لم أر شيئا قد تم امتهانه والقفز عليه مثلما رأيت في قضية الفتوى الشرعية المتعلقة بقانون اسقاط فوائد القروض، فالتضارب في تكييف الفتوى لبيان الشيء ونقيضه في الوقت نفسه قد كانت السمة الواضحة للمناقشات حول القانون إلى درجة التسبب بالنفور لدى كثير من الناس عند مناقشة الفتاوى الشرعية المختصة بالقروض.
وقد حدث ذلك سابقا وبالطريقة نفسها عند مناقشة حق المرأة السياسي، وتخندق كل فريق حول رأيه، وجاءوا بفتاوى من آخر العالم لتأييد ما ارادوه، كما حدث الشيء نفسه حول قانون الاختلاط وغيره الكثير.
• المحرّمون لقانون اسقاط فوائد الديون من الفقهاء المعاصرين استدلوا بأن الزيادة الناشئة على رأس المال هي ربا محرم والواجب هو اسقاطه لا بتعويض المرابي وتشجيعه على الاستمرار في تقاضي الفوائد على ما يقرضه للناس، او بتعويض الفائدة بتعاملات مالية.
اما المؤيدون للقانون فقد استدلوا بأن ما يقومون به انما هو مبادلة فوائد بفوائد، لا دخل له بتعويض البنوك التقليدية، فالدولة تتقاضى فوائد من البنوك التقليدية مقابل ايداعاتها فيها، فما الذي يمنع من تسديد فوائد ديون المقترضين مقابل تلك الفوائد؟!
وينسى هؤلاء المبيحون بأن الزام الدولة بالتعامل مع البنوك التقليدية امر لا يجوز اقراره بقانون حتى ولو كان امرا واقعا، كما ان تجميد اموال الدولة فترة سداد الديون التي قد تصل إلى 15 عاما وتعطيل الاستفادة منها لضمان تعويض المواطنين المقترضين هي مغامرة اخرى.
• المحرمون للقانون استدلوا بقضية مهمة في الشرع الاسلامي ألا وهي وجوب تحقيق العدالة بين المواطنين، فلا يجوز معاقبة من لم يقترض بعدم تعويضه بشيء، بينما من اقترض وغامر تتم مكافأته، كما ان القروض تتفاوت والبعض يحصل على مكافأة اكبر من الآخر، وكثير منهم قادر على السداد من دون مساعدة الدولة.
اما المؤيدون للقانون فيرون بأن القوانين المالية جميعها لا تحقق العدالة الكاملة، حتى بتعويض البنوك والشركات، وان العدالة نسبية، ثم يعرج هؤلاء على الدخول في تعويضات قدمتها الدولة لأناس دون غيرهم وهي بالمليارات من الدنانير، فلماذا لم يحتج المحرمون للقانون على تلك المعاملات سابقا، وهذا ندخل في سؤال: البيضة قبل ام الدجاجة؟!
• يعترض المحرمون للقانون بأن البنوك الاسلامية لا تدخل في الحسبة لأنها لا تتقاضى فوائد من المتاجرين بأموالها وعملائها بل ربح حلال وهو حق للمساهمين بل وقد يتحول إلى خسارة، ولا يجوز للدولة تعويض تلك البنوك عن اسقاط قيمة اصل المرابحة عن المساهمين.
• ينص القانون على ضرورة مواءمة البنك المركزي للاجراءات الكفيلة بتطبيق هذا القانون بما يتوافق واحكام الشريعة الاسلامية، وهو امر مستحيل على البنك المركزي تطبيقه والا خلط بين قانون البنوك التقليدية والبنوك الاسلامية، كما ان الهدف من تلك المواءمة هو اطفاء فوائد ربوية، وقد اوضح البنك المركزي عدم قدرته على القيام بذلك.
• اما الامر الغريب في القانون والذي تم وضعه لأجل ارضاء من يؤمن بحرمة القروض الربوية، فينص على «يحظر على البنوك وشركات الاستثمار الخاضعة لرقابة البنك المركزي منح القروض للمواطنين بفوائد، مع جواز تحويل احتياجات المواطنين وفقا لنظام المعاملات الاسلامية، وتمنح البنوك التقليدية حق استحداث ادوات وفق الشريعة الاسلامية لمنح هذه القروض».
وهذا النص يدل على حجم الخلط المتعمد الذي يمارسه مجلس الامة في هدم النظام الاقتصادي الاسلامي ومحاولة إلباس البنوك التقليدية عمامة الاسلام من اجل تسويغ ذلك القانون المسخ، فالبنوك التقليدية لا يسمح نظامها بأن تستثمر الاموال وفق احكام الشريعة وكما ان البنوك الاسلامية لا يسمح نظامها بتقديم القروض بنظام البنوك التقليدية، فكيف سيتم تطبيق ذلك القانون على ارض الواقع، وهل سيكون مثل شرط اللباس المحتشم لجميع الناخبات والنائبات الذي ادخله المجلس عنوة في قانون المرأة ليضمن تصويتا لنواب الاسلاميين على القانون ثم ينفخه بعد ذلك في الهواء لاستحالة تطبيقه؟!
د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com