إضراب معيشي للقضاة والعين على الطعون النيابية

لقاء «كسر الصمت» بين عون وميقاتي... من عُدة المعركة الرئاسية في لبنان؟

لقاء بين عون وميقاتي في قصر بعبدا أمس (أ ف ب)
لقاء بين عون وميقاتي في قصر بعبدا أمس (أ ف ب)
تصغير
تكبير

رغم الغبار الكثيف الذي لفّ «تدليكَ» مساعي تأليف الحكومة الجديدة بالزيارة التي قام بها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي أمس لرئيس الجمهورية ميشال عون، فإن أياً من العارفين في خفايا هذا الملف الشائك لم يُبْدِ تفاؤلاً بأن تعويم الاتصالات المباشرة يعني أن التشكيلة المجمّدة منذ 52 يوماً ستخرج من حال «التنويم» فتولد لتكون بمثابة «حكومة الاحتياط» في زمنٍ فراغ رئاسي يخيّم شبحه فوق رأس البلاد ابتداءً من 31 أكتوبر المقبل.

فالحجر الذي رُمي أمس في المياه الراكدة الحكومية، لا يبدو قادراً على إحداث ما هو أكثر من «موجات صوتية»، في ضوء انطلاق الرئيس المكلف في معاودة تشغيل محركات اللقاءات مع عون، وقفْزه فوق ما كان اعتبره إساءة لمكانة رئاسة الوزراء وموقعها، من حيث انتهى إليه آخر اجتماع قبل شهر ونصف الشهر أي من الصيغة التي قدّمها إلى رئيس الجمهورية في 29 يونيو الماضي والتي رفضها الأخير وفريقه أي «التيار الوطني الحر» الذي «فَتَحَ النار» عليها سياسياً ودستورياً.

وفي كلام ميقاتي بعد لقاء «كسْر الجليد والصمت» مع عون الذي جرى الترويج أنه حصل بناء على دعوة من رئيس الجمهورية خلال اتصال معايدة أجراه به الرئيس المكلف (لمناسبة عيد انتقال السيدة العذراء) أنه «بحث مع رئيس الجمهورية في تشكيلة 29 يونيو» وأن «للحديث صلة ووجهات النظر كانت متقاربة»، وهو ما اعتُبر تكريساً لثبات ميقاتي على مقاربته الهيكلية التي يراها مناسبة لحكومةٍ كانت مهمتها الرئيسية ملء المرحلة الانتقالية الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية (تبدأ مهلتها الدستورية في 1 سبتمبر) وإذ بمقاربتها تُخاض بوصْفها حَلَبة رئيسية في المعركة الرئاسية، على قاعدة مزدوجة:

أولها أن تأليفها بشروط رئيس «التيار الحر» جبران باسيل يُطْلِق يديْه في إدارة زمن الفراغ الرئاسي المرجَّح من موقع إما يقوّي حظوظه في دخول قصر بعبدا وإما أقله يجعله «رئيساً انتقالياً».

وثانيها أن عدم تشكيلها من شأنه أن يتحوّل عامل ضغط أكبر لإجراء الاستحقاق الرئاسي في مواعيده الدستورية وتالياً طي صفحة عهد عون والمزيد من تطويق باسيل ودوره كـ «صانع للرئيس»، وهو الهدف الذي يُعتبر نقطة تقاطُع «مكتومة» بين غالبية القوى السياسية وعلى ضفتيْ الموالاة والمعارضة.

وفي حين تعتبر أوساطٌ سياسية لبنانية أن الأيام القليلة المقبلة ستكون كفيلة بتبيان الخيط الأبيض من الأسود في المحاولة الجديدة لاستيلاد الحكومة، فإنها رأت أنه بعد «جلْد» فريق عون تشكيلة ميقاتي التي ترتكز على حكومة تصريف الأعمال الحالية (24 وزيراً) مع تعديلات على 5 حقائب أبرزها انتزاع وزارة الطاقة من «التيار الحر»، و«الصوت العالي» من الأخير بإزاء «أصل» هذه الصيغة كما الإصرار على «الشراكة الكاملة» لرئيس الجمهورية في عملية التشكيل من «ألفها إلى يائها»، لا شيء يشي بأن الرئيس المكلف في وارد تغيير «الحروف الرئيسية» في تشكيلته لا باتجاه توسيعها إلى 30 وزيراً مع إضافة 6 وزراء سياسيين ولا إعادة «التيار» إلى الحقيبة التي أخرجه منها عبر الباب «من الطاقة».

ومن هنا ترى الأوساطُ أن خلفيةَ تَراجُعِ ميقاتي خطوةً «شَكليةً»، وذلك بعد أسابيع انطبعتْ بـ «حربِ بياناتٍ» رئاسية حول طلب ميقاتي موعدٍ (لزيارة قصر بعبدا) لم يُحدَّد وبـ «ملاكمة كلامية» بأقسى النعوت بينه وبين «التيار الحر»، ليست حتى الساعة إلا في إطار محاولة ردّ الاتهام الذي بدأ يحاصره وخصوصاً من فريق عون، وقد دخلت الكنيسة المارونية على خطه أخيراً، بتعمُّد الاحتفاظ بالتكليف في جيْبه وترْك حكومة تصريف الأعمال تدير الفراغ الرئاسي، وهو ما يجعله يتحمّل تبعات ما قد يترتّب على هذا الأمر ولا سيما في ضوء تلويح «التيار الحر» بخطة ب أو أكثر لمنْع هذه السابقة، وتالياً انكشاف البلاد على حقبة من الفوضى الدستورية وربما... الأمنية.

ووفق الأوساط، فإنه بعد لقاء بعبدا أمس بدأ «خلط أوراق» ولو تحت سقف على مَن تقع مسؤولية عرقلة تأليف الحكومة، بمعنى أن الرئيس المكلف خَرَجَ من زاوية راح «يُحشر» فيها، في حين أن عون قد يستفيد من معاودة «تسخين» موضوع صلاحياته بأبعادها الطائفية لتطبع الفترة المقبلة والعدّ العكسي لانتهاء ولايته، مذكّرة بأن بيان التكتل النيابي لباسيل (الثلاثاء) عَكَس بما لا يقبل الشكّ استمرار العلاقة مع ميقاتي على «خطوط التوتر الأعلى».

وحذر التكتل مما أسماه «خطورة الامتناع عن تشكيل حكومة تحت ذرائع مختلفة» و«ما يشاع عن وجود فتاوى جاهزة تتيح لحكومةٍ مستقيلة أن تقوم مقام رئيس الجمهورية في حال عدم انتخاب رئيس جديد في المهلة الدستورية»، معتبراً «أن أي محاولة في هذا الاتجاه مرفوضة قطعاً وهي تفتح باباً للفوضى الدستورية وربما أكثر وتطلق عرفاً قد يجرّ الى أعراف جديدة، وعليه يؤكد التكتل أن المطلوب بأسرع وقت أن يقوم الرئيس المكلف بدوره في تشكيل حكومة جديدة آخذاً في الاعتبار الشراكة الدستورية لرئيس الجمهورية في عملية التأليف وألّا يجنح أحد في البلاد إلى أي مغامرات تضرب الدستور والميثاق».

وانطوت الإشارة إلى «عُرف قد يجرّ لأعراف جديدة» على تلميحٍ مكرَّر اعتبرت الأوساط نفسها أنه يحمل غمزاً من إمكان ترْك الباب مفتوحاً أمام عدم مغادرة عون قصر بعبدا وتسليم مفاتيح صلاحيات الرئاسة إلى حكومة غير مكتملة المواصفات «يكمن» لها التيار الحر أيضاً بتلويحه بسحب الوزراء المسيحيين المحسوبين على رئيس الجمهورية منها في «الوقت المناسب» للطعن بميثاقيتها وقطع الطريق على أي اتجاه لجعل حكومة ميقاتي الحالية تضع «القبعة الرئاسية».

يُذكر أن ميقاتي كان أعطى إشارة أول من أمس الى استعداده لتفعيل حكومة تصريف الأعمال ولو عبر لقاءات تشاورية موسّعة في إطار محاولة إدارة الانهيار الشامل ومتابعة ملفات رئيسية تتصل بالإجراءات المسبقة التي يتعيّن على لبنان القيام بها تمهيداً لبلوغ اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، علماً أن بعض هذه الملفات يتطلب توافقاً مع عون، وبات في سباق خطير مع انزلاقاتٍ معيشية ومالية أكثر قسوة.

ولم يكن عابراً أمس، أن يعلن غالبية قضاة لبنان (أكثر من 350 قاضياً من أصل 560) وبينهم عضو في مجلس القضاء الأعلى، التوقف عن العمل كلياً على خلفية اعتراضهم على توقُّف مصرف لبنان عن سداد رواتبهم على سعر صرف ثمانية آلاف ليرة بعد تحويلها إلى الدولار على أساس سعر 1500 ليرة، وهو ما كان صدر تعميم عن «المركزي» في شأنه قبل أن يتم تجميده بفعل اعتراضاتٍ واسعة نيابية وقطاعية.

في موازاة ذلك، حذّر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع من «ضغوط كبيرة تُمارس من(حزب الله)و(التيار الوطني الحر)على أعضاء المجلس الدستوري للتلاعب بالطعون النيابية بغية نقل أربعة مقاعد من المعارضة إلى الموالاة، في مناطق مختلفة، خصوصاً في طرابلس ومرجعيون».

وعَكَسَ كلام جعجع في جانب منه احتدام عمليات «البوانتاج» في ما خص الاستحقاق الرئاسي، الذي ورغم الإقرار بأن نصابه سياسيّ، داخلي وخارجي، وليس عدَدياً نيابياً، إلا أن نجاح أي طرف في تكوين غالبية النصف زائد واحد (نصاب التئام جلسة الانتخاب الرئاسية هو الثلثان أي 86 نائباً وهو النصاب نفسه لدورة الانتخاب الأولى لتصبح الثانية وما بعد 65 نائباً) سيمنحه أفضلية ضمن «التوازن السلبي» القائم حالياً بين موالاة منزوعة الغالبية نظرياً، ومعارضةٍ مفككة تسعى للملمة صفوفها وتوفير توافق بالغ الصعوبة بين «أكثريتها الوهمية» على مرشّح واحد يمكنه أقله «تعطيل» المرشح «الحقيقي» لـ «حزب الله» الذي يبقى حتى الساعة زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي