بكين تتعلّم الكثير من الدروس في التخطيط لأي ضربة مستقبلية
«بوليتيكو»: المناورات الصينية قرب تايوان قدمت «ثروة استخباراتية» للأميركيين
أعطى حشد الصين، الكثير من السفن والطائرات والصواريخ بالقرب من تايوان، الولايات المتحدة لمحة لم يسبق لها مثيل عن الكيفية، التي قد تشن بها بكين حملة عسكرية ضد الجزيرة، وفقاً لتقرير موقع «بوليتيكو» الأميركي.
في المقابل، تتعلم الصين أيضاً الكثير من الدروس التي يمكن أن تثبت في النهاية أنها أكثر أهمية في كيفية تخطيطها لأي ضربة مستقبلية ضد الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة.
ورغم كل القوة العسكرية، إلا أن الجيش الصيني لديه خبرة محدودة في العالم الواقعي خارج التدريبات العسكرية المحلية عالية الدقة، حيث لم يطلق رصاصة واحدة منذ الحرب مع فيتنام والتي انتهت في الثمانينات.
وأشار تقرير «بوليتيكو» إلى أن العشرات من الطائرات الحربية التي تحلق يومياً فوق خط الوسط في مضيق تايوان والسفن الحربية التي تجوب المياه قبالة الساحل، تشكل تغييراً مهماً ومشؤوماً للوضع الراهن، وهو تغيير قد يكون له عواقب وخيمة على الدفاع عن تايوان في المستقبل، وفقاً لخبراء ومسؤولين أميركيين.
كما أن دفع الطائرات الحربية فوق خط الوسط، لا يؤدي فقط إلى محو الحدود السابقة، لكن القيام بذلك بالتنسيق مع السفن الحربية والابتعاد عن الصواريخ، هو بالضبط نوع التفاعل الذي تقضي الجيوش الحديثة الكثير من الوقت والجهد لإتقانه، وقد أربك الروس بشكل واضح في أوكرانيا.
ويقول راندي شريفر، الذي شغل منصب كبير مسؤولي السياسة الآسيوية في البنتاغون في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، إن التدريبات الصينية السابقة كانت «مثل قيادة سيارة جديدة كثيراً بدلاً من إخراجها على الطريق السريع»، مضيفاً أن «التقسيم المنسق للجزيرة هو نوع التمرين الذي سيكون أكثر قابلية للتطبيق في حال حدوث ضربة حقيقية».
وحتى هذه اللحظة، امتنعت الولايات المتحدة علناً عن الحديث عن التدريبات مع الحفاظ على حاملة الطائرات «يو إس إس رونالد ريغان»، ومقرها اليابان في المنطقة، ولكن ليست قريبة من تايوان، كما أن حاملة الطائرات البرمائية «يو إس إس تريبولي» تقع بالقرب من جزيرة أوكيناوا، والحاملة الأخرى «يو إس إس أميركا» تقع في بحر الصين الشرقي وكلاهما يحمل مقاتلات «إف 35».
لكن هذه المناورات المهمة أعطت الخبراء الكثير من اللمحات حول كيفية نشر الصين لقواتها واستخدامها.
وقال كولين كوه الزميل الباحث في معهد الدفاع والدراسات الإستراتيجية في سنغافورة، إن من المحتمل أن تكون «ثروة من المعلومات الاستخباراتية والتي يمكن أن تسفر عن رؤى ثاقبة حول نقاط القوة والضعف في تعبئة الجيش الصيني».
وأضاف أن هذه النظرات الخاطفة «ستقدم صورة أفضل لكيفية قيام جيش التحرير الصيني في المستقبل بغزو تايوان، أو بشكل عام كيف سيجري حملة عسكرية كبيرة».
وبينما تم اختبار الصواريخ التي تم إطلاقها حتى الآن وممارستها لسنوات من قبل الجيش الصيني، فإن أطقم إطلاقها لم تعمل أبداً في سيناريو عملياتي، حيث يتعين مواجهة تعقيدات الحركة الجوية والبحرية العسكرية والتجارية، وضمان قدرة الصواريخ على ذلك وجعلها تحلق فوق مناطق مدنية مأهولة وتسقط بأمان في الأماكن المحددة.
وتابع شرايفر ان التدريبات قد تكون مصممة على أنها «تخويف، لكن الحركات المنسقة للغاية أكثر تعقيدًا بكثير من عروض القوة السابقة».
وأضاف: «هناك صواريخ عدة استهدفت مناطق مختلفة في توقيت معين بطريقة معينة، بحيث يشبه إلى حد كبير ما إذا كانوا سيستخدمون (الصينيون) بالفعل الصواريخ لضرب تايوان».
ما العبر المستخلصة من الأزمة في مضيق تايوان؟
بكين - أ ف ب -قدمت المناورات العسكرية الصينية الواسعة في محيط تايوان تصوراً أولياً لما قد تمثله حملة عسكرية فعلية لبكين على جارتها الصغيرة.وفرضت بكين عقوبات اقتصادية على تايبه، مكثفة الجهود لعزلها، وهي خطوات من شأنها أن تزعزع الوضع القائم في مضيق تايوان، بحسب خبراء.
وفي ما يأتي بعض العبر المستقاة من أوسع تمارين عسكرية نظمتها الصين في محيط بكين، وذلك ردّا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي للجزيرة.
- هل الحصار ممكن؟
للمرة الأولى، نفّذ الجيش الصيني تمارين في الجانب الشرقي من تايوان، وهي منطقة استراتيجية بدرجة كبيرة للإمدادات الوافدة إلى الجزيرة، بما في ذلك قوات دعم أميركية محتملة.
والرسالة واضحة مفادها بأنه في مقدور الصين منع دخول أي سفينة أو طائرة، عسكرية كانت أم مدنية، وخروجها من الجزيرة.
ويتوقع خبراء منذ فترة طويلة، أن تكون الصين قد وضعت استراتيجية من هذا النوع في حال اندلاع حرب لاجتياح تايوان.
وقال كريستوافر توومي، المتخصص في الشؤون الأمنية في الكلية البحرية في كاليفورنيا، إن «هذه الأزمة تظهر أن بكين قادرة على تكرار أفعال مشابهة أو حتى الرفع من مستواها بقدر ما تشاء».
لكنه لفت إلى أن «فرض حصار قد يكلّف غاليا، أكان في ما يخصّ سمعة الصين أو ميزانية جيشها».
ونظرا للصعوبات الاقتصادية الراهنة، من غير المرجّح أن تجازف الصين في المدى القصير مع زعزعة الاستقرار في مضيق تايوان، وهو من الممرات المائية الأكثر حركة في العالم.
- هل الجيش الصيني مستعد؟
زادت الصين بوتيرة سريعة من عديد جيشها وحدّثت عتاده في المجالات الجوية والفضائية والبحرية بهدف استعراض قوّتها على الصعيد الدولي وتقليص الفجوة مع الولايات المتحدة.
وما زالت قدرات بكين العسكرية أدنى من قدرات واشنطن. لكن الهدف هو، بحسب تحليلات البنتاغون، التزوّد بالوسائل اللازمة لقمع كلّ مقاومة لاجتياح تايوان بحلول 2027.
وبحسب كولين كوه، الخبير في الشؤون البحرية في كلية اس. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، عكست هذه التمارين التقدّم الذي أحرزه الجيش الصيني منذ الأزمة الأخيرة في مضيق تايوان في 1995 - 1996.
وصرّح كوه «أقلّ ما يقال هو... إن إنجازهم مناورات من هذا المستوى يثبت أنهم ازدادوا قدرة أكثر بكثير مما كان عليه الحال في التسعينات».
- ماذا تغيّر في العلاقات الصينية - التايوانية؟
يعيش سكان تايوان البالغ عددهم 23 مليون نسمة منذ زمن طويل تحت تهديد اجتياح صيني. لكن هذا التهديد تعاظم في عهد شي جينبينغ، أقوى الزعماء الصينيين في خلال جيل من الزمن.
وباتت الصين تقاطع الفواكه والأسماك من تايوان، بهدف إضعاف اقتصاد الجزيرة. وبحسب محللين، يرمي هذا الإجراء إلى تقليص الدعم الذي تحظى به الحكومة التايوانية المؤيدة للاستقلال في أوساط الناخبين.
وفرضت بكين عقوبات على شركات كانت تدعم وكالة المساعدة التنموية للحكومة التايوانية بهدف تقويض ما يعرف بـ «ديبلوماسية دفتر الشيكات» التي تنتهجها تايوان إزاء حلفائها.
لكن بحسب خبراء، تبقي الصين أعمالها العسكرية وعقوباتها الاقتصادية دون مستوى حرب بغية تفادي مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
وقالت بوني غليزر، مديرة البرنامج الآسيوي في المجموعة البحثية الأميركية «جرمن مارشال فاند»، إن «من المستبعد أن تكون التوتّرات طويلة الأمد. لكن المؤكّد هو أنه من شأن أزمة كبيرة أن تؤثر على النقل البحري وأقساط التأمين والممرات التجارية وسلاسل الإمداد» العالمية.
- مناورات منتظمة في تايوان؟
قد تصبح هذه التمارين العسكرية من المناورات المنتظمة في محيط تايوان، بحسب كوه.
وقال «ستصبح المناورات المنفّذة في جوار جزيرة تايوان الرئيسية عملة سائدة».
وأضاف المحلّل أن «قيام جيش التحرير الشعبي بهكذا مناورات يشكّل سابقة»، متوقعا «رفع السقف عاليا في المستقبل، على صعيد النطاق والقوّة».
وفي فترات التوتّر، ترسل الصين سفنا أو طائرات حربية إلى الجهة المقابلة من الخط الأوسط في مضيق تايوان، الذي يفصل بين الجزيرة وبرّ الصين الرئيسي.
غير أن زيارة بيلوسي شكّلت بالنسبة إلى بكين «حجّة أو مبرّرا لتقول إنه سيكون في مقدورها في المستقبل إجراء تمرينات شرق الخطّ الأوسط من دون أن تضطر إلى تسويغ فعلتها»، بحسب كوه.
- هل ستخرج واشنطن وبكين من هذه الدوّامة؟
علّقت الصين تعاونها مع الولايات المتحدة في مجالات أساسية، من بينها التغيّر المناخي والدفاع، في قرار وصفته واشنطن بـ «غير المسؤول».
وأعلنت بكين عن عقوبات تطال بيلوسي، التي تتبوأ ثالث أعلى منصب في الدولة الأميركية.
وقالت غليزر، خلال حلقة نقاشية من تنظيم مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «هي مرحلة هوت فيها العلاقات بين الولايات المتحدة والصين إلى مستويات متدنية جدا».
وصرّحت «آمل أن تجد الحكومتان سبيلا للمضي قدما... بغية التطرّق إلى الخطوط الحمراء والشواغل وكسر هذه الدوّامة المدمّرة في المنطقة».