No Script

دعم قطري بـ 60 مليون دولار للجيش

إطلالة عربية «عن قُرب» على الواقع اللبناني

زحمة أمام أحد الأفران في بيروت (رويترز)
زحمة أمام أحد الأفران في بيروت (رويترز)
تصغير
تكبير

- اتصال لعدم قطْع «خيْط التواصل» بين عون وميقاتي والطريق إلى حكومة جديدة غير سالكة

تنشغل بيروت في اليوميْن المقبليْن بالاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب الذي تستضيفه غداً تحضيراً لقمة الجزائر في أكتوبر المقبل، والذي سيشكّل مناسبةً لإطلالةٍ عربية على المشهد اللبناني الذي دَخَلَ مرحلةً انتقاليةً في السياسة يُخشى أن تكون مفتوحة على موجاتٍ عاتيةٍ من الاضطراباتِ بحال أُحْكم الأفقُ المسدود الذي ارتسم في ملف تشكيل الحكومة الجديدة بفشلٍ في انتخابِ رئيسٍ جديدٍ للجمهورية (بحلول 31 أكتوبر المقبل) ما سيضع البلاد في قلب أزمةٍ دستوريةٍ «اخطبوطية» تتشابك مع الانهيار الشامل الذي لن يقود الوطنَ الصغيرَ المتروك بلا «دفة قيادة» إلا إلى الارتطام المميت.

ومن شأن الاجتماع العربي الذي ينعقد في بيروت، باعتبار أن لبنان يترأس الدورة الحالية لمجلس وزراء الخارجية العرب، في موازاة تناوُله الهموم العربية والتحديات الماثلة في ضوء المتغيرات التي تقف على مشارفها المنطقة والتحولات الجيو - سياسية في ظل حرب أوكرانيا، أن يعيد تأكيد موقف الدول العربية حيال الواقع اللبناني والعلاقات خصوصاً مع دول الخليج والتي باتت المبادرةُ الكويتية الناظمَ الديبلوماسي لها، إلى جانب الثوابت التي عبّر عنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إبان زيارتيْه لمصر والأردن ولا سيما في ما خص «حزب الله».

وإذا كانت هذه العناوين لن تحضر في شكل مقررات في الاجتماع التشاوري، إلا أنها ستظلّل لقاءات المُشاركين فيه مع المسؤولين اللبنانيين، وبينهم الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي يُتوقّع أن يستقبلهم اليوم، وسط توقُّف أوساط سياسية عند مستوى المشاركة الخليجية خصوصاً حيث تحضر الكويت عبر وزير الخارجية الشيخ أحمد الناصر، وقطر عبر الوزير محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، في حين تتمثّل السعودية بالمندوب الدائم لدى الجامعة العربية السفير عبدالرحمن بن سعيد جمعة، والإمارات أيضاً بالمندوب الدائم السفيرة مريم خليفة الكعبي.

أما البحرين فترسل سفيرها في سورية وحيد مبارك سيار.

وإذ سيمثّل الأردن وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، ومصر نائب وزير الخارجية للشؤون الأفريقية السفير حمدي سند لوزا، كان لافتاً إعلان دولة قطر تقديمها دعماً بمبلغ 60 مليون دولار في إطار دعم الجيش اللبناني وذلك «تنفيذاً لتوجيهات أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد».

ونقلت «وكالة الأنباء القطرية»، أن هذا الدعم «تزامن مع الزيارة التي يقوم بها نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، ورئيس مجلس إدارة صندوق قطر للتنمية لبيروت لحضور الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب الذي دعا إليه لبنان».

واعتبرت أن «هذا الإعلان هو في إطار التزام دولة قطر الثابت بدعم الجمهورية اللبنانية، والوقوف إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق، بالإضافة إلى إيمانها الراسخ بأهمية وضرورة العمل العربي المشترك» وفق البيان القطري.

وسيشكّل الاجتماع التشاوري واللقاءات على هامشه فرصةً لـ «معاينة ميدانية» عربية لمآلاتِ الوضع اللبناني الذي بات في وضعية انتظارٍ خطير تتجاذبها رغبةٌ في جعْل الاستحقاق الرئاسي «منصةً» لتصحيح التوازن الداخلي الذي اختلّ بقوةٍ منذ بدء ولاية عهد عون قبل نحو ستة أعوام، ومساعٍ مضادةٍ لجعْل هذا الاستحقاق امتداداً لكل ما سَبَقَه من محطاتٍ كاسرةٍ لموازين القوى المحلية، وهو التجاذب الذي صارت الحكومةُ الجديدة رهينته بعدما أصبح استيلادُها أو ترْك حكومة تصريف الأعمال «حيّة» حتى موعد الانتخابات الرئاسية (بين 1 سبتمبر و31 اكتوبر) يُقارَبان من زاوية مدى تعزيز أيّ من الاتجاهيْن الرئاسييْن.

«حقل الألغام» الحكومي

وهذه الأبعاد العميقة هي التي تتحكّم واقعياً بمآل المحاولة التي يُجْريها ميقاتي لـ «اقتناص» حكومته العتيدة، وسط اصطدام «أسرع مخطوطة» لتشكيلةٍ قدّمها الثلاثاء إلى عون بمناخاتٍ سلبيةٍ عبّرت عنها أجواء فريق رئيس الجمهورية الذي اعتبر أن معاجَلة ميقاتي الجميع بتشكيلةٍ منقّحة عن التي ترأسها في سبتمبر ومع تبديلاتٍ في 5 حقائب أبرزها الطاقة التي انتزعها من «التيار الوطني الحر»، هي في سياق محاولة لـ «كسْر العهد في نهايته» واستهدافه، مستعيداً مثلث «الدستور والميثاق ووحدة المعايير» كممرّ لاستيلاد الحكومة وأي حكومة.

ورغم الكشف عن اتصال جرى أمس بين عون وميقاتي «تم فيه الاتفاق على استمرار التواصل»، فإن أوساطاً عليمة اعتبرت أن هذا الأمر لا يعدو كونه من عُدّة تقاذُف كرات المسؤولية عن تأخير ولادة حكومةٍ تُسابِق مواعيد الانتخابات الرئاسية، ويُتَّهم فريق عون ولا سيما صهره رئيس «التيار الحر» جبران باسيل بواحد من أمرين:

إما يريدها «للاستعاضة عن الرئاسة والسيطرة عبرها أكثر على مفاصل الدولة لِما بعد عهد عون»، كما قال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، الذي أكد «وجوب منع عون من تشكيل حكومة على صورته ومثاله هو وجبران باسيل قبل نهاية العهد، ولكن لا يوجد أي تفاهم بيننا وبين لا الرئيس نبيه برّي ولا حتى الرئيس ميقاتي».

وإما لتقوية موقع باسيل في أي لعبة «عض أصابع» في مرحلة فراغٍ رئاسي، وتالياً إبقاء «أوراق قوة» في يديه لحفظ حظوظه في السباق الى قصر بعبدا.

وفي حين برزت أمس تغريدة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط كتب فيها «أيا كانت الاعتبارات او الحسابات السياسية المختلفة فإن تشكيل الحكومة أهم من الدخول في الفراغ»، وسط اعتبار البعض أن الرئيس المكلف راعى الزعيم الدرزي (لم يسمّه لرئاسة الحكومة) بالإبقاء على الوزير عباس الحلبي وتوزير وليد عساف غير المستفِزّ له، فإنّ لا شيء يوحي بسهولة تفكيك «العبوات» التي بدت مزروعة في التشكيلة التي رفعها ميقاتي، أقلّه وفق قراءة فريق عون، الذي لم تُعرف حدود اعتراضاته على قاعدة:

هل تشتمل على الشكل الذي «لم يُستشَر فيه» وقَطَعَ ميقاتي عبره الطريق على حكومة سياسية أو مطعَّمة بسياسيين، وذلك درءاً لتشظياتِ تظهير تشكيلة «اللون الواحد» لائتلاف «حزب الله» - التيار الحر.

أم أن الاعتراضات تقف عند مضمون المسودة وما اعتبره قريبون من فريق عون «استنسابية» في مداورة الحقائب التي اشتملت على توزير سنّي في الطاقة بدل ارثوذكسي (وليد فياض)، وأرمني مكان سنّي في الاقتصاد، ودرزي مكان أرمني في الصناعة، وارثوذكسي مكان درزي في المهجرين، في حين أُبقي على التوزيع الطائفي نفسه للحقائب السيادية ولا سيما المال التي احتفظ بها المكوّن الشيعي (استُبدل يوسف خليل بالنائب السابق ياسين جابر) والداخلية (بقيت مع الوزير بسام مولوي). إلى جانب ما أثير عن عدم التوازن في توزيع الحقائب الوازنة التي مالت دفّتها للحصة السنية.

«عبوة الطاقة»... وحرب البيانات

وترى الأوساط أن الاعتراض من عون هو مزيجٌ من كل هذه المآخذ، وسط تَرَقُّبٍ لآفاق «شد الحبال» المرشّح لأن يشتدّ، وإن من ضمن ما يعتبره خصوم العهد «مناوراتٍ» للإيحاء بأن المسؤول عن التعطيل هو الرئيس المكلف «الذي قدّم تشكيلةً لتُرفض لأنه لا يريد حكومة قبل نهاية العهد» بحسب ما نقلت قناة «أو تي في» (التابعة للتيار) عن مصادر نيابية.

ودعت هذه الأوساط، إلى رصْد إذا كان الهدف الأعلى للتيار الحر «حماية» وزارة الطاقة على غرار ما حصل إبان تشكيل الحكومة الأخيرة لميقاتي، أم أن كل حسابات الاستحقاق الرئاسي لن تتأخّر في أن تطفو على سطح المكاسرة الحكومية، في ظل انطباعٍ بأن الرئيس المكلف لن يتراجع في ما خص حقيبة الطاقة التي يتولاها «التيار الحر» منذ أكثر من عقدٍ وتُعتبر «الثقب الأسود» في الواقع المالي.

وقد كشف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قبل أيام في معرض تفنيده الفجوة في «المركزي» أنه بين 2010 و2021 «الاستيراد للمحروقات المتعلقة بالطاقة وشركة الكهرباء صُرف لها 24 ملياراً و537 مليون دولار فريش».

وبأي حال رأت المصادر نفسها أن تبادُل الاتهامات بين فريقيْ عون وميقاتي حول تسريب التشكيلة التي قدّمها الرئيس المكلف، عَكَسَ «قلوباً مليانة» ولا سيما أن العهد الذي شارف على نهايته يستشعر بأنه بات «مُطوَّقاً» حتى من أطراف في الائتلاف الحاكم يستعجلون حلول 31 أكتوبر، لدرجة أن كل المؤشرات تدلّ على أن رئيس البرلمان نبيه بري سيفتتح جلسات انتخاب رئيس جديد في أول المهلة الدستورية (1 سبتمبر المقبل)، وأن كل الحسابات في الملف الحكومي تحصل بما يخدم عدم تعزيز فرص الفراغ، ولو اقتضى ذلك بقاء حكومة تصريف الأعمال حتى حلول «الزمن الرئاسي»، علماً أن «حزب الله» يُطْلِق إشاراتٍ إلى أنه يفضّل تأليف حكومة رغم انطباع مصادره بأن دون هذا الأمر تعقيدات جدية.

وكانت «منازلة البيانات» بين الرئاستين الأولى والثالثة، بدأت مع إعلان مستشار الرئيس المكلف فارس الجميّل، أن تسريب المسودة الوزارية «معيب والرسالة وصلت»، ليردّ عليه مستشار رئيس الجمهورية أنطوان قسطنطين بتغريدة كتب فيها: «التذاكي رداء يرتديه الغباء فيزداد عرياً»، بالتوازي مع تشديد مصادر بعبدا على أنّ «القصر الجمهوري ليس مصدر تسريب التشكيلة وليس من عادة دوائر القصر اعتماد هذا الأسلوب».

وبعدها صدر عن المكتب الإعلامي لميقاتي بيان ذكر فيه: «على أثر الضجة التي أثارها تسريب بعض المحيطين برئيس الجمهورية مسودة التشكيلة الحكومية التي سلمه إياها الرئيس ميقاتي، عمد (مَنْ نفى التسريب) الى توزيع خبر عبر أحد المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الإجتماعي مفاده بأن الفريق المحيط بالرئيس ميقاتي هو من سرّب المسودة. يهمنا التوضيح أن أسماء من سرّب التشكيلة ومن سربت إليه من الصحافيين معروفة وموثقة بالوقائع والأدلة. إن القصد من تسريب التشكيلة واضح للعموم، والرسالة وصلت، ونعلن وقف السجال لإنجاح السعي الحثيث لتشكيل الحكومة».

ومن خلف غبار «حرب البيانات»، قدّم ميقاتي مؤشراً إضافياً إلى أنه ماضٍ في تفعيل دوره كرئيس لحكومة تصريف الأعمال، وشارك أمس في اجتماع لجنة المال والموازنة النيابية خلال مناقشة مشروع قانون موازنة 2022، وشرح للنواب الخطة الاصلاحية التي أعدّتها الحكومة وارتكز عليها الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي وتستوجب إقرار مجموعة إجراءات مسبقة عبر البرلمان.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي