No Script

سافر إلى ذاتك

عن فهمنا للمشاعر

تصغير
تكبير

إن ترجمة المشاعر بشكل حقيقي رغم بساطة مفهومها ووضوحها عملية معقدة جداً، فنحن في بداية حياتنا نتعرف على الشعور ولكن لا نتعلم أن نُعبر عن الشعور بأريحية، دون فرض أقنعة عليه أو تشويه.

كما ان مع تراكم العملية السابقة سنجد أن وصف الشعور والتعبير عنه عملية أشد تعقيداً من الأولى، فنحن نعرف خوض الشعور والعيش بالمشاعر، ومعايشتها، ولكن كيف نصف هذه المشاعر ونعبر عنها ونصيغها بشكل يتناسب مع مستوى فهمنا ودرجة استيعابنا ومقدار شعورنا أمر ليس سهلاً للغاية، ليس لأننا لا نعرف بل لأننا فقدنا القدرة على طلاقة التعبير، نتيجة قيود الشعور لا تبكي أنت قوي، لا تتأثر بل اقهرهم، لا تعبر اصمت، لا تقول بل توجع وغيرها الكثير.

حتى نصل إلى أننا لا نبكي لا نعلم أن الحزن يحتاج دموعاً، ولا نستطيع التعبير عن الألم لأن تعلمنا أن الألم مكبوت، وتكبت المشاعر وأوصافها بشكل تراكمي داخلنا نفقدها بالكامل هي وشعورها والقدرة على وصفها.

لذلك يأسرنا ذاك الشخص الذي يقول كلمة غصصت لغوياتنا في التعبير عنها، واحتارت مشاعرنا في تصنيفها، وعجز عقلنا على التعرف عليها، لأننا لا نعي ذاك البعد الادراكي بين ما نشعر وما شعرنا، وما يترتب عليه بماذا سنشعر بعد ذلك، ولأن عالم المشاعر يكاد يكون من أعقد العوالم وأكثرها تفاصيل وأعمقها أثراً، أصبحت تسمية الأشياء بمسمياتها في الحدث لا تعني الحدث بل تعني شعور الحدث، وأثر الحدث، وعمق الحدث أمر بالغ الأهمية ليتم تصنيف الشعور الصح بمصنفات توابع الشعور ومعرفة كيفية حل هذه التوابع.

كما أن إعادة تسمية الآلام والأوجاع لخبرات ودروس وتجاوزات تغير معنى الأثر رغم تشابه الموقف في حياتنا، وهذا ما حدث مع ابنة الأربعين التي جاءتني تعبر عن فراغ حياتها، وتوقف عالمها من التطور، وغياب الشركاء في المشهد اليومي من يومها، ومعاناتها مع الوحدة والانكسار والشكوى، كانت ساردة بالشرح تبحث عن معنى يعبر عن وحشتها مع نفسها، وعن فقدان قدرتها على استشعار الحياة، وكل تعبير كانت تقوله كانت تشعر بالخذلان منه أكثر وأكثر لأنه لا يحمل ما تحمله في قلبها، ولا يصف ما تشعره بشكل دقيق، ولا ينصف ما تعانيه بالضبط.

وبعد استماع طويل لها وصمت مليء بالتركيز، أخبرتها أنتِ لا تعانين الوحدة بل تعانين فقدك لذاتك، تعانين من عدم تعرفك على ماذا تريدين ولا تملكين القدرة على ترجمة ما تشعرين، فتحفظين عبارات أربعينية قبلك، وتسمعين ما حفظتي لعل ذاك الحفظ يعرفك على ما تجهلين بذهول وسعادة.

أخبرتني، نعم نعم نعم، لا أعرف كيف أصف ما أنا به، لكن توقعت أن من هذا الكلام المتداول أعرف وصف ما أشعر أو استشعر ما لا أستطيع أن أوصفه بشعور لا مسمى عندي له، ولا وجود لفظي أملكه للتعبير عنه كل ما أعرفه.

أنني لا أعرف ما أود أن أقول.

فسألتها 3 اسئلة ماذا يعني لك الزواج، قالت فرص ضائعة وفرص مقبلة مخيفة، وماذا تعني لك الحياة ؟ قالت لا وجه ولا توجيه. وماذا تعنين لنفسك؟ قالت، لا أعرفها لأعني لها وتعني لي.

فقلت لها لنجيب عن الأسئلة السابقة لنوضح ما نشعر، حددي مشاعرك للزواج دون خبرات صديقاتك، وتلقين أحبابك، وصدمات تجاربك، تصالحي مع مشاعره ثم عرفي الحياة لك كما تحبين أنتِ، ثم تعرفي على نفسك بما تتقنين وترغبين وتفضلين، لا كما أنتِ به الآن وما وصلتي به الآن، انجازاتك المخالفة لحقيقتك هي انجازات ليست جوهرية بل شكلية لا أكثر، ابحثي عن الانجاز الذي يشبهك ويعبر عنك، ومن اليوم اكتبي ما تشعرين بالضبط بورقة قبل النوم، ستجدين نفسك ستبدئين تسمين المشاعر بأسمائها، دون أن تشوهينها أو تغيرينها أو تبدلين شعورك تجاهها، ستفهمين نفسك حينها وستفهين ما تودين، ثم ارجعي وأجيبي عن كل ما سبق.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي