«معارك الرغيف» في الشارع نافست «مواجهات الفوقية» في المجلس
«صراصير» وعبارات جنسية في البرلمان اللبناني
- إقرار البرلمان التعديلات على قانون السرية المصرفية «إبرة مهدئ» للخارج وضغطه لإنجاز رزمة الإصلاحات؟
من «اضطرابات الخبز» التي عمّت مناطقَ لبنانية عدة وسط إعلان الأفران «فقدانَ السيطرة» على القطاع الذي بات في عين الانهيار المالي، إلى الفوضى المتمادية التي تعصف ببرلمان 2022 الذي جاء «أول دخوله» التشريعي حافلاً بـ«تَضارُب كلامي» وشتائم من «عيار الصراصير»، عنوانان صاخبان طغيا على المشهد في بيروت وحجبا ملفين صارا بمثابة القاطرة السياسية للواقع اللبناني وهما الانتخابات الرئاسية والترسيم البحري مع اسرائيل اللذين باتت معهما «بلاد الأرز» أمام سبتمبر مفصلي، فإما يحملان انفراجاً متلازماً فيهما وإما يكون الانزلاق نحو... الخريف المخيف.
وتَنافَس على المسرح الداخلي أمس صراخُ اللبنانيين الذين اصطفت «حشودهم» منذ ساعات الفجر الأولى أمام الأفران في مختلف المناطق، ولا سيما طرابلس وصور وصولاً إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، مع الأصوات التي تعالت من الجلسة التي دشّن معها برلمان 2022 عملَه التشريعي بأداءٍ طبعتْه سجالاتٌ وهرْجٌ ومرْجٌ وإساءاتٌ عَكَسَتْ منحى من الارتباك في إدارة جلسات مجلس النواب ومنسوباً عالياً من التوتّر والعدائية وخصوصاً تجاه النواب التغييريين.
وفيما كانت أزمة الخبز تشهد سباقاً بين «معارك رغيف» انخرط فيها مواطنون تضاربوا أو حطموا أفراناً وبين محاولات السلطات تفكيك هذا «الصاعق» المعيشي بإجراءات لضبط عملية توزيع الطحين المدعوم وسوء استخدامه في منتجات غير الخبز العربي ووقف التهريب إلى سورية، فإن المجريات الصاخبة للجلسة التشريعية أزاحت الأنظار عن جدول الأعمال والقوانين التي أقرّت وأبرزها التعديلات على قانون السرية المصرفية الذي كان «يتيماً» بين المشاريع الإصلاحية التي أُدرجت في الجلسة ويترقّبها المجتمع الدولي باعتبارها من الإجراءات المسبقة لتوقيع اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، بحيث بدا لبنان وكأنه يمنح الخارج «إبرة مهدئ» لإلحاحه التصاعُدي على إنجاز دفتر الشروط الإصلاحي كاملاً قبل الاستحقاق الرئاسي إذا أراد البقاء على «رادار» رزمة المساعدات التمويلية التي تشهد تَزاحُماً عليها بين الدول الأكثر تأثراً بالحرب على أوكرانيا.
ورغم إقرار مجلس النواب أمس اتفاقية قرض البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار لتأمين القمح، فإن الأنظار ستبقى شاخصة على كيفية إدارة هذه الأموال التي تكفي لتوفير هذه السلعة الاستراتيجية مدعومةً لنحو 9 أشهر، ولا سيما في ظل إقحام النازحين السوريين في هذا الملف من باب اتهامهم بمزاحمة اللبنانيين «على اللقمة» وتزخيم السوق السوداء، ناهيك عن الأسئلة حول كيفية إدارة عملية توزيع الطحين والحصص على الأفران وضبط استخداماتها.
وإذ عَكَس الكشفُ عن أن توزيع الطحين الموجود حالياً سيتم في الساعات المقبلة بإشراف جهاز أمن الدولة استشعارَ السلطات بمخاطر ترْك هذه القضية تستفحل باعتبار أنها قد تشكّل «فتيل تفجير» اجتماعياً من شأنه نقل الوضع اللبناني برمّته إلى ضفة الفوضى الشاملة على تخوم استحقاقات دستورية محورية، فإن التطمينات الرسمية بأنه «خلال 48 ساعة سيكون لدينا ما يزيد على الـ30 ألف طن من القمح، وستأتي شحنة 20 ألف طن إضافية خلال عطلة نهاية الأسبوع» لم تكن كافية لتبديد المخاوف من تمدُّد الأزمة المفتوحة أصلاً على جولاتٍ أكثر سخونة، ما لم تكن البلاد «رست على شاطئ أمان» سياسي – مالي في الأشهر المقبلة.
فعلى وقع تأكيد وزير الاقتصاد أمين سلام أنه «فور إقرار قرض البنك الدولي سيُمدّد الدعم 9 أشهر إضافية، وبعدها يتحول الدعم من كونه على السلع إلى دعم من خلال بطاقات تمويلية»، مشدداً على أن «آلية تنفيذ القرض ستبدأ في الأسابيع المقبلة»، ولافتاً إلى أنه «منذ بدء تنفيذ القرض، ستصبح هناك راحة في القطاع وتأمين مباشر للأموال له، وتأمين شبكة أمان اجتماعية»، كان أمين سرّ نقابة المخابز العربية في بيروت وجبل لبنان ناصر سرور يعلن أنّ عمليّة توزيع الطحين حالياً «أشبه بالتشكيلات العسكرية، والقرار لا يَحترم مواقع الأفران الجغرافية القريبة»، مؤكداً «أنّ الافران فقدت السيطرة على القطاع والتظاهرات والطوابير التي حذرنا منها بدأت».
الجلسة التشريعية... تشتعل
وفي موازاة ذلك، كانت الجلسة التشريعية في مقر البرلمان تنعقد على وقع اعتصاماتٍ لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت في محاولة للضغط لإقرار اقتراحيْ قانون معجّلين مكررين لحماية الإهراءات ومنْع هدمها و«محو مسرح الجريمة» وطمْس معالمها، وأيضاً على وقع أول إشارةٍ قوية إلى أن «تشريعَ الضرورة» سيحكم مرحلةً مرجَّحةً لتطول حتى الانتخابات الرئاسية (تبدأ مهلتها الدستورية في 31 أغسطس وحتى 31 أكتوبر) وتديرها حكومة تصريف الأعمال برئاسة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة نجيب ميقاتي.
وإذ كانت الجلسة التي غابت عنها غالبية مشاريع القوانين المطلوبة من صندوق النقد الدولي، من مشروع الموازنة العامة والكابيتال كونترول وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وخطة التعافي المالية، بدت قبيل انطلاقها محكومة بـ «منطقة أمان» شكّلها تغييب «الأوراق الواردة» أي مداخلات النواب ما قطع الطريق على «ملاكمات كلامية» كانت ستندلع على تخوم عناوين ساخنة مطروحة تبدأ من تأليف الحكومة وتعقيداته ولا تنتهي بقضية المطران موسى الحاج التي لم تهدأ تفاعلاتها السياسية الكبرى، جاءت «الهبة الساخنة» من جبهة أخرى اشتعلت بعد انتخاب النواب السبعة أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء والردفاء الثلاثة منهم بالتزكية.
فعلى مرأى ومسمع عدد من السفراء بينهم السفيرة الأميركية دورثي شيا الذين حضروا الجلسة، «اشتعلت» بين النواب التغيريين ورئيس البرلمان نبيه بري وعدد من نواب كتلته، بعدما طلبت النائبة حليمة القعقور الحديث أثناء التصويت بالمناداة، الأمر الذي رفضه بري، وقال: «أعطيتكِ ملاحظة: لا كلام بالنظام أثناء التصويت وبالآخِر بقيمك (أُخرجك) من المجلس، اقعدي واسكتي».
وإذ ردّت القعقور بشكل علني: «أنا بعترض.. هيدي طريقة بطريركية (ذكورية فوقية)»، وهو ما استفز بداية النائب فريد الخازن الذي اعترض على العبارة بالقول «أرفض استخدام عبارة بطريركية، ولا تُقْحموا البطريرك (الماروني)»، طالباً من بري شطب عبارة بطريركية من المحضر فتم ذلك، استكملت القعقور كلامها بالقول: «شو هالطريقة وأنا برفض هيدا الأسلوب».
وبعدما أوضحت النائبة بولا يعقوبيان أن المقصود بعبارة بطريركية هو «الفوقية»، تدخلت النائبة سينتيا زرازير محاولة الحديث، فوقع اشكالٌ بين الأخيرة والنائب علي خريس ليتطور ويصبح بين زرازير والنائب قبلان قبلان الذي قال: «صراصير وزرازير».
عندها، ردت زرازير بالقول: «يا عيب الشوم»، كما قالت النائبة يعقوبيان لبري: «نائب من كتلتك يصف نائبة بالصراصير».
ولتكتمل «الفضيحة» كشفت زرازير بعد رفْع الجلسة التشريعية الى المساء أنّها تعرّضت لمضايقات أثناء دخولها إلى مجلس النواب في مناسبات عدة، حيث كانت تُسأل عن أوراقها، ويعتبر البعض أنّها ليست نائبة.
وقالت إنّه عند وصولها لتسلُّم مكتبها في مجلس النواب، استلمت أغراضاً، وصفتها بالـ«مقرفة»، و«بلا أخلاق» تعود لنائب سابق كان يستخدم المكتب قبلها، مضيفة إنّها تخجل خلال التصويت في البرلمان بسبب «التلطيش» من بعض النواب، لأنّها فقط امرأة.
وتابعت إنه «اليوم (امس) قال نواب حركة (أمل) لها عند وصولها للمجلس: وصلت زرزور صراصير».
ولم تمر الجلسة كذلك، دون سجال حول عدم السماح للنواب بالحديث ضمن الأوراق الواردة وهو ما اعتبره رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل مخالفة هدفها عدم إبداء الرأي.
وبعد فوز أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بالتزكية (إجراء دستوري موجب بعد بدء ولاية كل برلمان جديد)، اعتبر الجميل «ان المجلس الأعلى عقيم ومقبرة للمحاسبة، ولا حاجة له»، مطالباً بإحالة القضايا إلى القضاء العادي، فردّ برّي: «يمكنك تغيير الدستور»، قبل أن يضيف رئيس البرلمان تعليقاً على مداخلات نواب آخرين بينهم اشرف ريفي «واضح أن هناك من لا يريد لهذه الجلسة أن تعقد».
نصر الله يرسم حدود اللعبة بمعادلة «الحقوق والحقول»
- هوكشتاين في بيروت نهاية الأسبوع ومعه الجواب الإسرائيلي على العرض اللبناني
فيما كانت الوقائع «السوريالية» للجلسة التشريعية تتحوّل مادة دسمة على مواقع التواصل الاجتماعي للتصويب الحاد على الطبقة السياسية وأدائها، على وقع قرع نقابة مستوردي المواد الغذائية برئاسة هاني بحصلي ناقوس الخطر «جرّاء الخلل الكبير الحاصل في عملية إخراج البضائع من مرفأ بيروت بفعل إضراب موظفي القطاع العام وتكدّس حاويات الغذاء في باحاته والتي تجاوز عددها الألف حاوية»، محذراً من إصابة سلاسل إمدادات الغذاء إلى لبنان بالضرر الشديد، قفز ملف الترسيم البحري مع اسرائيل إلى الواجهة من بوابتين:
* الأولى تأكيد رئيس الجمهورية ميشال عون أن الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين سيعود إلى بيروت نهاية الاسبوع الجاري، للبحث في آخر التطورات المتصلة بالمفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، بالتوازي مع إعلان نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب (المكلف هذا الملف من عون) وجود تقدّم في مفاوضات الترسيم وأن «لبنان يفاوض من موقع القوي، ولا يمكن القول إن الأمور في خواتيمها، ولننتظر ما سيقدمه الوسيط الأميركي».
* والثاني ترسيم الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله مجدداً الإطار «الحربي» للتعاطي مع هذا الملف، على قاعدة «ان كل حقول النفط والغاز في البحر الفلسطيني المحتل تقع ضمن معادلة
(ما بعد بعد كاريش)»، جازماً بأنه «لا يوجد هدف إسرائيلي في البحر أو البر لا تطوله صواريخ المقاومة الدقيقة».
وقال «المطلوب الالتزام بالحدود التي تطلبها الدولة اللبنانية ورفع الفيتو عن عمل الشركات في التنقيب واستخراج النفط والغاز في لبنان».
وشدّد على أن «المهلة غير مفتوحة وإنما حتى سبتمبر المقبل. وإذا بدأ استخراج النفط والغاز من كاريش قبل أن يأخذ لبنان حقه، فتضيع علينا الفرصة الذهبية، ونحن ذاهبون إلى مشكلة. وضعنا هدفاً وسنلجأ من دون أي تردد إلى كل ما يحقق هذا الهدف».
وأشار إلى «أن الدولة اللبنانية قدمت تنازلاً كبيراً عندما تحدثت عن الخط الـ23+. والكرة الآن ليست في ملعب لبنان لأنه هو الممنوع من استخراج النفط والغاز».
واستوقف أوساطاً مطلعة كلام نصر الله، باعتبار أنه يكرّس أن سبتمبر المقبل سيكون حاسماً لجهة تبيان«الخيط الأبيض من الأسود» باتجاهات الريح في الواقع اللبناني، وسط ارتسام ترابُط خفي بين الترسيم والانتخابات الرئاسية، على قاعدة أنه إذا نجحت المفاوضات في انتزاع اتفاقٍ فلن يكون قابلاً للحياة ما لم «يضمن حمايته» حزب الله، فإن ذلك سيعني أن ما «سيقدّمه» الحزب في هذا الملف وتالياً فك الاشتباك بينه وبين قضايا المنطقة وحتى الحرب في أوكرانيا وما أفرزته من «حرب بقاء» غازيّة لأوروبا، سيكون له «مقابِل» في الاستحقاق الرئاسي.
وفي رأي هذه الأوساط أن بلوغ اتفاق ترسيم يحتاجه الغرب الاوروبي خصوصاً ويفتح الباب أمام «استثمار» الثروات الكامنة والاستفادة من قروض مالية عليها، يمكن أن يشكّل عامل دفْعٍ لـ«حزب الله» داخلياً لـ «التفلّت» من موجبات مراعاةِ حاجة لبنان إلى رئيس تسوية بتقاطعات إقليمية – دولية وبما يمدّ الجسور لدعم مالي خارجي مشروط، وبالتالي يعزّز احتمالات الذهاب نحو رئيس من حلفائه الخلّص ولو جرى تسويقه على أنه مدعوم من الحزب وليس مرشحه، ومن دون أن يكون ثمة فيتو صريحاً عليه من الخارج، مثل سليمان فرنجية.
وترى الأوساط نفسها أن الأسابيع المقبلة ستكون كفيلة بتحديدٍ أوضح للمسار الرئاسي في ضوء الجواب الذي سيحمله هوكشتاين على العرض اللبناني الأخير حول منطقة النزاع البحري الواقعة بين الخط 1 (الاسرائيلي) و23 اللبناني الذي وسّعته بيروت عبر جيْب جنوبه لضمان كامل حقل قانا، وهل ستتم مقايضة الرقعة الزائدة بما يماثلها ضمن البلوك 8 اللبناني تعويضاً للجانب الاسرائيلي (وبما لا يمنح لبنان أكثر من المساحة الأصلية المتنازع عليها أي 860 كيلومتراً مربعاً)، في ظل اقتناع بأن الاقليم يقف على أرض متحركة وينام على شيء ليستفيق على آخر ما يجعل واقع المنطقة مفتوحاً على مختلف الاحتمالات و... المفاجآت.