وزير يلوّح بالاعتكاف ويتحدّى «طويلة على رقبة أي واحد بدّو يحجّمني»
لبنان «يلهو بالنازحين» وملف العودة «حرب مزايدات» سياسية
أن يُفتح ملف النازحين السوريين في أواخر عهد رئيس الجمهورية ميشال عون وفي ظل حكومة تصريف أعمال، وأن يُفَجِّر «معركةً جانبية» تُنافِسُ «قرقعتُها» السياسية «هديرَ» الاستحقاق الرئاسي، أمرُ يثير الريبة، كون تَناوُل هذا العنوان في هذه المرحلة الحَرِجة داخلياً، وعلى أحقيته، بدا مدجَّجاً بعناصر «افتعال»، ولا سيما بعدما تطايرتْ على تخومه المزايدات داخل حكومة تصريف الأعمال وبين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزارء.
ولاحتْ من خلف «تثقيل» ملف النازحين أسئلةٌ كثيرة تتصل بتوقيت فتح باب النقاش في لبنان حوله وبإزاء تفعيل العلاقة مع سورية، في وقتٍ تعيش بيروت أصعب أزماتها السياسية وواحد من أعتى انهيارات مالية عرفها العالم منذ 1850، وعلى مسافةٍ من فراغ رئاسي مُتَوَقَّع.
منذ ان اندلعت الثورة في السورية وتحولت حرباً، وبدء توافد النازحين السوريين إلى لبنان إبان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي العام 2011، أصبح هذا الملف متفجراً في ظل الانقسامات السياسية حوله، بين فريقيْ «14 مارس» الذي كان خارج السلطة وتَعاطف مع استقبال النازحين الهاربين من النظام السوري، وبين قوى أخرى تَقَدّمها «التيار الوطني الحر» تحديداً الذي طالب بتنظيم وجود النازحين، ووضْعهم في مخيمات خاصة.
طرح «التيار الوطني» مراراً التمثل بما يحصل في الأردن أو تركيا لجهة ضبط الوجود السوري. وتدريجاً، انتقلت المطالبة من الحاجة لتنظيم وجودهم إلى ضرورة عودتهم إلى بلادهم ولا سيما مع توقف الحرب في بعض المناطق السورية.
وجرى أكثر من مرة نقاش سياسي حاد حول ضرورة مطالبة الأمم المتحدة بوقف تمويل عملياتها الإغاثية للنازحين ودفع إعانات شهرية في لبنان، من أجل تشجيع عودتهم إلى سورية.
على مدى سنوات الحرب السورية استمر النقاش الساخن حول النازحين، وتعددت أوجهه بين أمنية وسياسية واقتصادية في ضوء الأزمات التي يعانيها لبنان والحملات التي نشطت أخيراً في تحميل النازحين مسؤولية الأزمة الغذائية واستهلاك الخبز والطحين والمازوت والكهرباء، وردات الفعل التي أعقبت السجال بين مفوضية اللاجئين ووزارة الخارجية اللبنانية.
إلا ان أي خطوات عملية لم تحصل من جانب الحكومات المتعاقبة، ما خلا بضع محاولات لإعادة نازحين باشراف المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، لكنها ظلت عمليات ترحيل معدودة.
في يونيو الماضي، فتح ميقاتي النار على المجتمع الدولي، ودعاه إلى «التعاون مع لبنان لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، والا فسيكون للبنان موقف ليس مستحباً على دول الغرب، وهو العمل على إخراج السوريين من لبنان بالطرق القانونية، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم».
شكل موقف ميقاتي مفاجأةً باعتبار انه الأول بهذه اللهجة لرئيس حكومة، في وقت كان «التيار الوطني» خلال تولي الوزير جبران باسيل وزارة الخارجية، يطلق مثل هذه المواقف علانية وفي الاجتماعات الدولية، وهو كرر الخطاب ذاته في الأسابيع الأخيرة مؤكداً ان «النغمة تجددت لدى المجتمع الدولي لإبقاء النازحين واندماجهم في المجتمعات المضيفة، معتبراً ان «النازح سيبقى في لبنان ما دامت الأمم المتحدة تقدّم له المال (بالدولار) وهو على أرض لبنان بدل أن تدفع له في سورية تشجيعاً لعودته، وبالطبع نتحدث هنا عن عودةٍ آمنة وكريمة».
بعد ميقاتي استعاد عون دوره في إدارة الملف، معلناً ان «لبنان في طور إعداد دراسة قانونية سيرفعها إلى الأمم المتحدة حول مسألة نزوح السوريين، الذين يبلغ عددهم نحو مليون و500 ألف نازح».
وعاود تأكيد أن«سعي بعض الدول لدمْج النازحين السوريين الموجودين في لبنان بالمجتمع اللبناني جريمة لن يقبل لبنان بها مهما كلف الأمر».
ما حدث بعد كلام ميقاتي أن حرب مزايدات سياسية داخلية انفجرت، تزامناً مع كلامٍ عن السعي لاستبعاد وزير المهجرين عصام شرف الدين (المعني بالملف والمحسوب على النائب طلال أرسلان الذي خسر في الانتخابات النيابية) عن الحكومة العتيدة التي تجري محاولات يائسة لتشكيلها.
وشرف الدين زار سورية للبحث في إعادة النازحين وبدأ يوجه اتهامات إلى ميقاتي بأنه لا يريد كرجل أعمال الاختلاف مع الدول المانحة، مؤكداً صلاحياته في تحمل مسؤولية ملف النازحين وفق تكليف رسمي من مجلس الوزراء.
لكن رئاسة الحكومة ردت عليه بأن مسؤولية الملف تقع على عاتق وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار (من فريق عون)، وأن زيارته لسورية جرت بصفته الحزبية والشخصية، قبل أن يصعّد شرف الدين أمس معلناً في حديث تلفزيوني «أن ميقاتي ما بدو ياني كون وهيدي طويلة كتير على رقبة اي واحد بدو يحجّمني»، ملمحاً لإمكان اعتكافه عن ممارسة مهماته في تصريف الأعمال، وموضحاً أنه سيزور رئيس الجمهورية في الساعات المقبلة.
وفيما النقاش دائر حول صلاحيات الوزراء المعنيين، كانت دمشق تتلقف كرة شرف الدين الذي زارها وأعلن نية لبنان إعادة 15 الف نازح سوري كل شهر. وأعلنت انها مستعدة لإعادة جميع النازحين وليس فقط العدد الذي تحدثت عنه الخطة اللبنانية.
ومع معاودة ميقاتي تفعيل أعمال الوزراء ولجنة النازحين، ودخول عون مجدداً على خط هذا الملف، بدأ التخبط في مواجهة قضية معقدة وشائكة ومتعددة الطرف، فما لم يستطع العهد معالجته خلال ستة أعوام، هل يمكن فعله في شهرين قبل انتهاء ولاية عون وفي ظل حكومة تصريف أعمال؟
الواضح من الضجيج المستجدّ حول ملف النازحين انه لا يتعدى إثارة غبار سياسي داخلي، أكثر منه مقاربة حقيقية لملف بالغ الحساسية لا تبدي الأمم المتحدة أي رغبة في معالجته عن طريق وقف المساعدات المالية للنازحين في لبنان الذين ترفض الدول الأوروبية معالجة أوضاعهم إلا في إطار تسوية شاملة وتخشى تسرُّبهم إليها.
وفيما كرة الصلاحيات حول إدارة الملف عالقة في التجاذبات، بين قوى سياسية كانت ممثَّلة في الحكومة وأصبحت خارجها وبين عهدٍ يطوي أيامَه الأخيرة وبين رئيس حكومة تصريف أعمال ومكلف تشكيل حكومة جديدة، سيبقى الملف في عهدة ميقاتي والكرة أصبحت في ملعبه لأن خطابه حول النازحين سيكون مؤشراً لكيفية الاستمرار في معالجة ملف حساس مع سورية.
لأن ما حصل من استدراج الدور السوري عن طريق وزير المهجرين ستكون له تبعاته، فلا حل للأزمة من دون التنسيق مع دمشق، لكن الأهمّ هو موقف المجتمع الدولي وهل يمكن لرئيس الحكومة مع اقتراب تسلمه إدارة الفراغ الرئاسي، سواء بحكومة مكتملة المواصفات أو بتصريف الأعمال، أن يقف «عكس التيار» الدولي؟