نصر الله حيا «جرأته في تجاوُز الغمة العابرة»

جنبلاط: بمصالحة الشويفات ختمنا الجرح

تصغير
تكبير
|بيروت - «الراي»|

مع ان كلاً من موعدي المصالحة التي جرت امس في بلدة الشويفات (ساحل الجبل)، واللقاء الذي سيعقد اليوم بين زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط كانا مقررين منذ مدة، فان هذين الحدثين المحليين عكسا في جانب منهما طبيعة المشهد السياسي اللبناني بعد شهرين من اقلاع عمل حكومة الوحدة الوطنية.

واكتسب لقاء الشويفات الذي اعتبر تتويجاً للمصالحة «الميدانية» بين الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يترأسه وبين «حزب الله» بمشاركة النائب طلال ارسلان وحركة «امل» التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري، بعداً اضافياً الى جانب كونه استكمالاً للمساعي الجارية منذ مدة طويلة لازالة رواسب احداث 7 مايو 2008. فعلى اهمية توسيع اطار المصالحات الاهلية على الارض، خصوصاً في هذه المنطقة التي شهدت صدامات دموية عقب حوادث 7 مايو في بيروت، وحين حاول «حزب الله» اقتحام الجبل، ارتدى لقاء المصالحة امس، بعداً من حيث ترسيخ الواقع السياسي الناشئ عقب تشكيل الحكومة لجهة الموقع الوسطي الذي اختاره لنفسه جنبلاط.

الاوساط المعنية في الحزب التقدمي الاشتراكي، تشدد على ان المصالحة تندرج في اطار ازالة رواسب الاحداث السابقة، لكنها لا تعني الغاء الخصوصيات السياسية بمعنى المحافظة على حق الاختلاف. ولا تجافي اوساط «حزب الله» هذا المنطق بدورها. لكن ثمة في هذه المصالحة ما يشير الى ابعد، اي الى تنظيم وترتيب المرحلة الراهنة بحيث يضمن لها ديمومة الى ابعد مدى ممكن، اي ان يجري تحصين الهدنة السياسية التي تجسدها الحكومة بمزيد من الاجراءات على الارض، علماً ان كثيرين يربطون بين مصالحة الشويفات وقبلها «غداء الجاهلية» الى مائدة الوزير السابق وئام وهاب وبين الزيارة المرتقبة لجنبلاط الى سورية، بمعنى ان الزعيم الدرزي يقوم بسلسلة خطوات تمهيدية لتعبيد الطريق امامه للعودة الى «الشام»، انطلاقاً من الانعطافة التي كان اعلنها في 2 اغسطس الماضي بخروجه من «14 مارس».

واعتبر جنبلاط ان بإتمام مصالحة الشويفات «يختم جرح كاد لو توسّع ان يدمر التواصل التاريخي والانساني والسياسي بين الجبل والضاحية وبيروت ويُدخل البلاد في دوامة عنف تقضي على العيش المشترك وعلى الجهود المشتركة لكل القوى السياسية التي توافقت أثناء الحوار الذي أطلقه الرئيس نبيه بري في مارس 2006 على ضرورة قيام الدولة القوية والقادرة والعادلة ومعالجة المشاكل العالقة مع الداخل بالحوار ومع الخارج اي سورية بالحوار البنّاء الذي أنتج نقاط إجماع واستُكمل لاحقاً بهيئة الحوار الوطني وبحكومة الوفاق الوطني».

ولفت في الكلمة التي ألقاها خلال مصالحة الشويفات الى ان العودة الى الملابسات التي سبقت السابع من مايو 2008 « لا فائدة منها الا اثارة الغرائز عند نفوش متآمرة وبعض من يغلب عليهم الافق الضيق او الانغلاق او الحقد». واعتبر «ان قدَر اهل الضاحية والجبل وبيروت الكفاح والنضال المشترك والعيش المشترك وتقاسم الخبز والملح فوق كل اعتبار».

كما تحدّث رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد باسم الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله الذي حيّا «جرأة وإقدام النائب جنبلاط الذي سعى لطي صفحة الغيم العابرة»، لافتاً ان «هذه المحطة المتقدمة هي لمواصلة تعزيز سلمنا الأهلي واستكمال مسيرة النهوض بلبنان». وقال: «تصدينا معا لمشاريع الاجتياح وأسقطنا اتفاق 17 مايو (1983 مع اسرائيل) وبتضامننا دحرنا الاحتلال الإسرائيلي عن أرضنا وأرسينا اختيار المقاومة كخيار وطني ونحن اليوم معا نحرص على استنئاف العلاقات المميزة مع سورية لما لذلك من خير على بلدنا».

يُذكر ان اللقاء تخللته ايضاً كلمة للنائب علي حسن خليل ممثلاً بري، وللوزير السابق طلال ارسلان.

وفي البعد السياسي للقاء الذي سيعقد قبل ظهر اليوم في الرابية بين عون وجنبلاط، لا يختلف الامر ايضاً عن لقاء الشويفات مع الفارق بين الخصوصيات المسيحية والدرزية عن الخصوصية الدرزية والشيعية. ذلك ان زيارة جنبلاط للرابية تكتسب بعداً مختلفاً لانها تدل على مضيه في تحصين موقعه الوسطي بحيث «يفتح» على الجميع ولا يحرق جسوره مع احد. فهو بذلك ينفتح على المعارضة ولكنه لا يمضي نحو تحالفات معها، تماماً كما خرج من «14 مارس» من دون ان يقيم خصومة مع قواها، بل انه يترك رئيس الحكومة سعد الحريري حجر الرص الاساسي في تعامله مع الفريقين.

وفي ضوء هذين التطورين، تبدو المصالحات كأنها الفعل السياسي الوحيد في هذه الآونة التي تتسم بغياب القضايا الكبيرة عن المسرح السياسي في انتظار ملفات داخلية عدة مرشحة لملء فترة السماح الاقليمية. ويسود الاوساط السياسية المعنية اعتقاد بأن ادارة هذه المرحلة سيغلب عليها حد كبير من الانتظام السياسي والامني بمعنى ان تشغل الساحة الاهتمامات ذات الطابع الاداري والاقتصادي والمالي اضافة الى تركيز ملف العلاقات اللبنانية السورية على قاعدة هادئة ومستقرة ما امكن. ومع ان الخلافات السياسية لن تلبث ان تظهر عند كل ملف داخلي مرشح للطرح، فان ذلك لا يعني ان الخط البياني العام للوضع اللبناني مرشح لاي هزة وشيكة. ليست المصالحات الا انعكاس واضح لتقاطع المصالح الداخلية والتقائها عند خطوط التسوية الاقليمية التي ترعى هذه اللحظة الى امد غير معروف. وهو امر يفسر الى حد بعيد المناخ الايجابي الذي تجري فيه المصالحات دون تكبير حجرها ودون تقليل حجمها.

وعلى وقع هذا المشهد الداخلي، توجّه الحريري امس، الى أنقرة في زيارة تستمر الى يوم غد، تلبية لدعوة من نظيره التركي رجب طيب أردوغان.

ومن المنتظر ان يتخلل زيارة الحريري توقيع اتفاقات عدة بين لبنان وتركيا تتضمن الغاء تأشيرات الدخول في شكل متقابل بين البلدين والتعاون في مجالات الدفاع وقطاعي الصحة والزراعة.

واشارت تقارير الى انه في موازاة اتفاق الغاء تأشيرات الدخول الذي سيوقّعه وزير الداخلية والبلديات زياد بارود عن الجانب اللبناني، سيتولى الأخير التوقيع بالنيابة عن وزير الدفاع الياس المر على اتفاق عسكري مع نظيره التركي يتعلق بالتدريب والتسليح والتنسيق وتبادُل الخبرات.

يذكر ان المر تخلف عن مرافقة الحريري في زيارته بسبب طارىء عائلي اقتضى مغادرته الى باريس.

وكان لافتاً ان الحريري التقى ليل السبت، في «بيت الوسط»، المعاون السياسي للامين العام لـ «حزب الله» الحاج حسين خليل حيث جرى البحث في موضوع التعيينات الادارية، علماً ان دوائر مراقبة اعتبرت ان دخول خليل على هذا الخط، هو الذي كان زار بري مساء الجمعة، دليل على الطابع السياسي للتعيينات التي كانت معلومات اشارت الى ان توافقاً جرى قبل تشكيل الحكومة على ان يتم بتّها، من زاوية «الحصص»، خارج مجلس الوزراء.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي