مشاهد / حفـل توقيـع

u064au0648u0633u0641 u0627u0644u0642u0639u064au062f
يوسف القعيد
تصغير
تكبير
| يوسف القعيد |

اتصلت بي نوال مصطفى الكاتبة والأديبة رئيس تحرير سلسلة كتاب اليوم التي تصدر عن مؤسسة أخبار اليوم ودعتني لحضور حفل توقيع لرواية الدكتور عمرو عبدالسميع الجديدة: «أنا والحبيب»... في مكتبة أنشأتها اخيراً في حي جاردن سيتي... وراء نقابة أطباء مصر، التي تسمى «دار الحكمة».

وأعجب جدا بهذه التسمية... فممارسة الطب في صدر الحضارة العربية الإسلامية... كانت علما من علوم الحكمة، وقد ترددت على هذه الدار أكثر من مرة مدعوا من صديقي الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح باعتباره سكرتير عام نقابة الأطباء المصريين... أو سكرتير عام حكماء مصر وليس باعتباره قياديا حاليا- أو سابقا- في جماعة الإخوان المسلمين. لكن عبدالمنعم أبوالفتوح قصة أخرى قد أعود إليها... فأنا بصدد الكلام عن مكتبة حنين وعمرو عبدالسميع وروايته: «أنا والحبيب».

سبق أن زرت هذه المكتبة بعد افتتاحها لحفل توقيع أيضا لكتاب صديق العمر: جمال الغيطاني «نزول النقطة»، وهو كتاب أعتقد أنه مهم في سياق الكتابة عن شخصية مصر وعن المصريين الآن بين الثبات والتغيير والاستمرار ومفاجأة انقلاب الأحوال.

وهو كتاب نظري يعتمد على السرد في شكل كتابته، لكنه لم يأخذ حظه من الاهتمام وقت صدوره، وكان حفل التوقيع في مكتبة حنين... مع أن الكتاب لم يكن منشورا عن المكتبة، بل عن سلسلة كتاب اليوم التي ترأس تحريرها نوال مصطفى.

و«حنين»... الاسم الذي تطلقه نوال على مكتبتها يعكس حالة الحنين لجميع الأشياء الجميلة التي تختفي من حياتنا وتتخلى عنا، ولأنها رئيسة تحرير في مؤسسة صحافية عريقة هي: أخبار اليوم... ليس من حقها أن تمارس النشر خارجها، وإلا يحدث ازدواج في الأدوار، لذلك فمكتبة حنين لا تنشر. لكنها تكتفي بتوزيع الكتب فقط، وعندما تقيم حفلات توقيع فهي تقيم هذه الحفلات لكتب نشرها ناشرون آخرون.

وهذا ما حدث مع عمرو عبدالسميع وروايته: «أنا والحبيب»... فهي منشورة عن دار العين- التي تمتلكها وتديرها الدكتورة فاطمة البودي- وأنا عن نفسي أتردد كثيرا في تلبية دعوات حفلات التوقيع، لأنها أقرب لطقس اجتماعي منها لحفل توقيع. ولأنها أصبحت في الفترة الأخيرة ندوات لمناقشة هذا الكتاب أو ذاك أكثر من كونها حفل توقيع.

وقد حضرت بنفسي منذ سنوات حفلي توقيع لكتب لي... أولهما كان في موسكو، وثانيهما كان في لندن. في موسكو كان للاحتفال بصدور مجلد يحتوي على الترجمة الروسية لثلاث روايات لي. هي: «الحرب في بر مصر، يحدث في مصر الآن، وأخبار عزبة المنيسي».

وفي لندن كان الاحتفال بصدور ترجمة: «الحرب في بر مصر» إلى الإنكليزية، وفي الحفلين اقتصر الأمر على أن أوقع بيدي النسخ التي اشتراها الجمهور.

لاأزال أذكر حتى هذه اللحظة رغم مرور نحو ربع قرن على حفلة موسكو تلك اللحظة التي لا تنسى... كان المطر غزيرا وأوقفوني في باب مكتبة رادوجا. ومعناها بالعربية النسر المحلق... لأوقع على النسخ.

أما طابور من اشتروا النسخ ووقفوا تحت المطر... فقد كان طويلا جدا وبيد كل منهم شمسية، التي هي جزء جوهري من منظر الإنسان الروسي... رجلا كان أو امرأة، ولكي أكون دقيقا أقول السوفياتي وليس الروسي. فكلمة الروسي عرفت طريقها إلينا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وقد انهار بعد زيارتي هذه بثلاث سنوات.

لم تحدث مناقشة ولا يحزنون... لم يكلمني أحد، فلا هم يعرفون لغتي ولا أنا أعرف لغتهم، وحتى الإهداءات التي كتبتها لم تخرج عن كتابة اسمي باللغة العربية... على الصفحة الأولى من الكتاب.

كانوا يشترون الكتب من باب جانبي للمكتبة، ويقفون في الطابور من أجل أن أوقع لهم، طبعا الكتب التي كانت في المكتبة من الصعب أن أقول رأيي فيها، لأنها كلها كانت باللغة الروسية ولغات الجمهوريات التي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت.

ودار رادوجا نفسها كانت دارا حكومية... تتبع الحكومة المركزية السوفياتية في ذلك الوقت. لكنها كانت مخصصة لنشر الآداب الأجنبية المترجمة إلى اللغة الروسية. وأيضا توزيع الكتب التي تصدر في الجمهوريات السوفياتية المختلفة في موسكو.

طبعا رأيت الأغلفة... أعجبت جدا ببعضها. عرفت من صور المؤلفين التي تتصدر الكتب بعض أصحاب هذه الأعمال. ربما قرأتها مترجمة إلى اللغة العربية. خاصة مؤلفات الكاتب الروائي والقاص القرغيزي جنكيز أيتماتوف. وكنت قد قرأته مترجما إلى اللغة العربية في القاهرة قبل سفري إلى موسكو.

ولتعرفي على أيتماتوف قصة... فقد كنت في زيارة لعبدالرحمن الخميسي في منزله الكائن في شارع عبدالخالق ثروت. في العمارة المجاورة لجروبي ثروت «وسط القاهرة»، وقد لفت نظري وجود مجموعة من الكتب لها شكل واحد وإخراج واحد لكاتب لم أكن قد سمعت به من قبل.

انصرفت عن الكلام معه... أخذت الكتب عيني، غضب مني فدفع بالكتب كلها لي...أخذها وقت أن أمشي ولا أنصرف عن كلامه، وكانت كلها كتب جنكيز أيتماتوف، الذي لم أكن قد سمعت به من قبل. وقرأته وشكلت هذه القراءة أساس معرفتي به. التي استمرت حتى رحيله مؤخرا عن عالمنا... يومها أخذت من عبدالرحمن الخميسي روايات: «المعلم الأول، جميلة، وداعا يا غولساري. أمنا الأرض». وكانت كلها تشكل اكتشافا شديد الأهمية بالنسبة لي.

أما في لندن فقد تم الأمر داخل المكتبة... كانت صاحبتها المرحومة مي غصوب، التي تعد واحدة من أنبل وأشرف المثقفات العربيات. فهي كاتبة وفنانة وناشرة... وقفت داخل دار الساقي في لندن أوقع نسخا لمن اشترى الرواية باللغة الإنكليزية.

وكان يقف معي الدكتور لويس عوض الذي كان حضوره أكبر تشريف نلته في حياتي، وألفريد فرج الذي أثلج فؤادي كثيرا جدا أنه جاء، ومجدي نصيف. صديقي الذي استضافني في بيته طوال وجودي في لندن.

وغيرهم كثيرون من المصريين والعرب والمسلمين الذين كانوا يعيشون في لندن. لم تقل كلمة واحدة في مناقشة الرواية. ولا الكلام عنها. ولا محاولة تقييمها. لكنني كنت أوقع باسمي على الصفحة الأولى من الكتاب. هذه حفلات توقيع.

بعد حفل التوقيع اكتشفت في مكتبة الساقي في لندن اكتشافات جميلة.

وأيضا في حفل توقيع عمرو عبدالسميع في القاهرة كانت هناك اكتشافات أجمل.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي