No Script

خواطر صعلوك

كلهم شربوا من البقرة نفسها !

تصغير
تكبير

قبل خمس وثلاثين سنة من الآن «وهو الوقت الذي دخلت فيه التنمية البشرية وأصبح هناك مدربون لها للوطن العربي»، اعتذر علماء النفس عن خطأ قولهم بأن احترام النفس وتقدير الذات هو علاج للمشكلات الشخصية والأمراض الاجتماعية، وبدلاً من ذلك أصبح علماء النفس يعتقدون أن «ضبط النفس» وتنظيم الدوافع والرغبات هي مفاتيح العيش المريح والعمل الناجح مع الآخرين.

هذه النتيجة للبحوث نشرتها مجلة «العلوم» الأميركية في أكتوبر 2015م، لتُحذر من بياعين الوهم الذين يخبرون الآخرين أن الثقة في النفس وتنفيذ رغباتها واحترامها وتقديرها وتدليعها وتدليلها كل ذلك سوف يجعل منك شخصاً أفضل، حتى لو لم تحقق أي انجاز حقيقي على الأرض أو في عملك وبيتك ومحيطك.

إن كل الأديان السماوية تُحذر من الثقة في قرارات النفس، وتخشى تقدير الذات لما له من تبعات الجهل بالكِبر والغرور، كذلك الأدبيات الصوفية الإسلامية دائماً ما كانت تحذر من خطورة الانسياق وراء النفس ورغباتها... ومنذ خمس وثلاثين سنة أصبحت المختبرات أيضاً تناقش هذا الموضوع، وبعد إجراء عدد من التجارب اكتشفوا أن الأطفال والمراهقين الذين انساقوا وراء نفوسهم ورغباتهم كانوا الأكثر عُرضة لدخول السجن وإدمان المخدرات والبطالة والهروب من المدرسة، بينما الأطفال الذين أبدوا ضبط النفس والقدرة على التحكم فيها كانوا الأكثر نجاحاً وتحقيقاً للإنحازات.

إذا زرت أي مكتبة لبيع كتب التنمية البشرية اليوم فستجد العديد منها، أو كتباً تتحدث عن كيف أن الكثير من الأفكار التي تُعطى في الورش والدورات التدريبية على أيدي مدربي التنمية البشرية ما هي إلا خرافات لا علاقة لها بالعلم.

والغريب أن مفاهيم خاطئة مثل هذه ما زالت سارية بيننا حتى اليوم، وأمام كل كتاب يُحذر هناك عشرة كُتب تُروج، ومازالت تطبع في المطابع، وكل يوم يخرج مدرب تنمية بشرية جديد بالطرح الذي تعلمه من الذي سبقه، وكأن الجميع قد شرب الحليب من البقرة نفسها، ولكن للأسف فهو حليب «مغشوش»، وفي ذلك تقول الكاتبة نجاة فضل الله في أحد التحقيقات الصحافية إن قيمة هذا القطاع التجاري الضخم اليوم تبلغ نحو 14 مليار دولار سنويّاً. حقل التنمية البشريّة اليوم مُنظّمٌ وله قادته ورموزه ونشطاؤه وجماهيره الغفيرة المُستعدّة لإنفاق المال والوقت لمتابعة هذه الأنشطة. لكنّ محتوى هذه الأنشطة غالباً ما يكون، للأسف، غير علميّ، ومُمتلئاً بالأوهام غير الواقعيّة التي يستسيغها المستمع.

كل ما استطيع قوله اليوم، هو ما قالت المجلة العلمية المحترمة وهو أن ضبط النفس، وليس احترام الذات، هو بيت القصيد، ان تعليم أبنائنا ضبط النفس أولى من تعليمهم تقدير أنفسهم بلا سبب أو انجاز، فالتقدير مرحلة لاحقة للضبط وليست سابقة لها، وهناك تمارين كثيرة لضبط النفس وأساليب تربوية... وما قول رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم، عنا ببعيد إذ قال «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب». وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر.

Moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي