الرهانات هائلة على خلفية إرث استعماري ثقيل وغياب متزايد للأمن في المنطقة
«شراكة متجدّدة» بين باريس والجزائر... ما الذي سيتحقّق على أرض الواقع؟
الجزائر - أ ف ب - بعد أزمة استمرت أشهراً، أبرم الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والجزائري عبدالمجيد تبون، السبت، «شراكة متجددة وملموسة وطموحة» لإحياء العلاقات الثنائية، على أن يرافق ذلك الآن بإجراءات ملموسة.
ووقّع الرئيسان إعلاناً مشتركاً وسط ضجة إعلامية كبيرة، قبل أن يغادر إيمانويل ماكرون الجزائر عائداً إلى باريس.
ويشكّل ذلك خروجاً من الخلاف الديبلوماسي حول الذاكرة وحرب الجزائر وتعبيراً عن رغبة معلنة في تعزيز التعاون في المجالات كافة.
مع ذلك، تبقى الرهانات هائلة على خلفية إرث استعماري ثقيل لم تتم تسويته بعد وغياب متزايد للأمن في المنطقة، وظل الحليفة المقربة للجزائر، روسيا ونفوذها المتزايد في أفريقيا.
وقال كريم أملال المندوب الوزاري المكلف حوض البحر المتوسط لـ «فرنس برس»، إن «الزيارة سمحت بحلحلة الأمور. هذا سمح بتوطيد، إن لم يكن إعادة ابتكار، روابط بيننا».
وصرح مصدر ديبلوماسي فرنسي لـ «فرانس برس»، محللاً الوضع «نعتبرها خطوة أولى. سنرى في اليوم التالي ماذا سيحدث وكيف ستبدأ الأمور».
من جهته، يرى بيار فارمران، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة السوربون، أن «التقدم الحقيقي» متوقع قبل كل شيء في «المسائل الاستراتيجية».
إبعاد روسيا؟
وقال فارمران لـ «فرانس برس» إن «منطقة المغرب العربي بأسرها على وشك الانهيار بسبب أزمة الطاقة والغذاء»، وانعدام الأمن في منطقة الساحل والخلافات بين سلطات الجزائر والمغرب.
في هذه الأجواء تبقى «المسائل الفرنسية الجزائرية الصغيرة التي تعود إلى فترة الاستعمار مهمة جداً للناس لكن الدول طوت أصلاً هذه الصفحة».
من جهة أخرى، تريد الجزائر إعلان عودتها إلى الساحة الدولية بعد حكم طويل لرئيس مريض وغائب عبدالعزيز بوتفليقة (1999-2019) الذي توفي في خريف 2021، و«الحراك» حركة الاحتجاج الشعبية.
من جانبها، تعول باريس التي انسحبت أخيراً من مالي على الجزائر للمساعدة على إحلال الاستقرار في المنطقة.
وجلس تبون وماكرون الجمعة، حول طاولة واحدة مع رئيسي أركان جيشي البلدين والاستخبارات، في سابقة منذ استقلال الجزائر عن فرنسا في 1962. وأكدا في البيان المشترك أنهما سيكرّران الأمر كلما كان ذلك «ضرورياً».
ويسعى الغربيون أيضاً إلى إخراج الجزائر من حضن حليفتها روسيا، أول مورد لها للأسلحة وباتت لاعباً رئيسياً في المنطقة.
وقال جوف بورتر، الخبير في شؤون شمال أفريقيا في مركز «نورث أفريكا ريسك كونسالتينغ»، «حالياً، تحتاج فرنسا إلى الجزائر أكثر مما تحتاج الجزائر إلى فرنسا، وليس لديها الكثير لتقدمه».
وأشار إلى أن «روسيا في المقابل تعطي الجزائر كل ما تطلبه تقريباً».
«لننتظر ونرى»
في موضوع آخر يسبب الإزعاج وهو ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر، ستقوم لجنة مشتركة من المؤرخين بفحص أرشيفي البلدين «من دون أي محظورات».
ومهّد الرئيسان الطريق لتخفيف نظام التأشيرات الممنوحة للجزائريين، مقابل تعاون متزايد من الجزائر في مكافحة الهجرة غير الشرعية.
وبدا السفير السابق لفرنسا في الجزائر كزافييه دريانكور أكثر حذراً.
وقال «دعونا ننتظر لنرى ما إذا كان الجزائريون سيستجيبون بجدية للمقترحات الفرنسية وما إذا كانوا سيقدمون الإشارات التي تتوقعها باريس»، مذكّراً بأنه لا شيء تحقق من الإعلانات بعد زيارة ماكرون للجزائر في 2017.
وأضاف بيار فارمران أن «القضية الحقيقية هي فتح الأرشيف الجزائري وحرية المؤرخين الجزائريين في العمل».
وسيتعيّن على لجنة المؤرخين أن تفتح ملف «وحشية» الاستعمار الفرنسي، لكن أيضاً ملفات مسائل حساسة للجزائر، مثل قضية الأوروبيين الذين فقدوا في نهاية حرب الاستقلال.
لكن المؤرخ الجزائري محمد أرزقي فرّاد، يرى أن «قول إن الجزائريين لا يريدون فتح الأرشيف حتى لا تُكتشف أمور لا تُسرّهم، لا أساس له من الصحة».
وتابع ان «من الأخطاء التي ترتكبها فرنسا عند الحديث عن جرائم الاستعمار أنها تساوي بين جيشها وبين جبهة التحرير (الوطني التي قادت حرب الاستقلال بين 1954 و1962) وهذا غير معقول».