السفير الأميركي السابق يفتح خزينة ذكرياته ويكشف تفاصيل من فترة التحرير
إدوارد غنيم لـ«الراي»: لستُ خائفاً على مستقبل الكويت


- قابلت سمو الشيخ مشعل الأحمد قبل سنوات ووجدته حكيماً ويعرف حقيقة الأوضاع بالنسبة للدولة
- لسوء الحظ الكويت لم تستفد بعد من كل الفرص التي تستطيع تحقيقها
- سمو الشيخ سعد العبدالله كان نقطة الاتصال التي أرجع لها لإيصال رسائل واشنطن خلال الغزو
- كان هناك تخوف من ألا يتم تحرير الكويت وكانت وظيفتي هي التأكيد الدائم على أنه سيتم
- كنت الوحيد غير الكويتي الذي يسكن فندق الحكومة الكويتية في الطائف
- لم نتوقع عودة تلك الأعداد الهائلة من الكويتيين في السعودية بعد التحرير مباشرة
- الكويتيون الذين لم يغادروا البلاد خلال الغزو قدموا معلومات استخباراتية للجيش الأميركي
- من يقل لي إن أميركا لن تعتمد على النفط الخليجي أقل له أنت لا تفهم السوق العالمي
- أحب المجبوس كثيراً لطن يظل الزبيدي هو عشقي وطبقي المفضل
- نصف قلبي في الكويت... ونصفه الآخر في أميركا
ويسألونك عن إدوارد غنيم، قل سأخبركم بعضاً من حكاياه التي لا تنضب وذكرياته التي فتح جانباً من خزائنها لـ«الراي».
بلسان المحب لا بلسان الديبلوماسي، تحدث السفير الأميركي السابق لدى الكويت الذي بدأ عمله سفيراً للولايات المتحدة في وقت كانت الكويت تعيش ويلات الاحتلال العراقي الغاشم، فبدلاً من أن يباشر عمله من سفارة بلاده في الكويت اتجه إلى الطائف في المملكة العربية السعودية الشقيقة، حيث كان العمل المتواصل من قبل الحكومية الكويتية في سباق مع الزمن لاستعادة الكويت وتحريرها من براثن العدوان الآثم.
غنيم الذي يعد أحد كبار مهندسي العلاقات الأميركية - الكويتية، والذي عمل كأستاذ لكرسي الكويت في «جورج واشنطن»، قالها بصراحة «نصف قلبي في أميركا والنصف الآخر في الكويت»، معترفاً بأنه «أحب المجبوس كثيراً، لكن يظل الزبيدي هو عشقي وطبقي المفضل، وهو ما يجعلني أعود للكويت مراراً ومراراً».
«أبو تيد» الديبلوماسي المخضرم ذو الـ78 ربيعاً، أكد أن ابنه تيد عمل في الكويت لعامين بعد تخرجه، في إحدى شركات القطاع الخاص، ثم عاد للعيش في موطنه.
وفي ما يلي نص الحوار مع غنيم، الأميركي المولد الكويتي الهوى:
• بدأت علاقتك بالكويت في ظل أحداث كبيرة، كيف كانت بداية عملك كسفير لدى الكويت؟
- عندما تم تعييني سفيراً للولايات المتحدة الأميركية وصلت للطائف في 21 أغسطس، وكانت هناك الحكومة الكويتية تعيد ترتيب الأوراق وبقيت في الطائف حتى أتيت الكويت بعد يومين من التحرير. وقبل ساعة التحرير كان كل جهدي منصباً على تأكيد أن الكويت سيتم تحريرها.
• كيف وجدت الأجواء عند وصولك الطائف؟
- كنت الوحيد غير الكويتي الذي يسكن الفندق الذي ضم الحكومة الكويتية في الطائف، بينما كان الديبلوماسيون الآخرون يأتون للزيارة ثم المغادرة.
سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الذي كان يشغل وقتها منصب وزير الخارجية كان شديد النشاط وكان يعمل إلى جانب وزيري المالية والنفط لإدارة الأمور.
لقد كان هناك تخوف من ألا يتم تحرير الكويت، وكانت وظيفتي هي التأكيد الدائم على أنه سيتم التحرير.
وأتذكر أنني كنت أول شخص غير كويتي يجلس في اجتماع مجلس الوزراء الكويتي، ويستمع له أعضاء الحكومة حينما كنت أعرض عليهم خطة الحرب.
• في تلك المرحلة، ما تفاصيل الأدوار التي قام بها سمو الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله الذي كان يشغل منصب ولي العهد ورئيس الحكومة حينذاك؟
- لقد لعب سمو الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله دوراً مهما جداً خلال تلك الحقبة، واتخذ القرارات التي كان يتعين اتخاذها آنذاك وتبيّنت صحتها في ما بعد.
وكان سموه نقطة الاتصال التي أرجع لها في حال طُلب مني من واشنطن إيصال رسائل معينة، وكنت اتلقى منه التعليمات في كيفية معالجة بعض الأمور، أو يخبرني أنه سيتولى هو معالجتها بنفسه، وأتذكر أنه كان دائماً مستعداً لمقابلتي في أي وقت على مدار الساعة.
• كيف وجدت المشهد بعد تحرير الكويت؟
- كان هناك بعض المشكلات التي توقعناها، والأخرى التي لم نتوقعها. وكانت من بين الأمور الكبيرة التي لم نتوقعها عودة أعداد هائلة من الكويتيين في السعودية وغيرها من الدول الخليجية بعد التحرير مباشرة عن طريق البر.
لقد كنا نعتقد نحن والجانب الكويتي أن قرابة 300 ألف شخص سوف يعودون، لكننا وجدنا أن العائدين قرابة 600 ألف شخص، أي الضعف، بسبب فرحة العودة للوطن، وقليل منهم كان يدرك حجم الدمار الذي حلّ بالكويت وما خلفه الاحتلال العراقي، نعم كانوا يقرأون عن هذا الدمار في الصحف لكنهم لم يتيقنوا منه إلا عندما شاهدوه بأنفسهم.
لقد أبلى أولئك الذين لم يغادروا الكويت خلال فترة الغزو بلاء حسناً، وقدموا معلومات استخباراتية للجيش الأميركي، وأود أن أوجه لهم التحية لأنهم عرضوا أنفسهم للخطر.
• ماذا عن دور الرئيس الأميركي الراحل جورج بوش الأب؟
- لقد لعب دوراً مهماً للغاية، والرائع في شخصيته أنه كان يهتم كثيراً بالناس وكان مصمماً على تحرير الكويت، واستطاع إنشاء تحالف دولي بالتعاون مع الأمم المتحدة من أجل هذا الغرض، وكم كنت محظوظاً أن أعمل تحت قيادته.
• ما رؤيتك لكويت ما بعد التحرير بعد عشرات السنوات من التخلص من الغزو العراقي؟
- أتيت الكويت مرات عديدة بعد التحرير، وقدومي للكويت نابع من حبي لها، فثمة حالة خاصة بيني وبينها.
• ماذا يتوجب على الكويت أن تأخذه في الاعتبار بالمستقبل، من وجهة نظرك؟
- ما يأتي في بالي الآن هو أن الكويت لا تريد أن تكون وحيدة، ولذلك فهي تنتهج سياسة خارجية منفتحة وتسعى لبناء العلاقات والصداقات وتدعم القانون الدولي، وأنا سعيد كون الكويت تفكر بهذه الطريقة، وتمتلك علاقات جيدة للغاية مع أميركا.
كما تلعب الكويت دوراً محوريا في القطاع النفطي العالمي، وهي لاعب راسخ محترف وحكيم. تاريخياً الكويت منطقة تجارية لكنها لسوء الحظ لم تستفد بعد من كل الفرص التي تستطيع تحقيقها وأشجعها على تلك الاستفادة، والكويت قادرة على صناعة قراراتها وهذا ما تفعله.
أولئك الذين يعيشون في دول ديموقراطية مثل أميركا وأوروبا، يدركون جيداً الحالة الكويتية.
• وماذا عن أولئك الذين يخافون على الكويت في المستقبل؟
- أنا لست خائفاً على مستقبل الكويت، وسأذكر لك السبب، فقد قابلت سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح منذ سنوات عدة عندما كان نائب رئيس الحرس الوطني، ووجدته حكيماً ويتفهم الوضع في الدولة وتأثرت كثيراً بآرائه وطريقته في التفكير، وهذا كان قبل تقلده منصب ولي العهد... ولهذا كنت فرحاً جداً عندما تولى ولاية العهد لأنني أعلم أنه سيتبع هذا النهج، ومن الواضح أنه يحمل على عاتقه الاهتمام الشديد بالكويت.
أود القول إن الكويتيين يعلمون أنهم كويتيون وهم فخورون بذلك.
• كيف كانت تجربتك كأستاذ لكرسي الكويت في جامعة «جورج واشنطن»؟
- عملت كأول أستاذ لكرسي الكويت في «جورج واشنطن» على مدار 18 عاماً، وظهرت خلال تلك الفترة عبر شاشات كبرى المحطات التلفزيونية بهذا المسمى، وأتمنى أن أكون قد نقلت صورة جيدة عن الكويت.
• هل تعتقد أن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بمنطقة الشرق الأوسط، وخاصة الخليج؟
- الكثير من الناس يقول ذلك، وأسمع هذا الحديث في كل مكان أذهب إليه، وأود التأكيد على أن هذا الكلام خاطئ تماماً، لا يمكننا أن ننكر أنه عندما يكون هناك أزمة مثل ما حدث في أفغانستان أو أوكرانيا، فإن الإدارة الأميركية ستركز عليها، لكن هذا لا يعني أن أميركا ليست مهتمة بالمنطقة... أنظر إلى التزامنا العسكري تجاه دول الخليج، فنحن لدينا تواجد عسكري كبير في الكويت مدعوم من الحكومة الكويتية، ودائماً عندما أسأل عن وضع القوات الأميركية في الكويت تأتيني الإجابة من الجانب الأميركي بأن الكويت رائعة... لدينا كذلك تواجد عسكري قبالة البحرين وفي قطر، فنحن نهتم كثيراً بهذه المنطقة والدول الخليجية مازالت مهمة بالنسبة لأميركا.
وعندما يقول لي بعض الأميركيين لن نعتمد على النفط الخليجي بعد الآن، أقول لهم أنتم لا تفهمون السوق العالمي.
• هل مازالت أميركا برأيك تحتفظ بمظاهر القوة التي عرفت بها قديماً؟
- أعتقد أن من يقول عكس ذلك يقيس على ما تم في أفغانستان والعراق، ولكنها قراءة خاطئة. نحن نملك اقتصاداً ضخماً ومازلنا دينامو عالمياً، بالتأكيد مع كون الصين مهمة.
عندما يريد أحدهم أن يستثمر، فإنه يتجه لأميركا حيث الأسواق آمنة والأرباح جيدة، فضلاً عن ما يتمتع به الجيش الأميركي من قوة.
ولكن للأسف نحن استخدمنا هذه القوة بشكل جعل الناس يصلون لما تفضلت وسألت عنه. ورغم كل ذلك أعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية لا تزال اللاعب الرئيسي في المشهد الدولي.
• هل من كلمة أخيرة ؟
أود القول إن نصف قلبي في الكويت التي لدي فيها العديد من الأصدقاء، والنصف الآخر في أميركا.
سفير البدو
تحدث غنيم عن رحلاته المكوكية لمقابلة الكويتيين في كل مكان، والتأكيد على الجميع وخاصة الكويتيين قبيل تحرير الكويت أن الوطن سيتم تحريره، لافتاً إلى أنه بسبب كثرة تنقلاته تم إطلاق لقب «سفير البدو» عليه، نظراً لعدم مكوثه في مكان واحد.
«نحن قادمون»
حكى غنيم عن زيارة له إلى البحرين قبيل تحرير الكويت، حيث تمت استضافته في برنامج «صباح الخير يا بحرين»، قائلاً: «عندما بدأ البرنامج استدرت للكاميرا لأوجه حديثي للكويتيين الذين يشاهدون التلفاز وأقول لهم: نحن قادمون نحن قادمون، والكويت سيتم تحريرها... لا تعرضوا أنفسكم للخطر. وعندما أتيت الكويت بعد التحرير ذكرني الكثيرون بما قلته وكيف أنها كانت عبارات مؤثرة».
شكوك متبادلة
تحدث غنيم عن شكوك متبادلة تكون مطروحة في العادة بين العسكريين من جهة والديبلوماسيين من جهة أخرى، لكنه استدرك بالقول: «هذه الشكوك لم تكن موجودة بالنسبة لي مع الديبلوماسيين الأميركيين، فقد كانوا يعرفونني جيداً وخاصة الجنرال نورمان شوارسكوف».
الحداق
عبّر غنيم عن حبه للحداق وركوب المركب من أجل الصيد في بحر الكويت، لافتاً إلى أنه قام بالصيد مرات عدة، وكان محظوظاً بما يكفي لقدرته على صيد سمك الهامور.
ورأى أنه من الضروري أن يكون لمن يعيش في الكويت صديق يمتلك مركباً لاستخدامه في الصيد من وقت لآخر.
فخور بسعد الطامي
عبّر غنيم عن فخره بالطالب الكويتي سعد الطامي الذي ألقى كلمة الخرّيجين في جامعة جورج واشنطن العريقة، وداعبه رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي جروجري ميكس قائلاً: «بما أنك قدمت برنامجاً للأطفال... أحتاج منك نصيحة أقدمها لنواب الكونغرس».
وأضاف غنيم: «لقد كان الطامي رائعاً وتحدث بطريقة رائعة وصلت إلى صميم القلوب، وقدّم الكويت كما لم أستطع أنا أن أقدمها».
معتاد على حرّ الكويت
أكد غنيم أنه معتاد على حرارة الجو في الكويت، خاصة أنه ولد في الجنوب الأميركي حيث الحرارة المرتفعة، وربما كان الوضع أفضل في الكويت لأن الرطوبة في الجنوب الأميركي أعلى من الرطوبة في الكويت.