No Script

بعدما اجتاز برلمانه «قطوع» السرية المصرفية

دربٌ شائك لاستكمال الإصلاحات المالية في لبنان

مجلس النواب اللبناني
مجلس النواب اللبناني
تصغير
تكبير

اجتاز لبنان أول السدود الحصينة في مسار الإصلاح المالي المنشود، عبر إقرار مجلس النواب مجموعة تعديلات تشريعية حيوية تُفْضي عملياً إلى نَزْعٍ «مقونن» لصفة السرية عن الحسابات المصرفية، منهياً بذلك، وتحت وطأة الضغوط المستمرة من المجتمع المالي الدولي، رحلة الاستفادة من قانون خاص على مدى 66 عاماً منح البلد وبنوكه ميزةً تنافسية لاستقطاب رساميل وتوظيفات محلية واقليمية تتجنّب الانكشاف لأسباب متنوعة تتصل غالبيتها بتغير أنظمة الحُكْم في بلدان المصدر.

وليس من قبيل الصدفة أن تُعايِنَ السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا شخصياً، وبالمثل السفيرة الفرنسية آن غريو، ومن خلال المشاركة الديبلوماسية في جلسة الهيئة العامة لمجلس النواب الثلثاء، هذا التطور الاستثنائي الذي يستجيب أساساً لمطلب تلحّ عليه وزارة الخزانة الأميركية ضمن استهدافها منْع استخدام القنوات المصرفية اللبنانية لأي عمليات تَمَرْكُزٍ أو تحويلات مالية مشبوهة، فيما تضعه فرنسا في صدارة الاصلاحات الهيكلية التي يتوجب تنفيذها لتيسير تقدم الملف اللبناني لدى صندوق النقد الدولي والتدفق اللاحق لقروض ومساعدات الدول والمؤسسات وفق تعهدات مؤتمر «سيدر».

وبدا واضحاً، بحسب مصادر معنية، أن تمسك لبنان بنظام «السرية المصرفية» لم يعد ممكناً ولا مُجْدِياً، بعدما تحولت فوائده السابقة مصدراً للتشكيك والاشتباه مع تَزايُد الانغماس في منظومة الاقتصاد النقدي وسيطرة الدولار «الكاش» (بنكنوت) على التعاملات المالية عبر الحدود وعمليات التجارة والاستيراد والاستهلاك، وهو ما أفضى الى قصور صريح في صلابة الأنظمة والتدابير الوقائية التي اتخذها البنك المركزي سابقاً بهدف سد منافذ مرور العمليات المشبوهة عبر الجهاز المصرفي الذي كان يغطي كامل الاعتمادات والتحويلات من خلال الحسابات المحلية الخاضعة للرقابة والتحقق وحساباته الخارجية لدى البنوك المُراسِلة.

وفي الاستدلال الاضافي، تُبَيِّنُ المصادر ان «الخروج الآمن» من دوامة التضييق المالي الدولي، تَطَلَّبَ فعلياً إقرار تعديلات مفصلية على مجمل القوانين السارية ذات الصلة. ففي الحصيلة، وفق محضر جلسة الهيئة العامة لمجلس النواب، تم إقرار مشروع القانون المعجّل القاضي بتعديل بعض مواد القانون الصادر بتاريخ 3/9/1956 المتعلق بالسرية المصرفية، والمادة 105 من القانون رقــــــــم 328 الخاص بأصول المحاكمات الجزائية، والمادة 150 من قانون النقد والتسليف، والمادة 15من القانون رقم 28 الخاص بتعديل وإكمال التشريع المتعلق بالمصارف وإنشاء مؤسسة مختلطة لضمان الودائع، إضافة إلى بعض مواد قانون الإجراءات الضريبية.

لكن ينبغي التنبّه إلى أن مهمة تصويب الانحرافات الحادة التي أفضت إليها الانهيارات النقدية والمالية والمتوالية فصولاً وحفراً في القعر، لا تزال، وفق المصادر، شاقة ومحفوفة بخطر نفاد الوقت المرتبط تحديده بزمن بلوغ احتياطات العملات الصعبة لدى البنك المركزي حدود الجفاف أو عدم القدرة على الصرف الاضافي. علماً أنها تدنت حالياً دون 10 مليارات دولار، بعدما ناهزت 32 ملياراً في بداية تَدَحْرُج الأزمات قبل 3 أعوام، فضلاً عن خطر نفاد صبر الدول والمؤسسات الواعدة بالمساندة.

ومن شأن التمادي بالتأخير تبديد مفاعيل التقدم الاصلاحي المحقق، والذي يمثله إنجاز العبور من دائرة إمكان الاستغلال القانوني لحصول عمليات قد تحتوي «شبهات» الجرائم المالية، وإظهار بداياتِ استجابةٍ «طوعية» من السلطات التنفيذية والتشريعية للمتطلبات الاصلاحية الهيكلية التي يُدْرِجُها المجتمع الدولي كموجباتٍ وشروط لمعاونة البلد «المنكوب» واعادة تموضع اقتصاده على مسار التعافي والنهوض.

وتشمل قائمة المهامت العاجلة على المسار الذي يوصل الى إبرام الاتفاق النهائي مع الادارة المركزية لصندوق النقد الدولي المتضمن للبرنامج التمويلي بقيمة 3 مليارات دولار على 4 سنوات، والمعوّل عليه لبدء تدفق تعهدات مؤتمر «سيدر» البالغة نحو 12 مليار دولار، موافقة البرلمان على موازنة 2022، والمشروطة بإعادة هيكلة بياناتها وفق سعر صرف موحد ما يفضي عملياً إلى الشروع باستعادة المساءلة المالية.

كذلك ينبغي الانتهاء من التدقيق المتعلق بوضع الأصول الأجنبية لدى مصرف لبنان، للبدء في تحسين شفافية هذه المؤسسة الرئيسية. وايضاً موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية متوسطة الأجل لإعادة هيكلة المالية العامة والدين، وهو أمر ضروري لإعادة الديون إلى مستوى يمكن الاستمرار في تحمّله، وإرساء صدقية السياسات الاقتصادية، وإيجاد حيز مالي للإنفاق الإضافي على البنود الاجتماعية وإعادة الإعمار.

كذلك يتوجب موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية إعادة هيكلة البنوك التي تقرّ مقدماً بالخسائر الكبيرة التي تكبدها القطاع وتعالجها، مع حماية صغار المودعين والحد من الاستعانة بالموارد العامة. كذلك موافقة البرلمان على تشريع طارئ ملائم لتسوية الأوضاع المصرفية على النحو اللازم لتنفيذِ استراتيجيةِ إعادة هيكلة البنوك والبدء في استعادة صحة القطاع المالي، وهو ما يُعدّ عاملاً جوهرياً لدعم النمو. فضلاً عن الشروع في تقييم أكبر 14 مصرفاً، كل على حدة، بمساعدةٍ خارجية من خلال التوقيع على نطاق التكليف مع شركة دولية مرموقة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي