جولة بايدن والمأزق اللبناني
عندما حطت طائرة الرئاسة الأميركية على مدرج مطار بن غوريون قرب تل أبيب، أمل كثر أن هذه الزيارة الإقليمية تعني تبدلاً بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
والمقصود بهذا التبدل هو تفكيك مواقف في واشنطن، ما سيؤثر على دول إقليمية عدة، حالمين أن ينسحب هذا الأمر على الجمهورية اللبنانية المريضة، التي يعيش «المسؤولون» فيها وأتباعهم على أمل أن تنعكس التسوية الإقليمية المحتملة بشكل إيجابي على انهيارها المستمر.
وتفترض عملية التفكير هذه أن جولة الرئيس الأميركي جو بايدن، ستترجم سياسة جديدة للبيت الأبيض والمستشارين فيه، الذين سيضعون الشرق الأوسط ولبنان على وجه التحديد كأولوية قصوى، وهو افتراض لا يدعمه المنطق أو التجربة.
في مقال نُشر قبل فترة وجيزة من رحلته في صحيفة «واشنطن بوست»، حاول بايدن تبرير زيارته للسعودية والمنطقة. وبينما تبنى لهجة اعتذارية، لم يخجل من اختتام مقالته بتذكير الجميع بمن فيهم الجمهور الأميركي، بأن وجوده في السعودية هو في مصلحة الولايات المتحدة في التعامل مع المنطقة الغنية بالنفط «علينا مواجهة العدوان الروسي، وأن نضع أنفسنا في أفضل وضع ممكن للتفوق على الصين، والعمل من أجل استقرار أكبر في منطقة مهمة من العالم. ومن أجل القيام بهذه الأشياء، علينا التعامل مباشرة مع البلدان التي يمكن أن تؤثر على تلك النتائج».
وبالمصادفة، حدد بايدن المصلحة الإستراتيجية للولايات المتحدة التي لا تشمل لبنان أو تعافيه من حيث مواقفها، خصوصاً وأن الطغمة اللبنانية الحاكمة والتي تضم «حزب الله»، لم تبد أي بوادر ندم ولم تنفذ أي إجراءات إصلاحية من شأنها أن تسهل على المجتمع الدولي مد المساعدة وتقديم القروض.
وكما يظهر حتى الآن، تسعى زيارة بايدن لإعادة تنظيم العلاقة بين الولايات المتحدة وكل من السعودية وإسرائيل، وتقوية التحالف لاحتواء وتحييد دور الحرس الثوري الإيراني، الذي تمدد في المنطقة بغياب القرار الأميركي.
إن اختيار بايدن للهبوط في تل أبيب ثم السفر إلى الرياض، ليس بالأمر الهين، ولكنه رسالة واضحة المعالم والاتجاهات لطهران ولكل من يرغب في زعزعة استقرار المنطقة.
لن يستفيد لبنان من عملية إعادة التنظيم الأميركي، ولن تحاول دول الخليج الغنية بالنفط، إنقاذه من أيدي إيران ووكيلها اللبناني «حزب الله»، لمجرد أنه بالنسبة للدول العربية، كان لبنان - أو ربما لم يكن كذلك أبداً - أولوية ومشروعاً جانبياً، واليوم لم تعد ترغب بالاستثمار فيه.
في بيروت يدرك كثر، وعلى رأسهم «حزب الله» التحولات المذكورة، وبالتالي فإن الظهور المتلفز لحسن نصرالله، الأمين العام لـ «حزب الله»، الأربعاء الماضي، جاء ليحاول تذكير الجميع بمخاطر عدم استرضاء إيران والاستجابة لمطالبها.
ولكن ما ظهر من هذه التهديدات بالذهاب إلى الحرب هو أنها مجرد انعكاس لإحباط إيران من عدم قدرتها على شق طريقها بالتنمر والابتزاز، حيث هدد نصرالله بأنه إذا لم يُسمح للبنان باستخراج النفط من حقول الغاز المتنازع عليها مع إسرائيل، فلن يكون هناك إمكانية لأحد لاستخراج النفط في المنطقة، وكأنه من هذا الباب ستعلن إيران الحرب على إسرائيل.
لكن الواقع أظهر أن عدم قدرة لبنان على استخراج النفط تكمن بالأداء السيئ للدولة اللبنانية في جهود الوساطة المستمرة بقيادة الولايات المتحدة وآموس هولشتين، كبير المستشارين الأميركيين لأمن الطاقة.
أيضاً خلال حديثه، أراد نصرالله التأكيد على أن الانهيار المستمر للبنان هو بسبب العقوبات والتدابير الاقتصادية الأميركية والخليجية، محاولاً تبرئة نفسه وميليشياته، بتحويل لبنان من دولة صاعدة اقتصادياً، إلى دولة مخدرات فاشلة بالكامل.
يعتقد نصرالله أنه يستطيع أن يخرج من حفرة الفقر التي أدخل لبنان بها، وأن اللجوء للتهديد بالحرب والعنف يمكن أن يحل مكان إجراءات الإصلاح «الشاقة» المطلوب إجراؤها، وهو أمر أثبت نصرالله والنخبة السياسية اللبنانية الذين يتمتعون بحماية أسلحته الإيرانية، أنهم غير مهتمين باجرائها.
لا تختلف تهديدات «حزب الله» بالذهاب إلى الحرب لكسب الموارد، عن اقتراح نصرالله بزراعة البطاطس على الشرفات أو الذهاب إلى الشرق (الصين)، الأمر الذي يفضح عدم فهم قادة هذه الميليشيات تماماً للمصطلحات الاقتصادية البسيطة، ويعتقد أن «الشعوذة الاقتصادية تصنع المال».
قبل كل شيء، لا يرتبط إنقاذ لبنان بقدرته على استخراج الغاز في مياهه، وهو ما قد لا يكون كافياً، بل بقدرته على فهم التطورات الإقليمية والدولية والتكيف معها.
لقد غيرت الحرب في أوكرانيا الديناميكيات العالمية، وأجبرت بايدن على التقرب من حلفائه الإستراتيجيين للمساعدة في سد فجوة إمدادات النفط، وهو أمر لا تستطيع السعودية والإمارات القيام به من الناحية التقنية. لكن ما استطاعت زيارة بايدن تحقيقه، هو تذكير اللبنانيين والنظام الإيراني بأن بلادهم التي تعاني من أزمة الخبز والاقتصادات السيئة، لا يمكن أن تحقق بُنى دولة على رأسها «مجرمون».