انتهت بسلام جلسة الأربعاء الماضي المخصصة للمداولة الثانية لقانون إسقاط فوائد القروض الاستهلاكية بموافقة 35 نائباً ومعارضة 22 صوتاً. الحكومة الآن، وبعدما أضحت في وضع لا يُحسد عليه، أخذت تبحث عن السبل لعرقلة المشروع لعدم إيمانها بصحة وسلامة القانون لأسباب عدة ذكرها وزير المالية مصطفى الشمالي في الجلسة. فهل التبريرات التي ساقها الشمالي في محلها؟
بصراحة يمكن الرد على تبريرات الشمالي بدراسة بحثية متأنية قد لا تكون المساحة الصحافية المكان المناسب لها، لكن سأحاول المناقشة بإيجاز شديد تتناسب مع موقعها هنا. وسأبدأ بطرح السؤالين التاليين: هل الحكومة تتحمل مسؤولية «المتضررين» من سياستها النقدية؟ وهل صندوق المعسرين الحل الأمثل؟
السؤال ما إن كانت الحكومة تتحمل المسؤولية من عدمه أصبح مفروغاً منه الآن، هل تعلمون لماذا؟ لأن الحكومة أقرت على نفسها بالخطأ واعترفت حينما وافقت على تأسيس صندوق المعسرين. فتأسيس الصندوق جاء على خلفية اعتراف الحكومة بالذنب وللتكفير عما جنته يداها. الجديد في الأمر أن ذرائع الحكومة التي ساقتها الأربعاء الماضي بوجه القانون الجديد يمكن رفعها بوجه صندوق المعسرين كذلك.
أقصد أن الحكومة تقول إن القانون الجديد يكرس سلوكاً سلبياً لدى عملاء المصارف، كما أنه يضيف أعباء جسيمة على البنك المركزي، وهما بندان لم أرَ كيف تجاوزتهما الحكومة بصندوقها، فالحال كما هو قائم هنا قائم هناك! حتى مبدأ المساواة والعدالة المخالف للدستور، حسب ادعاء الحكومة، حتى هذا المبدأ لم يتحقق في الصندوق على اعتبار أنه كان بالسابق متعثرون وسيتعثر الكثير في المستقبل، فأين المشكلة في القانون الجديد (أو أين الحل في الصندوق)؟
طيب لنترك السؤال الأول وننتقل إلى الثاني ونسأل: هل هذا الصندوق المخصص للمتعثرين هو الحل الأنسب؟ الجواب ببساطة لا، فهل تعلم لماذا؟ لأن الحكومة حينما أسست الصندوق أقامته فقط لإنقاذ المتعثرين المتضررين من سوء إدارة البنك المركزي. وإن كان هذا الواقع، نسأل إذاً: ما ذنب من اقترض وتضرر ولكنه وفي الوقت نفسه لم يتعثر؟ فلِمَ تنقذ الحكومة الأول، في حين تترك الثاني لمصيره؟ ألا يقتضي الإنصاف أن يُرَد للجميع حقوقهم سواء تعثر المقترض أم لم يتعثر وسدد أقساطه رغم الظلم الواقع على رأسه؟ ألا يجد السيد وزير المالية في ذلك بأن صندوق المعسرين تشوبه المثالب الدستورية نفسها التي يعاني منها قانون شراء الفوائد، طالما أنه ينتهك مبدأ المساواة والعدالة بين المواطنين المتضررين «الأصحاء» وإخوانهم المتضررين «المتعثرين»؟
لكن توجد لفتة ضرورية لابد من قولها، وهي وإن كانت للمعسرين والمتعثرين كلمة حق تريد الحكومة بها الباطل، فإن عين المشكلة تقع على بعض النواب ممن يريدون أن يرفعوا من السقف ليشمل كل من اقترض سواءً تضرر من فترة سوء إدارة السياسة النقدية أو لم يتضرر. لهذا يجب أن ينصرف الحديث بدلاً من ذلك إلى ثلاثة جوانب: الأول حصر دائرة المتضررين حقاً، الثاني تحديد المدة الزمنية التي أخل فيها البنك المركزي وقصّر في وظيفة الرقابه على البنوك، والثالث تقييم دقيق للمبالغ المُهدرة أو الضائعة من جيوب المواطنين. بهذه الصورة يمكن حل المشكلة موضوعياً وأما ما دون ذلك فالتسيب وارد جداً.
د. حسن عبدالله عباس
كاتب كويتي
[email protected]