No Script

البنوك تفضّل الكويتي ولو براتب أكبر ومسمّى أعلى

حرب مصرفية صامتة لاستقطاب... «الغترة والعقال»

تصغير
تكبير

- «المركزي» خسر آخر 4 سنوات أكثر من قيادي استحوذت عليهم بنوك بضعف القيمة
- موظفو الخدمات المالية والمصرفية والأتمتة الأكثر تعرّضاً للمغازلة من المنافسين
- نطاق التنافس على تكويت الوظائف الأكثر طلباً يشمل شركات الاستثمار والمدقّقين
- مع تنامي عنصر الأجر باستمرار لم يعُد رضا الموظف الشخصي دافعه الوحيد للولاء
- بعض الكفاءات المصرفية والمالية الناشئة قرّرت ركوب موجة التحسّن الوظيفي السريع
- مزايا العمل بالحكومة تُضعف قدرة القطاع الخاص على المنافسة لاستقطاب المواطنين
- التسرّب أحد أبرز سموم التوظيف بالشركات لاسيما التي لا تقوى على صدّ عروض الهجرة
- 17 ألف موظف يعملون بالقطاع المصرفي 76 في المئة منهم كويتيون

تشهد البنوك منذ فترة صراعاً صامتاً على استقطاب العمالة الوطنية، خصوصاً الأكثر طلباً، ما أدى إلى استحداث تعديلات غير مستحقة في بعض الأحيان على سلم الرواتب المصرفية الممنوحة للمواطنين، في محاولة للمحافظة على نسب العمالة الوطنية المستهدفة، ورفع كفاءة منافستها محلياً.

وفي هذا الخصوص كشفت مصادر مصرفية لـ«الراي» أن الطلب المصرفي على موظفي الخدمات المصرفية والمالية، والمتخصصين بأعمال التقنية والأتمتة تضاعف عموماً، خلال الفترة الأخيرة، مدفوعاً بزيادة الحاجة إليهم أكثر من أيّ وقت مضى، فيما تكتسي وظيفة رئيس وحدة التخطيط الإستراتيجي والمتابعة في البنك أهمية خاصة مع إلزام بنك الكويت المركزي المصارف بتأسيس وحدة يرأسها كويتي أو كويتية.

تسيير الأعمال

وما زاد أهمية هذه الشريحة الوظيفية جهود البنوك السريعة في التحوّل نحو الرقمنة، والتوسع محلياً في تطبيق الحوكمة، في وقت لوحظ فيه انخفاض المعروض من هذه الشواغر قياساً بالمطلوب منها بالقدر الذي يُمكن أن يُمكّن البنوك من الحفاظ على قدراتها التنافسية المشتعلة بالكويت.

وأشارت المصادر إلى أن صانعي السياسة المصرفية أصبحوا على استعداد لدفع رواتب عالية للموظفين الكويتيين خصوصاً المرغوبين وظيفياً، لضمان تزويد مؤسساتهم بأكبر قدر لازم لتسيير أعمالهم، وتعزيز تفوقهم في التنافس المصرفي على التكويت.

وقدرت المصادر، إجمالي موظفي القطاع المصرفي بنحو 16.5 ألف، فيما تلفت البيانات المعلنة إلى أن متوسط نسبة العمالة الوطنية ارتفع في البنوك المحلية كافة من 34.9 في المئة بـ2000 إلى 76 في المئة نهاية 2021، وارتفع إجمالي العمالة الوطنية العاملة بالبنوك الكويتية من 1543 عاملاً في 2000 إلى 9859 نهاية 2021، بمعدل نمو سنوي متوسط 9.2 في المئة، بينما ارتفع إجمالي العمالة الوطنية بفروع البنوك الأجنبية من 112 عاملاً في 2008، إلى 312 نهاية 2021.

ويبلغ عدد النساء الكويتيات العاملات بالقطاع المصرفي 4074 يشكلن 82.3 في المئة من عدد النساء العاملات بالقطاع، ويبلغ عددهن بالبنوك الكويتية 3970 من 4810 عاملات بنسبة 82.5 في المئة.

ونوّهت المصادر إلى أن بعض البنوك لجأت في الفترة الأخيرة إلى تقديم عروض سخية لموظفين في بنوك أخرى ولاسيما من الكويتيين، وأن هذا السلوك تنامى أخيراً، خصوصاً في ما يتعلق بالوظائف الأكثر طلباً لديها، في محاولة لاستمالة مزيد من الموظفين المتاحين للهجرة، سواء المناسبين لاحتياجات العمل لديها، أو لسد شواغرها.

تكلفة التكويت

وأوضحت المصادر أن هذه الحالة قادت لتنقلات سريعة بين موظفي البنوك وتحديداً من الكويتيين، لدرجة أن بعضهم لم يستمر في وظيفته سوى أشهر بسيطة قبل انتقاله للعمل في مصرف آخر، بمسمى وراتب أعلى، رغم أن خبرته الوظيفية أقل عادة من المسمى الذي حصل عليه، وكذلك الراتب.

وبيّنت المصادر أن عدداً من المصرفيين الكويتيين حصلوا على زيادات برواتبهم وترقيات منذ اشتعال المنافسة عليهم أكثر من أيّ فترة مقابلة حتى إذا تم القياس زمنياً بما قبل تداعيات جائحة كورونا.

وأشارت إلى أن التنافس على استقطاب الموظفين الكويتيين وصل لمرحلة تؤثر على استقرار الهيكل الوظيفي لبعض البنوك، كونه يندرج ضمن السموم الوظيفية التي باتت تؤثر على أداء بعض الإدارات والمستهدف منها. فمن ناحية تواجه البنوك بسبب هذا الزخم الوظيفي، ارتفاعاً مصطنعاً بتكلفة تكويت كثير من وظائفها، تحت ضغط الاستحواذ على الموارد البشرية بالنسب المستهدفة، حيث يستخدم جزء كبير من المصارف أسلحة المكافآت الأكثر كرماً، من الممنوحة حتى لديها لموظف مشابه القدرات والخبرة وسنوات العمل، ما دام العرض يضمن انتقال موظف كويتي جديد لها، خصوصاً من الفئة الوظيفية التنفيذية والفنية المطلوبة.

طلب العمالة

ومن جهة أخرى وخلال تنافسها على «الغُترة والعقال»، تنكشف بعض البنوك اضطرارياً على مخاطر عدة، لعل أبرزها خسائر الولاء الوظيفي، حيث يزداد مع ذلك تسرب موظفيها ليحصلوا على القفزة الوظيفية السريعة في مسيرتهم المهنية، ما يُساهم في عرقلة نمو الثروة البشرية للحدود المأمولة.

ومن مفارقات هذه الحالة أن طلب العمالة غير الماهرة لم يتراجع بشكل فعلي مع ذلك، بل تقدم في عدد من المجالات، وتعزو بعض التحاليل سبب هذا التباين إلى ازدياد القيمة الوظيفية للعنصر الكويتي لدى البنوك.

فمصرفياً لم يعد الاحتفاظ بالعمالة الوطنية وتعزيز الولاء الوظيفي، يتوقف بشكل أساسي على معدل الرضا الشخصي، وإنما هناك دافع مستجد يُغذي شهية انتقال الموظف من جهة لأخرى، ويتعلّق بتنامي عنصر الأجر المالي باستمرار، بمجرد الهجرة من بنك لآخر.

كما أنه في ظل التقلبات الكبيرة وظيفياً بين البنوك، يتكيف غالبيتها بمنح مزيد من المغريات التنافسية تجنباً لخسارة بعض الكفاءات المصرفية والمالية الناشئة التي قررت ركوب موجة التحسّن الوظيفي السريع، ما يخل بمبدأ المنافسة الصحية بين المصارف على الكوادر البشرية من المواطنين.

صعوبات كبيرة

وحتى بنك الكويت المركزي ومثله العديد من المؤسسات الرقابية يواجه صعوبات كبيرة في استقطاب مزيد من الكفاءات الكويتية إليه، وأحياناً في الحفاظ على بعضها، فبمجرد ظهور مؤشرات على تفوّق موظف ما لديه خصوصاً بالمناصب الوسطى والتنفيذية، تنهال عليه العروض من بنوك تسعى لتعزيز هيكلها الوظيفي بالخبرات الوطنية.

وبالطبع لا يستطيع «المركزي» مثل غيره من المؤسسات الرقابية مجاراة المغازلة المصرفية لموظفيه في كل الحالات، بحكم تقيّده بسلم رواتب ومميزات وظيفية حكومية، وهو ما حدث بالفعل آخر 4 سنوات مع أكثر من قيادي بـ«المركزي» استحوذت عليهم بنوك بضعف القيمة بخلاف «البونص» المغري.

وعملياً لا تُشكّل المصارف استثناءً في تنافسيتها على استقطاب الكوادر الوطنية بالقطاع الخاص، فرغم أنها تُشكّل الوعاء الأكبر في ملء خطط الدولة لتوطين الوظائف إلا أن هناك قطاعات أخرى تواجه مثل هذه التحديات.

سبب رئيس

ويأتي في مقدمة هذه الكيانات شركات الاستثمار وتدقيق الحسابات الملزمة بنسب تكويت محددة، في وقت تضيق على تلك الشركات فرص الاختيار المناسبة لأعمالها وهيكل رواتبها، ما يجعلها عرضة باستمرار للتسرّب الوظيفي من بعض الكويتيين، خصوصاً إذا كان دوامها يستلزم عدد ساعات عمل أكثر وتدفع رواتب تناسب نموذج أعمالها، والذي هو على الأرجح أقل من المعدلات التي تمنحها البنوك الأكثر طلباً للموظف الكويتي.

ولا يُعد سراً القول إن المغريات الحكومية تُشكّل سبباً إضافياً في زيادة تعقيدات سد القطاع الخاص لاحتياجاته من المواطنين، ولعل هذا السبب الرئيس الذي دفع مجلس إدارة الهيئة العامة للقوى العاملة إلى الطلب من مجلس الوزراء تأجيل خطط زيادة نسب التكويت المقررة في القطاع الخاص.

فعدم قدرة مؤسسات وشركات عدة على تحمل كلفة المنافسة الحكومية القوية لها في اجتذاب الكويتيين، عطّل جهوزية شريحة واسعة من شركات القطاع الخاص لزيادة نسب المواطنين لديها، في وقت لم تُخف فيه شركات مستوفية للنسب المطلوبة منها لتوطين العمالة مخاوفها من عدم التكافؤ مع الحكومة في توطين الوظائف مستقبلاً إذا استمرت الحكومة في نهجها التوظيفي السخي المليء بالعطلات الطويلة والمكافآت، وآخرها شراء رصيد الإجازات من موظفي جهاتها المختلفة ناهيك عن عدم تناسب مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل الحديثة.

الاستثمار البشري

وقالت مصادر مصرفية مسؤولة إن المستهدف الأسمى لحراك توطين العمالة الكويتية، ضمان الهجرة العكسية للمواطنين من القطاع الحكومي إلى القطاع الخاص وإحلالهم محل المقيمين على أن يكون ذلك ضمن مسار صحي يوفّر كنزاً دائماً من الكفاءات الوطنية في الشركات والمؤسسات من خلال بناء عملية تعاقب وظيفي فعّالة.

وبمعنى آخر فإن زيادة الاستثمار في الكوادر البشرية الوطنية والمنوط بها إدارة الشركة مستقبلاً، مطلب مستحق بل ومزمن، إلا أن التنافس عليها بطريقة غير صحية يُضعف الفوائد المرجوة من استثمارها، والقدرة على تنميتها، لذا تجد شركات عدة تُعاني بسبب عدم قدرتها على ضمان الاستقرار الوظيفي وسط المغريات التنافسية في محيطها من تهديدات الشواغر، حيث ستكون مضطرة في هذه الحالة لمجاراة التنافسية الوظيفية أو قبول التعرّض لأزمة شواغر، أخذاً بالاعتبار أنه ورغم أن هذا النمط حديث نسبياً في الإدارة إلا أنه ينطوي على تحديات كبرى لشركات ومؤسسات عدة بالقطاع الخاص.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي