إعلامية في مرمى تهديدات بهدر الدم بسبب تغريدة مثيرة للجدل
«معركة المواصفات» في الطريق الشائك أمام انتخاب رئيس للبنان
- الراعي حدّد مواصفات الرئيس العتيد و«جدول أعماله»
- باسيل يريد «مرجعية مسيحية» في استيلاد الرئيس... ليكون «الناخب الأول»؟
بقي لبنان أمس عيْناً على ارتباط اسمه بالهجوم بسكينٍ على الكاتب البريطاني سلمان رشدي في نيويورك نظراً إلى الجذور اللبنانية لمنفّذ الاعتداء، وعيْناً أخرى على وقائعه السياسية التي باتت كلها تتمحور حول استحقاق الانتخابات الرئاسية الذي يُخشى أن يسدّد «طعنةً قاتلة» لِما بقي من «آثار الدولة» بحال غرق في مطاحناتٍ ضارية، بعضها يتّصل بدينامياتٍ محلية وبعضها الآخر باعتباراتٍ إقليمية تبقى «المحرّك» الأساسي للوضع الداخلي وناظِم اتجاهات الريح فيه.
ولم يكن عابراً أنه لليوم الثاني على التوالي نأى لبنان الرسمي بنفسه عن الاعتداء الذي تَعَرَّض له رشدي، فالتزم الصمتَ حيال «أصل» الواقعة الدامية التي رُبطت بفتوى هدر دم أصدرها الإمام الخميني قبل 33 عاماً، كما بإزاء الأصول اللبنانية لهادي مطر (من يارون الجنوبية)، وسط تَرَقُّب للارتدادات المحتملة لهذه القضية، وهل ستُطوى قضائياً على أنها «عمل فردي» أم تكون لها إسقاطاتٌ على الخلفية العقائدية لمنفّذ الهجوم الذي ظهّرتْه وسائل الإعلام الأميركية، انطلاقاً من حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، على أنه من مناصري «حزب الله» والمدافعين عن إيران.
وإذ بدا الصمتُ الرسمي في سياق عدم الرغبة في تحويل هذا الملف عنصرَ «اشتباكٍ» داخلياً باعتبار أن خلفياته مفتوحة على فتوى الخميني التي سبق لقيادة «حزب الله» أن أيدّت قبل نحو 16 عاماً مبدأ تنفيذها، فإنّ ما شهده لبنان في الساعات الماضية على تخوم الـ «مع وضدّ» ما قام به مطر عَكَس مناخاتٍ مخيفةً استهدفتْ العديد ممن عبّروا عن رفضهم على مواقع التواصل الاجتماعي لما ارْتكبه مطر، وانطبعتْ بترهيبٍ مُرْعِب وخارج كل تَصَوُّر للإعلامية ديما صادق التي تعرّضتْ لتهديداتٍ مباشرة بالاغتصاب وهدر الدم من مناصرين للحزب على خلفيّة صورة نشرتها على «تويتر» تجمع الإمام الخميني وقائد «فيلق القدس» السابق قاسم سليماني وأرفقتْها بعبارة «آيات شيطانية».
وفي موازاة «انفجار» سجال «المقدّسات» على صفحات المجتمع الافتراضي والتي اختلط فيها حابل السياسي بنابل الديني واستُحضرت معها «قدسية الكلمة» من صحيفة «النهار» في معرض أسفها لإعلان أحد صحافييها تأييده فتوى قتْل رشدي، لم تقلّ صخباً «معركة المواصفات» المطلوبة للرئيس اللبناني العتيد والتي يمكن من خلالها استشراف آفاق الاستحقاق الرئاسي والدرب الشائكة التي يُرجّح أن يسلكها.
ورغم أن «الكلمة المفتاح» في كواليس الملف الرئاسي، وتحديداً لدى الدوائر القريبة من «حزب الله» تبقى «بكّير بعد» على «الكلام الجدّي»، ما يعكس أن «كلمة السرّ» في هذا الاستحقاق لم تصدر بعد، فإن ما شهدته الأيام الأخيرة من حِراك متعدد الاتجاه يؤشّر إلى صعوبة كبيرة في استشراف كيفية استيلاد الرئيس العتيد وهل يمكن أن يحصل ذلك «على البارد» ضمن المهلة الدستورية (بين 1 سبتمبر و31 أكتوبر المقبلين) أم أن الأمر سيكون على طريقة «ولادة قيصرية» تفرضها اعتباراتٌ داخلية بالدرجة الأولى في الوقت الذي تتجه المنطقة إلى مزيد من فك الاشتباكات.
وفيما يعزو البعض تريُّث «حزب الله» في كشْف أوراقه الرئاسية - رغم أنه لم يعد يفصل عن بدء المهلة الدستورية للانتخاب إلا أسبوعين ونيّف - إلى أن لا مصلحة له في استعجال بت الخيارات قبل التبلور النهائي لمسار الاتفاق النووي وحتى ملف الترسيم البحري مع إسرائيل، فإن أوساطاً سياسية تعتبر أنه إلى هذا المعطى الخارجي فإن ثمة نقطة يصعب تحييدها في هذا الإطار وتتمثّل في حاجة الحزب إلى إدارة الاستحقاق داخل معسكره عبر التوفيق بين التناقضات التي استحالت تنافساً ينعكس «توازناً سلبياً» بين كل من رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وزعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية، وهما «مرشحان طبيعيان».
وفي حين يعكس تركيز الجميع في لبنان على كيفية «قوْلبة» حزب الله الاستحقاق تسليماً بأنه يبقى الأقدر في الميزان السياسي الداخلي على تشكيل قاطرة متماسكة في البرلمان ولو بالنصف زائد واحد رغم عدم امتلاكه هذا الرقم «دفترياً» وذلك في ضوء التضعضع الكبير في صفوف خصومه الذين انتزعوا منه الأكثرية ولم ينجحوا في تشكيل غالبية «فاعلة» وبات أقصى طموح بعضهم تكوين ثلث معطل لمنع وصول رئيس من حلفاء الحزب، فإنّ الأوساط ترى أن الأخير يواجه مشكلة أولاً على صعيد تطبيع العلاقة رئاسياً بين باسيل وفرنجية، وثانياً لجهة كيفية «الخروج منهما» نحو خيار ثالث بحال فرضت الظروف ذلك أو عطّل كل منهما بالكامل حظوظ الآخر.
باسيل وفرنجية والتوازن السلبي
وفي هذا الإطار، ترى الأوساط أن باسيل، الذي سقطت حظوظه الرئاسية لأكثر من اعتبار، لن يكون في وارد تسهيل وصول فرنجية والمساهمة في تزخيم زعامته الشمالية وإعطائها بُعداً أكثر شمولية، وأن رئيس «التيار الحر» يصعب أن يقبل بغيرِ «إذا لم أكن رئيساً فلن أفتح الطريق لزعيم المردة» الذي يرفض أساساً معادلةَ «أنا الرئيس وباسيل الحاكم» التي جرى الترويج لها، ما يعني أن «حزب الله» سيكون أمام مهمة شبه مستحيلة في توفير توافق «اختياري» بين حلفائه على فرنجية، في الوقت الذي لا يُعرف بعد إذا كان ممكناً حصول مثل هذا التوافق على وهْج فراغٍ فوضوي ولو مضبوط، أو أن «اللحظة» قد تستجرّ «لا هذا ولا ذاك» وصولاً إلى رئيسٍ يحمي وحدة صف حلفاء الحزب ولا يستفزّ الخارج ما دام في النهاية سيكون محكوماُ بالموازين التي يتحكّم بها الحزب بفائض قوّته.
على أنه حتى دون هذا السيناريو عملية شدّ حبال تشي بأنها ستكون قاسية وأعطى أول إشاراتها باسيل بعد لقائه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي السبت حين أسقْط ضمنياً عن فرنجية المواصفات المقبولة في الرئيس «الذي يمثّل ويجب أن يكون ابن بيئته وابن وجدانها، والتمثيل يتجسد بكتلة نيابية وكتلة وزارية تدعمه وتزيد من قوة صلاحياته وموقفه»، وفي الوقت نفسه حاول إرساء معادلة «المرجعية المسيحية» في اختيار الرئيس أو تزكيته وذلك في ردّ ضمني على ما عبّرت عنه حركة زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في اتجاه «حزب الله» والتي شكّل الاستحقاق الرئاسي عصَباً رئيسياً فيها، ما أتاح المجال لأصوات غمزت من مساعٍ لاستيلاد الرئيس الماروني في كنف طوائف أخرى.
وكان بارزاً كلام باسيل عن «أنه من غير المقبول أن يكون الرئيس ابن بيئات ثانية ومُنزَلاً أو مُسْقَطاً على بيئته أو يُفرض من خارج أو داخل، ولذلك يجب أن يكون القرار في هذا الموضوع بالدرجة الأولى عند الممثلين الفعليين، وهذه مناسبة كي تتمكن بكركي من القيام بأي مبادرة ممكنة ونحن نتجاوب معها ونلبيها لتتمكن من القيام بمساعيها، وعلينا مسؤولية بأن نحظى بتأييد بعضنا البعض ونتفق على أحد أو ندعم أحداً، والمهم أن يكون القرار نابعاً أولاً من الممثلين الفعليين لهذه البيئة ولهذا المكوّن»، وهو ما اعتُبر مؤشراً إلى أن رئيس «التيار الحر» يريد أن يكون أقله «الناخب الأول» رئاسياً، وسط ملاحظة أنه لم يوفر حزب الله والرئيس نبيه بري حين اتهمهما بدعم تكليف الرئيس نجيب ميقاتي رغم علمهما أنه لن يؤلّف ليَترك حكومة تصريف الأعمال تدير مرحلة الشغور.
وإذ لم يُعرف إذا كانت الكنيسة المارونية، التي أسقطتْ معيار «الرئيس القوي» وحدّدت مواصفات للرئيس العتيد يكون من خارج المَحاور والاصطفافات ويلتزم بسيادة لبنان وبمبدأ الحياد، ستكون في وارد محاولة جمْع القوى المسيحية حول أسماء «محايدة» بعدما كانت أرست في 2016 طاولة «الأقوياء الأربعة»، كان لافتاً أمس كلام البطريرك الراعي في عظة الأحد حيث لم يكتفِ بتحديد مواصفاتِ الرئيس بل وضع له ما يشبه «جدول أعماله» الرئاسي.
وأعلن «إذا التزم المرشحون الجديون لرئاسة الجمهورية بالسعي لإعلان حياد لبنان، لكسبوا ثقة غالبية الرأي العام اللبناني والعربي والدولي. الشعب يحتاج رئيساً يسحب لبنان من الصراعات لا أن يجدد إقامته فيها».
وقال «طبيعي أن يطلع الشعب اللبناني على رؤية كل مرشح جدي لرئاسة الجمهورية ومواقفه الواضحة من القضايا المصيرية، من مثل: السبيل الذي يسلكه لإجراء مصالحة وطنية على أسس وطنية؟ أولوياته الوطنية والإصلاحية للنهوض الاقتصادي والمالي؟ المسار الذي يتبعه لضمان الكيان اللبناني ومنع بعثرته؟ كيفية العمل لتطبيق اللامركزية الموسعة؟ موقفه من عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان وتحديد نقاطه، ومن بينها القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان؟ كيفية إعادة دور لبنان في محيطه العربي والإقليمي والعالم؟ الخطة لديه لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم؟ اقتراحه لتنظيم عودة اللبنانيين الذين اضطروا إلى اللجوء إلى إسرائيل سنة 2000»؟
وأضاف «في ضوء كل ذلك نقول: لا يجوز في هذه المرحلة المصيرية، أن نسمع بأسماء مرشحين من هنا وهناك ولا نرى أي تصور لأي مرشح. كفانا مفاجآت». وتابع: «إن الواقع الخطير في البلاد يستوجب انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، يكون ذا خبرة في الشأن العام ومواقف سيادية».