يساهم، بالإضافة إلى تحجيم العجز المالي أو تضخيم الفائض، في تحرير موارد مالية للإنفاق الرأسمالي، المحدد الرئيسي للنمو (شريطة توافر الجدوى الاقتصادية لمشروعات الإنفاق الرأسمالي، كما أسلفنا).

وأكملت: إن سياسة السقوف على الانفاق، كأحد أدوات السياسة المالية، يمكن أن تستهدف العديد من أشكال الهدر في الموازنة العامة للدولة. فعلى سبيل المثال، لا الحصر هناك:

أولا: الهدر الصريح.

فبالاعتماد على الحساب الختامي 2020/2021، هناك نحو (440) مليون دينار لتغطية نفقات علاج بالخارج. علماً بأن التوجهات الحالية قد استهدفت الحد من هذا الإنفاق. بالإضافة إلى وجود بند «الخدمات المتنوعة» بنحو «358» مليون دينار، و«أنشطة مختلفة»، بنحو (135) مليون دينار وهي مصروفات تحتاج الى مزيد من التوصيف، بهدف إخضاعها لسقوف الإنفاق.

ثانيا: في ظل توافر خدمات صحية للمواطنين، فإن بعض أنواع التأمين الصحي، والتي يقدر الإنفاق عليه بنحو (114) مليون دينار، يمكن أن تخضع للسقوف من دون التأثير على المستفيدين من حيث نوعية الخدمات الصحية.

ثالثا: يمثل دعم الطاقة، بنداً محوريا للسقوف على الإنفاق.

ففي الوقت الذي وصل به الدعم الفعلي، في الحساب الختامي 2020/ 2021، لنحو (3.7) مليار دينار، وصلت حصة الدعم الموجه للطاقة نحو (45.5 في المئة). وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار بأن هناك العديد من غير المستحقين لهذا الدعم، سواء لارتفاع دخولهم أو للهدر في استخدام الطاقة، فإن هناك متسع لوضع سقف إنفاق، في هذا المجال، يترتب عليه استمرار الدعم لمستحقيه، وترشيده لغير المستحقين.

رابعا: تدعم الدولة القطاع الخاص، من خلال مخصصات «دعم العمالة»، والتي تقارب نصف مليار دينار بالسنة حالياً (بدء العمل بدعم العمالة منذ عام 2001). ولغرض تخفيف العبء على بند «تعويضات العاملين» بالموازنة العامة للدولة، فإن هناك حاجة لجهد إضافي لتعزيز الاستفادة من مخصصات دعم العمالة، من خلال تعظيم دور القطاع الخاص في استيعاب العمالة الوطنية (التي تقع في حدود 70 ألف مواطن حاليا).

خامسا: يمثل بند التحويلات، في الحساب الختامي المذكور، شاملا الدعم، نحو (47 في المئة) من الإنفاق الجاري، كما أشرنا أعلاه.

وتحتاج بنود التحويلات الى تقييم اقتصادي، ينتج عنه الاستمرار بتلك البنود ذات التأثير الاقتصادي / الاجتماعي، ووضع سقوف على البنود الأخرى التي تفتقد هذا التأثير.

ختاما، وكما عبّرت الجمعية الاقتصادية الكويتية في العديد من المجالات، فإن إصلاح المالية العامة للدولة، كجزء من إصلاح اقتصادي شامل، لا يعتمد فقط على جانب الإنفاق، وأهمية كبح تلك البنود التي لا تخدم أهداف الإصلاح من خلال السقوف على الإنفاق، بل يعتمد، أيضا، على إصلاح جانب الإيرادات العامة، الضريبية (على أرباح الشركات)، وغير الضريبية، وبالشكل الذي يترتب عليه أهمية خلق قطاع خاص تنافسي (محلي وأجنبي)، يحرص على توسيع فرص العمالة للمواطنين، ويساهم في الصادرات غير النفطية، ويموّل الموازنة العامة الدولة بضرائب على أرباح الشركات. على أن يتم ذلك، وغيره من المتطلبات، ضمن إدارة اقتصادية كلية واضحة الرؤية، والأولويات القطاعية، والأهداف، والسياسات، والمدعّمة اقتصادياً، واجتماعياً، وتشريعياً، وسياسياً، والتي تدار بأرقى الكفاءات المهنية المتخصصة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي