No Script

قيم ومبادئ

أيها النائب الجديد!

تصغير
تكبير

نبارك مقدماً لمن سينال شرف تمثيل الكويت بعضوية مجلس الأمة، ولمن تجدّدت له ثقة أبناء الدائرة الانتخابية.

ولعلي في هذا الموجز، ألخص لك الحياة النيابية لأضع بين يديك «خارطة الطريق» لتكون على بصيرة، ولا تكرّر الوقوع بالأخطاء نفسها التي وقع فيها غيرك...

فأنت في مستقبل أمرك في ممارسة صلاحياتك الدستوريه، بين اثنين، إما أن تصاحب أصحاب المناصب والمتنفذين، خصوصاً الخاصة، وهؤلاء لا يرضيهم إلا أن تتسلق لتصل عندهم في البروج العاجية، وأنت في هذه الحال لا تستطيع أن تداحرهم ولا أن تسايرهم!

وبين عامة لا تستطيع إلا أن تهبط اليهم، فإذا صعدت إلى الخاصة، هلكت، وإن نزلت إلى العامة، خسرت، لأن العامة يبغضون الحقيقة ويبغضون لأجلها المحقين. وإن وقفت بمنزلة بين المنزلتين سخط عليك الفريقان وارتابا بك! وأقسما جهد أيمانهما إنك من المرائين المتقلبين.

وان كنت الخيار الثالث - يعني حزبياً أو طائفياً - فستستمع من طائفتك ورئيسك كلاماً يحرج صدرك ويجرح قلبك بالمؤاخذات والاقتراحات، ويطلب رئيس الطائفة عندك، من الرأي والفهم والأسلوب والنسق ما عند نفسه...

وهيهات أن يجد عندك ما يريد منك إلا إذا صحّ مذهب التقمّص والحلول والاتحاد المعروف عند غلاة الصوفية واستطاعت روحك أن تتسرب في اطواء روحه وتتلاشى فيها فتصبحان شيئاً واحداً وجسداً بروحين؟ وذلك ما يرزؤك به - مجلس الأمة - كل يوم سواء كنت من الصنف الأول أو الثاني أو الثالث، حيث يقفون بينك وبين عقلك، فكأنما يعمدون إلى عقلك - وهذا أغلى ما تملك بعد الإيمان - فيبتاعونه منك بلقيمات لا تكاد تقيم بها صلبك؟

وكأنما إدارة رتم الحياة السياسية ومجلس الأمة الذي تعمل فيه، عبارة عن آلة ميكانيكية أنت فيها عمود يدور اضطراراً لا إنسان يتحرّك اختياراً!

وستجد حولك من أعضاء المجلس، إذا تلفتّ ذات اليمين وذات الشمال، فستجد بعضهم أسوأ الناس حظاً وأكثرهم شقاء ـ ويصرّح أحدهم في الصباح ما يستحي منه في المساء. ويقول في المساء ما ينكره بعد ذلك بساعات!

وتظل طول حياتك السياسية كرة تتلقفها الأحزاب والطوائف والغالبية، تم يتقاذفونها تبعاً لتغير المواقف وتبادل المصالح!

واذا تأملت مليّاً وأحببت أن تقدم تصوّراً ومشروعاً وطنياً لإنقاذ الكويت ومكافحة الفساد وصولاً إلى التنمية ثم اعتكفت في العشر الأوائل من حياة المجلس لتقدم ما تعتقده جازماً لحلحلة الملفات وكتبت وثيقة أذبت فيها دماغك وارقت فيها عصارة مخك حتى إذا استوت عندك الفكرة واختمرت لديك القضية وظننت أنك قد بلغت من الإحسان غايته ورفعتها إلى رئيسك، فما هو إلا أن يقرأها ويرى فيها مدح من لا يحب! أو نقد من لا يكره! حتى يرمي بها في وجهك ويردها عليك فتعود إلى مكتبك - الفاخر - باكياً ونادماً، ولا يعلم بعد ذلك إلا الله ما يلمّ بقلبك في تلك الساعة من الحزن على حياة كلها نفاق ورياء وذل وتملق كل فريق للآخر وتُنحر الوطنية على أعتاب المصالح الشخصية المقدسة...

وتبحث عن أهل الحِجى والعقول، فتجد أن وسائل التواصل الاجتماعي قد سدّت عليهم كل منفذ واللوبيات وبارونات الفساد والمتنفذين يلبسون البشوت في كل مجمع ليتصدروا المشهد، فأنت في النهاية لا تنطق إلا بلسان غيرك ولا تصرح إلا بتصريح سواك...

هكذا يحملك التيار فتصبح كالريشة بالهواء وأنت تسبح على أمواج يأخذ بعضها برقاب بعض وتحل أخراها محل أولاها!

وأنا لا ألوم النواب على تقلبهم في المواقف واضطرابهم في الآراء ولا ألوم المتنفذين في جريهم وراء مصالحهم في الوزارات، ولا ألوم «الذباب الإلكتروني» وأصحاب الحسابات الوهمية على هذه الاتهامات ونشر الفضائح التي ساقهم إليها لقمة العيش في المنفى! وإنما ألوم الشعب على استهانته الاختيار في صناديق الاقتراع.

وحتى أخلص لك القول، ليست مشكلتنا في تأجيل الاستجوابات ولا في تعطيل عمل المجلس وتجريد النائب من صلاحياته الدستورية، إنما السبب هو القانون في الكويت مدني لا أدبي!

والحكومة مشغولة في شأن نفسها عن شأن غيرها، ودين الإسلام هو دين الدولة، هان أمره على الجميع، والجيل الأول وأولياء الأمور عجزوا عنكم بل أخذوا يبكون عليكم؟

وعليه أفزع إلى الله ثم إلى ضمائركم التي هي الأمل الباقي لنا بعد فقد جميع آمالنا فيكم، فاصغوا الى صوتها ساعة، فصوت الضمير أقوى من كل صوت في العالم المليء بالضوضاء؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي