أجواء تفاؤل واكبت محادثات هوكشتاين و«سرّ» التقدم... غامض
مفاوضات بـ «أوراق أميركية جوالة» بين بيروت وتل أبيب
- إسرائيل أقرّت بالخط 23 + وفق الطرح اللبناني وتريده «ناقصاً» مساحة تعويضية شماله والعيون على البلوك 8
- عون يصوّب على بري وميقاتي باحتفال الجيش ويأمل «ألا يكون مصير الانتخابات الرئاسية مماثلاً لمصير تشكيل الحكومة»
- للمرة الأولى في تخريج الضباط لمصلحة الجيش اللبناني يتساوى عدد الذكور مع الإناث
من بحر النزاع الروسي - الأوكراني إلى بحر الصراع اللبناني - الاسرائيلي، عنوانان تقاسما المشهد في بيروت التي تتطلّع إلى «الممر الآمن» لتصدير الحبوب من أوكرانيا كأحد «سترات النجاة» من أزمة الخبز المتعددة البُعد والتي فاقمتْها الحرب في قلب أوروبا، وإلى اتفاق الترسيم البحري مع تل أبيب كـ «قارب الإنقاذ» من مصير «التايتنيك» الذي يكمن لـ «بلاد الأرز» التي تعاني انهياراً مالياً مريعاً وتصارع... الارتطام المميت.
واكتسب أن يكون لبنان، وتحديداً مرفأ طرابلس، وجهة أول باخرة أوكرانية (منذ فبراير الماضي) انطلقت أمس من مرفأ أوديسا محمّلة بـ 26 ألف طن من الحبوب تنفيذاً لتفاهمات برعاية أممية وضمانة تركية، رمزيةً بدا أن الواقع اللبناني يحتاج إليها كإشارةِ أملٍ في ضوء الاختناقات المعيشية والانسدادات السياسية، فيما كان ملف الترسيم البحري مع إسرائيل يشهد إيجابياتٍ تُمْليها عوامل عدة، من توحُّد موقف بيروت الرسمي حول حدود التراجعات الممكنة، مروراً بحاجة تل أبيب إلى اتفاق نهائي يقطع الطريق على أي صِدام مع «حزب الله» لا تريده، وصولاً إلى تكريس الحزب معادلة حربية وضع معها، أقله، سفن الإنتاج والحفر في حقل كاريش في مرمى صواريخه (أرض - بحر) التي «استقبل» الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين بصور عنها.
واكتسبتْ محادثات هوكشتاين في بيروت أمس أهمية خاصة، بعدما بدا واضحاً أنها تضمّنت تسليم لبنان طرْحاً إسرائيلياً متقدّماً رداً على المقترح الذي كان قدّمه إلى تل أبيب عبر الوسيط الأميركي، واقتراحات - ملاحظات لبنانية مضادة انكبّ أعضاء من الوفد الأميركي على صوغها لنقْلها إلى الجانب الإسرائيلي، وسط حرص من المسؤولين اللبنانيين على إشاعة مناخات عن إيجابيات و«تقدُّم ملحوظ» والحديث عن «تضييق الفجوة» وعن «فترة زمنية قصيرة تفصل عن عودة هوكشتاين مع جواب إلى بيروت»، في موازاة تأكيد الوسيط الأميركي تفاؤله «بإحراز تقدم نحو اتفاق» متطلعاً للعودة إلى المنطقة للتوصل إلى «ترتيب نهائي».
وفي قراءة بين سطور الكلام عن تقدُّم، وتأكيد الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري «إن شاء الله خير» في ما خص ملف الترسيم ولإشارة الإبهام المرفوع إلى الأعلى من الرئيس نجيب ميقاتي بعد اللقاء الثلاثي الذي ضمّهم بعد احتفال عيد الجيش في قصر بعبدا مع هوكشتاين، أن الجانبَ الإسرائيلي لاقى التراجع الذي كان لبنان قام به عن الخط 29 (يجعل جزءاً من حقل كاريش متنازَعاً عليه) وانطلق منه ليقدّم عرْضاً وفق الخط 23 + جيْب جنوبه يمنحه كامل حقل قانا المفترض، وذلك عبر قبولها بالـ 23 وكامل قانا للبنان أي التراجع عن الخط 1 والسعي لتحصل على «زائد» وعائدٍ تعويضي ضمن المنطقة الأصلية المتنازَع عليها يُرجّح أنه حق انتفاع من قسم من البلوك 8 اللبناني.
وسيكون الطرح الإسرائيلي والردّ اللبناني عليه، محور الجولة الجديدة من المفاوضات التي سيُجريها هوكشتاين في محاولة لبلوغ نتيجة نهائية خلال أسابيع قليلة أي قبل حلول سبتمبر، الذي تتطلع إليه تل أبيب لبدء استخراج الغاز من كاريش وربْطه بأوروبا، ويحذّر «حزب الله» من أن حلوله قبل الوصول إلى اتفاق يضمن الحقوق ويفرج عن عمليات الحفر والتنقيب في البلوكات اللبنانية سيجعل احتمالات الحرب مفتوحة.
وتوقفت أوساط سياسية، عند أن ما كان طرحه مسؤولون لبنانيون عشية وصول هوكشتاين عن توجه للعودة إلى طاولة الناقورة تحت علم الأمم المتحدة لم يُترجم، وأن الوسيط الأميركي رَبَط ضمناً عودته ببلوغ اتفاق نهائي (يُوقَّع في الناقورة)، هو الذي كان قبل أشهر لم يُبْدِ حماسة لاستئناف محادثات الناقورة وفضّل المفاوضات المكوكية، وسط أجواء عن أن لبنان رفض أي تقاسُم أو تنازُل عن أي من حقوله وبلوكاته وأنه سيحاول الاستفادةَ مما يعتبره «عناصر قوة» يملكها لضمان شروطه تحت سقف الخط 23 زائد جيْب قانا جنوبه، اقتناعاً منه بأن الجانب الاسرائيلي يحتاج لاتفاق الترسيم وأنه سيمضي نحو مزيد من التراجعات.
وإذ ستكون الأيام المقبلة كفيلة تظهير الموقف الاسرائيلي، وإذا كان بالإمكان إبرام اتفاق من دون إعطاء تل أبيب مقابِلاً في الرقعة الواقعة بين الخطين 1 و23 مرجّحة في البلوك 8 الذي أثير أن اسرائيل تريد مد أنابيب عبره لإيصال الغاز إلى أوروبا (مروراً بقبرص)، أي على طريقة الخط 23 ناقص جزء منه، فإن قناة «الجزيرة نقلت عن مصدر رسمي لبناني أن»الوسيط الأميركي أبلغ بيروت بعرض إسرائيلي لترسيم الحدود البحرية بمسار يعتمد الخط 23».
وأشار المصدر الى أن«المقترح ينطلق من إحداثيات الخط 23 وينحرف شمالاً وصولاً إلى خط الوسط بين لبنان وقبرص»، موضحاً أن«المقترح الإسرائيلي يمنح لبنان كل حقل قانا مقابل حصول تل أبيب على مساحة شمال الخط 23 (أي داخله)».
وإذ ذكر المصدر، أن «بيروت أبلغت هوكشتاين تمسكها بترسيم الحدود وفق الخط 23 وكامل حقل قانا»، أكد نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب (المكلف من عون متابعة ملف الترسيم) عقب مشاركته في الاجتماع الرئاسي مع الوسيط الأميركي (حضره أيضاً المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم) أن «لبنان ينتظر الردّ على الاقتراح اللبناني في شأن ترسيم الحدود البحرية خلال فترة قصيرة»، وأضاف: «لم يطلب منا أحدٌ مدّ أنابيب في البلوك رقم 8، كما أنه لم يطلب أحد منا قضم البلوكات»، وأضاف: «لبنان طالب ببلوكاته كاملة وهوكشتاين لم يعرض علينا أبداً أي تقاسمٍ للثروة أو البلوكات أو الأرباح مع العدو الإسرائيلي».
وختم: «الفجوة ضاقت والفترة الزمنية التي تفصلنا عن عودة هوكشتاين مع جواب إلى بيروت ستكون قصيرة. والجميع كان مرتاحاً، وننتظر تحقيق ما تمت مناقشته خلال الاجتماع وإن شاء الله نرى نتيجة خلال الأسابيع القليلة المقبلة في هذا المجال».
كما نُقل (محطة إم تي في) عن مصادر مطلعة على أجواء اللقاء «ان عون وبري وميقاتي استمعوا إلى طرح هوكشتاين وكان موقفهم واحداً في شأن الخط 23 وحقل قانا كاملا والتمسّك بحقوق لبنان النفطية، وأبلغوه إلى الوسيط الأميركي الذي لم يتحدث عن أي استخراج مشترك ولا مشاركة ثروات».
أما هوكشتاين فقال للصحافيين من القصر الجمهوري: «أنا ممتن للرئيس عون على دعوته إلى هذا الاجتماع في حضور الرؤساء الثلاثة، وتشرفت بذلك لمناقشة هذه المسألة المهمة جداً مع ممثلي الحكومة اللبنانية، وأبقى متفائلاً بأن في إمكاننا مواصلة التقدم الذي حصل في هذا الملف خلال الأسابيع الماضية، وأتطلع للعودة إلى المنطقة لإنجاز الترتيب النهائي».
وكان عُقد قبل وصول هوكشتاين إلى قصر بعبدا اجتماع ضم رؤساء الجمهورية والبرلمان وحكومة تصريف الأعمال خُصص للبحث في الأوضاع العامة وفي موقف لبنان الواحد من ملف الترسيم الذي تجاوز معه المسؤولون خلافاتهم التي عمّقت أزمة تأليف الحكومة الجديدة التي تَسَبّبت بقطيعة بين عون وميقاتي مستمرة منذ أسابيع و«قُطعتْ» اضطرارياً أمس. علماً أن الوسيط الأميركي كان ضيفاً على مائدة عشاء (الأحد) أقامها ميقاتي وحضرها بوصعب والمدير العام للأمن العام، وذلك قبل أن يدعو عون كلاً من بري وميقاتي ليلاً إلى اللقاء التشاوري بعد احتفال عيد الجيش، وذلك على وقع تكرار الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله «درسنا الخيارات ووضعنا نفسنا إما في (صورة) حل الأمور بإيجابية لصالح لبنان وإما الذهاب إلى حرب، واتخذنا هذا القرار (...) هناك فرصة تاريخية والأمر يحتاج إلى مخاطرة محسوبة، فلنذهب إلى المخاطرة»... وتوجه إلى كل من يسأل الحزب عمّن كلفه الدفاع عن لبنان: «حلّ عنّي، أنا ألله مكلّفني».
... عيد الجيش
وكان احتفال عيد الجيش اللبناني الذي تخلّله تقليد السيوف للضباط المتخرجين الـ123 في دورة حملت اسم «مئوية الكلية الحربية»، شهد مفارقات في الشكل والمضمون: من تسجيل سابقةٍ تساوى معها للمرة الأولى عدد الضباط الذكور مع الإناث المتخرجين (46 ضابط أنثى) لمصلحة الجيش اللبناني، لتكون طليعة الدورة ضابط أنثي (الملازم انجي خوري)، إلى «الرسائل» التي صوّبها عون على كل من بري وميقاتي اللذين كانا حاضريْن إلى جانبه، في مشهدية طغى عليها الطابع البروتوكولي الذي لم يحجب الأجواء البالغة السلبية التي تسود خصوصاً علاقة رئيس الجمهورية برئيس حكومة تصريف الأعمال المكلف أيضاً تشكيل الحكومة الجديدة والتي يسودها انقطاع عن اللقاءات وسط ارتفاع متاريس يتداخل فيها السياسي مع الاعتبارات ذات الصلة بالانتخابات الرئاسية التي لم يعد يفصل لبنان عن بدء المهلة الدستورية لإجرائها إلا 29 يوماً.
وقد تطرق عون في كلمته إلى ملف الترسيم مشدداً «بالتوازي مع حرص لبنان على المحافظة على الهدوء والاستقرار على حدوده الجنوبية»، على «حرصنا على حقوقنا في مياهنا الإقليمية وثرواتنا الطبيعية، وهي حقوق لا يمكن التساهل فيها تحت أي اعتبار»، مشيراً إلى «أن المفاوضات غير المباشرة الجارية لترسيم الحدود الجنوبية البحرية، هدفها الأول والأخير الحفاظ على حقوق لبنان، والوصول من خلال التعاون مع الوسيط الأميركي، إلى خواتيم تصون حقوقنا وثرواتنا، وتحقق فور انتهاء المفاوضات فرصة لإعادة انتعاش الوضع الاقتصادي في البلاد.»
وقال «إنني من موقعي، وانعكاساً لتحملي لمسؤولياتي الدستورية، أجدد التأكيد على أنني، وكما التزمتُ إجراء الانتخابات النيابية، فسأعمل بكل ما أتيت من قوة، من أجل توفير الظروف المؤاتية لانتخاب رئيس جديد يواصل مسيرة الإصلاح الشاقة التي بدأناها»، مؤكداً من جهة ثانية أن «هذا الإنجاز الوطني لا يتحقق إلا إذا تحمَّل مجلس النواب الجديد، رئيساً وأعضاء، مسؤولياته في اختيار مَن يجد فيه اللبنانيون الشخصية والمواصفات الملائمة لتحمل هذه المسؤولية»، آملاً «ألا يكون مصير الانتخابات الرئاسية مماثلاً لمصير تشكيل الحكومة الجديدة، التي لم تتوافر لها حتى الساعة المقومات والمعايير الضرورية، لتكون حكومة فاعلة وقادرة على القيام بمسؤولياتها حاضراً ومستقبلاً».
وشدد في هذا السياق «على أن عدم تشكيل الحكومة، يعرض البلاد إلى مزيد من الخضات، ويعمق الصعوبات الاقتصادية والمالية. ومسؤولية المعنيين أساسية في منع تعريض البلاد إلى مزيد من التدهور والترهل».
وأكد عون الذي تنتهي ولايته الرئاسية في 31 أكتوبر المقبل أنها «هذه المرّة الأخيرة التي أسلم فيها السيوف إلى المتخرجين من هذه الكلية».