No Script

أضواء

أسنان الزعيم لومومبا

تصغير
تكبير

لفت انتباهي خبر إعادة أسنان «باتريك لومومبا»، حيث أقيمت مراسم خاصة لتسليم الأسنان لأسرة لومومبا أول من أمس، في العاصمة البلجيكية بروكسل، الأمر الذي دفعني إلى معرفة قصة صاحب هذه الأسنان، ليتضح أنه كان بطل استقلال الكونغو من الاستعمار البلجيكي وأول رئيس وزراء بعد الاستقلال تم اغتياله عام 1961، من قِبل السلطات البلجيكية، وتمت إذابة جثته في حمض ولم يتبق منها إلا سن واحدة احتفظ بها شرطي بلجيكي اعترف في ما بعد بتورطه في إخفاء جثته خلال الستة عقود الماضية.

بعد ستين عاماً اعترفت السلطات البلجيكية بالجريمة وتفضّلت بتسليم «سن» لومومبا إلى أسرته، بل وباستخفاف مقزز، طلبت من شعب جمهورية الكونغو الديموقراطية المغفرة ونسيان تلك الحقبة الاستعمارية السوداء التي تفنّن فيها ملك بلجيكا ليوبولد الثاني، باتباع أبشع الوسائل من أجل الإسراع في جمع الثروة لنفسه، حيث قام بتسخير غالبية رجال الكونغو - بعد عزلهم عن نسائهم - في جمع المطاط والعاج في ظروف صحية قاسية وبلا رحمة، وأبقى الشباب في ممارسة الزراعة والصيد، وفرض عقوبة بتر الأيدي لردع أي محاولة للتمرّد على أوامره.

لكن الحياة تدهورت في الكونغو وعمّت فيها المجاعة والأمراض وزادت الوفيات، وتدنّت معدلات الولادة إلى مستويات خطيرة، وأدى ذلك إلى انخفاض تعداد السكان من العشرين مليوناً إلى ما يقارب العشرة ملايين بين عامي 1880 - 1920.

لم يكن ليوبولد الثاني، المتهم الرئيسي وحده في مأساة شعب الكونغو وإن كان هو صاحب فكرة الاحتلال، بل شاركه فيها رجال الأعمال الباحثون عن الثروة وصيادو الكنوز، والكنيسة الكاثوليكية التي فقدت رسالتها الإنسانية عندما لعبت دوراً كبيراً في دعم سياسة الاحتلال القمعيّة وفرض الديانة الكاثوليكية على شعب الكونغو لتمهيد تبعيته للدولة البلجيكية ذات الغالبية الكاثوليكية.

معاناة الشعب الكونغولي تحت الاستعمار البلجيكي هي نموذج من نماذج المعاناة التي مرّت بها شعوب كثيرة وقعت في قبضة الاستعمار الغربي، ومنها الشعوب العربية والإسلامية. وما يزيد من وطأة تلك المعاناة رفض الدول الاستعمارية تقديم اعتذار رسمي عن الجرائم التي قامت بارتكابها، وعمليات نهب الثروات، تهرّباً من سداد فاتورة التعويض المستحقة لتلك الشعوب المستعمرة، علماً بأنها دول غنيّة متخمة بثروات تلك الشعوب، وبإمكانها السداد، وما تدفعه من تعويضات سيعود بالفائدة على اقتصاديات تلك الشعوب التي تعاني الفقر والفاقة، وسيساهم في رفع المستوى المعيشي للفرد فيها، لكن تمنّعهم عن ذلك يكشف عن أنانيّة الدول الاستعمارية التي مسخت وحوشاً ومصاصي دماء، واعتادت العيش برفاهية على معاناة البشرية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي