No Script

يَكْسِرُ الصمت حول الحكومة... فهل من «أرانب جاهزة»؟

بري «المُبْتَعِد» يرسم غداً خريطة الطريق الرئاسية

 نبيه بري
نبيه بري
تصغير
تكبير

يطلّ رئيس البرلمان رئيس حركة «أمل» نبيه بري، اليوم الأربعاء، في خطابٍ في الذكرى السنوية لتغييب الإمام موسى الصدر، وهو غالباً ما كان يطلق في هذه المناسبة مواقف ومبادرات وإشارات تنطوي على ما يشبه «خريطة الطريق» لواحدٍ من مهنْدسي الحياة السياسية في لبنان و«المايسترو» الأكثر إلماماً بـ «إيقاعات» الداخل و«نوتات» الخارج.

وتكتسب إطلالة بري اليوم أهميةً مضاعَفة واستثنائية لمصادفتها عشية بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية إيذاناً بإنتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال عون في 31 أكتوبر، وهو الاستحقاق الذي تلعب فيه مطرقة بري دوراً أساسياً بوصفه رئيساً للبرلمان وتعود إليه عملية الدعوة لجلسات الإنتخاب.

بري، المبتعد الذي يأوي إلى الصمت منذ مدة رغم إحتدام الصراع على تشكيل الحكومة وتَعاظُم إمكان سقوط البلاد في فراغٍ رئاسي و«تَكاثُر» الفتاوى الدستورية حول حكومة تصريف الأعمال والفراغ الرئاسي، سيقول كلمته الأربعاء على الأرجح وربما ينقل النقاشَ إلى مكان آخر.

... أحد «عرابي» مرحلة ما بعد إتفاق الطائف والحاضر الدائم في أي ترويكا، مهندس الانتخابات الرئاسية وقوانين الإنتخاب، وراعي مَراحل الفراغ الرئاسي وتشكيل الحكومات في الزمن الصعب. أحد أقطاب الثنائيات السنية - الشيعية، والشيعية - الدرزية، جَعَلَ للمطرقة المُمْسِك بها رئيساً للبرلمان دوراً أساسياً منذ التسعينات، وأعطى للرئاسة الثانية موقعَها المتقدّم في كل الاستحقاقات المتتالية.

وحده انتخاب الزعيم التاريخي لـ «التيار الوطني الحر» ميشال عون رئيساً للجمهورية أَفْلَتَ من بين يديه. أغفل الرئيس نبيه بري عن التسوية التي جاءت بعون وشملتْ زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري و«حزب الله» و«القوات اللبنانية». وظل بري، الذي يحلو لكثيرين مناداته بـ «الاستاذ»، يراهن حتى اللحظات الأخيرة على أنه سيكون قادراً على نزْع فتيل التسوية. لكن وعْد شريكه في «الثنائية الشيعية» أي «حزب الله» لعون تَغَلَّبَ على محاولات بري الحثيثة من أجل الخروج باتفاقٍ على مرشح آخَر غير «الجنرال» الذي انقلب على نفسه يوم أبرم «إتفاق مار مخايل» مع «حزب الله» في فبراير 2006.

ومنذ ستة أعوام وبري وعون - الرئيس ومعه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل على خلاف دائم، أسفر عن أضرار سياسية طبعتْ الولاية الرئاسية برمّتها.

وعلى أبواب نهاية ولاية عون، يعود دور بري مركزياً، لكنه حافل بتحديات كثيرة، وهو الذي أخذ على نفسه الابتعاد في الأشهر الأخيرة عن مقاربة هذا الإستحقاق، ومعه كذلك تشكيل الحكومة العالق منذ الإنتخابات النيابية في مايو الماضي ثم تكليف الرئيس نجيب ميقاتي مجدداً في 23 يونيو.

تَعَوَّدَ بري أن يلعب دوراً محورياً في كل الإتصالات التي كانت تتم من أجل تشكيل الحكومة، وهو الذي عُرف إما بـ «أرانب» يُخْرِجُها من قبّعته في اللحظات الأخيرة، أو «عيديّات» يقدّمها عندما تحتدم الأمور. تارةً يقوم بدوره كوسيط، وتارةً كمُحاوِر – طرَف، وتارةً بتكليفٍ من حليفه «حزب الله» الذي غالباً ما يترك له مهمة التفاوض في لحظات التأزم وبلوغ طريقٍ مسدود. وكان تفويض الحزب لبري يأتي في سياقٍ طبيعي إستناداً إلى دوره كرئيس لمجلس النواب حيث ممرّ الإستشارات المُلْزِمة لتشكيل الحكومة وتسمية رئيسها، ومن حيث دوره كشريكٍ أساسي في تركيبة الثنائي الشيعي و«التوقيع الثالث». وفوق كل هذا فإن دوره يتعزز في تَقاطُعه مع الطرف السني كمرجعيةٍ لتشكيل الحكومة أياً كان إسم هذه المرجعية، رفيق الحريري، سعد الحريري، تمام سلام، سليم الحص، عمر كرامي، فؤاد السنيورة، ونجيب ميقاتي، كما من حليفه الدرزي الذي يُختصر برئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط.

مع تسمية ميقاتي لرئاسة الحكومة، وتَعاظُم إحتمال ذهاب البلاد إلى الفراغ الرئاسي، ظَهَرَ بري أبعد ما يكون عن التدخل في مسار التشكيل. وصورة الرؤساء الثلاثة في قصر بعبدا لدى تكليف ميقاتي هي الصورة اليتيمة لمشاركة بري في مسار تسمية رئيس الحكومة، لا مسار تأليفها. عدا ذلك لم يَصدر عن رئيس البرلمان ما يوحي بأنه يدخل على خط التأليف من الباب العريض. لا بل ان «التيار الوطني الحر» دأب على إتهامه في صورة مباشرة بأنه وراء تعطيل المشاورات لرغبته في بقاء حكومة تصريف الأعمال وعدم الموافقة على إعطاء الرئيس عون حصة في الحكومة الجديدة بما يتناسب مع حجم كتلة «التيار الوطني الحر» النيابية. وكلما زاد باسيل من الترويج لطروحات غير دستورية في عُرْف بري تتناول مرحلة ما بعد 31 أكتوبر (نهاية عهد عون)، زاد رئيس المجلس من تمسكه بثوابته في تشكيل الحكومة وفي الحصة التي لا يُفترض أن يحصل عليها باسيل. وهو يأخذ تأليف الحكومة إلى الحد الأقصى المسموح، حتى يفرج عنها بعد أن يكون التيار إستنفذ كل طروحاته وما يرسمه من أجل البقاء الرقم الأول في مرحلة الفراغ الدستوري.

وبين تشكيل الحكومة وإنتخابات رئاسة الجمهورية، ينكفئ بري عن خوض غمار الإستحقاقين، للمرة الأولى بهذا الوضوح. في العادة كان لرئيس البرلمان مرشحون من مرتبة أولى وثانية، ولم تكن لائحة مرشحيه تخلو من أسماء أصدقاء كالنائب الراحل جان عبيد أو رياض سلامة، أو مفضَّلين لديه بحُكْم العلاقة السياسية، وهو ينحاز إلى جيلٍ يعرفه وشخصياتٍ خبِر معها العلاقةَ السياسية اليومية. ولم يكن يُخْفي معارضته لمرشحين آخَرين، كما فعل مع ترشيح عون الذي لم يكن يجد فيه ضالته الرئاسية.

حالياً إبتعد بري عن مقاربة الإستحقاق الرئاسي من باب الترشيحات. فهو قَطْعاً ليس مع باسيل مرشحاً للرئاسة، وثمة مرشّحون يُفترض أن يجدوا صدى لدى بري، كرئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، الذي يريده «حزب الله» لكنه لم يبادر إلى تبنّيه. وفي حال الفراغ التي حُكْماً سيعاد فيها طرح قائد الجيش العماد جوزف عون مرشحاً طبيعياً حين تنتفي الحاجة إلى تعديل دستوري لإنتخابه، قد ينحاز إليه حتى يقطع الطريق على باسيل ليس كمرشح بل كصانع مرشحين ورؤساء.

يَتَصَرَّف بري على أن الوقت لم يَحِنْ بعد لوضع الأوراق مكشوفةً على الطاولة. فهو الذي يقبض على الإستحقاق من باب تحديد جلسات الإنتخاب. والمهلة الدستورية تبدأ في الأول من سبتمبر، وكانت أوساط بري تحدثت عن أنه يعتزم تحديد الجلسات مع بداية المهل حتى لا يُتهم بتعطيل إنتخاب الرئيس، شرط تَرافُقها مع جلسات تشريعية لها صلة ببعض التشريعات المتعلقة بمفاوضات صندوق النقد، قبل أن يفرْمل هذا المنحى تحت عنوان «الإصلاحات أولاً» وسط مناخاتٍ عن أن «دق جرس» الماراتون الرئاسي لن يكون قبل أواخر سبتمبر.

وكان لافتاً ما توجه به قبل ايام المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان إلى «الأخوة المسيحيين: توحّدوا لإنقاذ لبنان عبر شخصية وطنية لرئاسة الجمهورية، والرئيس نبيه بري يملك من سِعة الخيارات الوطنية ما يلاقي الجميع لتأمين الخلاص الوطني».

أعطى قبلان المحسوب على بري إشارةَ انطلاقٍ حول دور رئيس البرلمان في الإستحقاق المذكور وفي الحكومة معاً، وهو في توجُّهه إلى المسيحيين، والمقصود هنا ليس «التيار الوطني الحر» حُكْماً، إنما يفتح ثغرة في العلاقة المقفَلة بين القوى المسيحية المُعارِضة والكنيسة وبين «الثنائي الشيعي»، ولا سيما بعد توتراتٍ رافقت ملف المطران موسى الحاج وتصعيد بكركي حياله.

لبري قواعد نيابية ثابتة، وهو في فتْحه خطوطاً مع القوى التغييرية عبر بعض نوابٍ على تَواصُل دائم معهم، وبين القوى السنية المشرذمة، ما زال حليفه الثابت الوحيد جنبلاط الذي أعاد وَصْلَ ما انقطع مع «حزب الله» ودعا إلى انتخاب رئيسٍ على مثال الرئيس الراحل الياس سركيس. وهذا يعيد طرح بروفايل مرشّحين من خامة جديدة، يحاول بري تزكيتها على حساب أي مرشّح حزبي أو فئوي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي