بوادر الكارثة أظهرتها اضطرابات سريلانكا

العالم ليس مستعداً لعاصفة ديون الأسواق الناشئة

No Image
تصغير
تكبير

- ارتفاع سريع بأسعار الغذاء والوقود يُعرّض الملايين لخطر الفقر المدقع
- «G20» تشهد انقسامات في لحظة صعبة للاقتصاد العالمي

تهدّد عاصفة كاملة من القوى الاقتصادية بإغراق البلدان النامية بالتضخم، وارتفاع أسعار الفائدة، والديون التي لا يمكن تحمّلها.

وترى مؤسسة «ذي أتلانتيك كونسل» في مقال منشور على موقعها أن بوادر الكارثة ظهرت خلال الاضطرابات الأخيرة في سريلانكا، حيث أدى سوء الإدارة الحكومية إلى تعثر البلاد عن سداد ديون بقيمة 35 مليار دولار وسط نقص حاد في الغذاء والوقود، موضحة أنه بينما تنتظر سريلانكا قيام الصين واليابان والمقرضين التجاريين - الذين يمثلون معاً ثلثي ديون البلاد - بإعادة هيكلة قروضها، تخشى الأسواق من عجز بلدان أخرى منخفضة ومتوسطة الدخل من الوفاء بالتزاماتها.

تكلفة بشرية

وأضاف المقال أن التكلفة على المستوى البشري أصبحت واضحة للغاية، فالارتفاع السريع في أسعار الغذاء والوقود، إلى جانب أسعار السلع الأساسية الأخرى، عوامل تلقي بظلالها على أكثر الفئات ضعفاً في العالم، كما أبرزت العديد من وكالات الأمم المتحدة في الأسابيع الأخيرة، وفيما يتزايد الجوع ويتعرض الملايين لخطر الوقوع في براثن الفقر المدقع، لا يبدو أن المجتمع الدولي مستعد لفعل الكثير حيال ذلك.

وضربت «ذي أتلانتيك كونسل» مثالاً، بفشل وزراء مالية مجموعة العشرين (G20) خلال اجتماعهم الأسبوع الماضي في إندونيسيا، في إصدار بيان، حيث كانت الانقسامات داخل المجموعة حول غزو أوكرانيا في قلب الخلاف خلال الاجتماع الذي شارك فيه مسؤولون روس، مشيراً إلى أنه في لحظة صعبة للاقتصاد العالمي، غاب التعاون الدولي عن المفاوضات.

وذكر أنه للتغلب على حالات التخلف عن السداد في الأسواق الناشئة، من الضروري أن تركز الحكومات على وضع خارطة طريق لإعادة هيكلة الديون تنهي نمط تأخير المفاوضات من قبل اثنين من الدائنين الرئيسيين - الصين والمقرضين التجاريين - وتضمن وجود أموال كافية لمساعدة المدينين على تمويل الخدمات الأساسية قبل إبرام اتفاقيات إعادة الهيكلة.

حلول محدودة

وأوضح المقال أن سياسة الاقتصادات المتقدمة المتمثلة في محاربة الجائحة بسياسة نقدية فضفاضة وزيادة الإنفاق أخذت مسارها في مواجهة اضطرابات الإمدادات وتضخم السلع التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا، لافتاً إلى أنه نتيجة لذلك، تسبب تشديد البنوك المركزية سياساتها استجابة للتضخم في الولايات المتحدة وأوروبا في هجرة جماعية لرأس المال من البلدان النامية.

وبحسب معهد التمويل الدولي فإن صافي تدفقات رأس المال الخارجة من أسهم وسندات الأسواق الناشئة على مدى الأشهر الأربعة الماضية بلغ 20.7 مليار دولار - وهو رقم قد لا يشير بدقة إلى حجم رأس المال الذي هرب بالكامل، في حين من المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع استمرار ارتفاع أسعار الفائدة وسعي المستثمرين إلى ملاذات أكثر أماناً.

وأفاد المقال بأنه نتيجة لذلك، تراقب البلدان والشركات ارتفاع فواتير السداد، خاصة بالنسبة لأولئك الذين تتأثر ديونهم بالتغيرات في أسعار الفائدة، فيما يقدر صندوق النقد الدولي أن 30 في المئة من بلدان الأسواق الناشئة و60 في المئة من البلدان المنخفضة الدخل تعاني بالفعل من ضائقة ديون أو تقترب منها، مبيناً أن تدفقات رأس المال الخارجة لها تأثير ضار على الميزانيات العمومية، إذ تحتاج البلدان إلى استبدال تلك الأموال عن طريق الاقتراض من الخارج بمعدلات أعلى، والتي تصبح أكثر تكلفة مع مغادرة المزيد من المستثمرين، كما يضرب الدولار المرتفع، الذي وصل حالياً إلى أعلى مستوى خلال عشرين عاماً، المقترضين السياديين والشركات من خلال زيادة الفائدة وأقساط السداد بالعملة المحلية.

وتكمن المشكلة -بحسب المقال- في الأدوات المحدودة لدى مجموعتي السبع والعشرين إضافة لصندوق النقد الدولي للتعامل مع أزمة الديون العالمية، إذ أصبحت هذه الصعوبة أكثر تعقيداً مع تحول القوة الاقتصادية العالمية على مدى العقدين الماضيين من الغرب نحو الصين، وبالمثل، زادت أهمية دور حملة السندات والمقرضين التجاريين الآخرين منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.

من جهة أخرى، ذكر المقال أن المقرضين من القطاع الخاص لم يساهموا كثيراً في حل مشكلة الديون منذ انتشار الجائحة، مبيناً أنه رغم أنهم يحتفظون بنسبة كبيرة من ديون البلدان النامية، فقد رفضوا الانضمام إلى تجميد خدمة الديون، وغالباً ما يعارضون تخفيضها. الصين... حجر عثرة

أكدت «ذي أتلانتيك كونسل» أنه لا يوجد مسار منهجي للمضي قدماً لبلدان الأسواق الناشئة مثل سريلانكا وغيرها من الدول التي قد تتخلف عن السداد، مشيرة إلى أن حجر العثرة الرئيسي هو الصين، التي على الرغم من التزامها المعلن بالمعايير الدولية، من المرجح أن تظل مقاومة للقواعد الدولية التي تؤثر على انكشافها الهائل كمقرض سيادي.

وأوضحت أن إحدى الحاجات العاجلة تتثمل بالنظر في العودة إلى التعليق الموقت لمدفوعات الفائدة، لكل من البلدان الفقيرة والمتوسطة الدخل لمنح البلدان فرصة لالتقاط الأنفاس، وإدخال شكل من أشكال التمويل المرحلي إذا لم تكن الضمانات المالية لصندوق النقد وشيكة في الوقت المناسب، لكن يبدو أن هناك القليل من القدرة السياسية على تحمل التعامل مع هذه القضايا «الثقيلة».

وخلص المقال إلى أنه مع ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم وتراكم رياح الأزمة في جميع أنحاء العالم، لن يكون أمام قادة العالم قريباً خيار سوى العودة إلى هذه القضايا من أجل تجنب وقوع كارثة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي