No Script

سافر إلى ذاتك

مَن سرق عقلك؟

تصغير
تكبير

ان تعريف كلمة لص أو سارق هي أن يسرق احدهم مالك، أو شيئاً مادياً لك، كبيت، سيارة، محفظة أو موبايل، ولكن بعد ان جلست مع فتاة تبلغ الـ41 من العمر عرفت ان السرقة لها تعريف آخر، لم ندرسه في المدارس ولكن علمتنا اياه الحياة، واثبتته إلينا المواجع.

كان الوقت بعد يوم طويل من اللقاءات الكثيرة بأناس تختلف معاناتهم ختم ذاك اليوم مع تلك الاربعينية التي حدثتني عن والدها... كانت عبارتها كالآتي: «دكتوره توفي أبي اخيراً، لا تتصورين مدى فرحتي وسعادتي لوفاته، فهو كان سيئاً لحد انه لا بد ان يغادر حياتنا انا وامي». بذهول سألتها ألا تتألمين على فقدانه؟

بلا تردد، بل أتألم لانه عاش كثيراً وأذانا كثيراً واوجعنا بكثرة، أبي يا دكتورة، لم يتلفظ بكلمة جميلة في حواره مع أمي، ولم يحضني يوماً، في كل مراحل حياتي جعلني اشعر انني اقل من كل الفتيات، دائم الضرب لأمي، وبذيء اللسان معها، أمي كانت تستنجد بي كثيراً لانقذها من بين أيدي أبي، وكان يضربني معها، بسبب ومن دونه، أبي لم ارَ الأبوة معه، ولم اشعر بالحنان بوجوده، ولم يعطف عليّ ولم يعطني ابسط حقوقي، حتى اسمي الذي من حقي ان يسميني اسماً جيداً لم يكن لائقاً، أهانني منذ ولادتي إلى يوم وفاته، اعلم واعرف ستقولين ماذا اذا توفي أبوك... لكن المشكلة بدأت بعد وفاته اكتشفت ان أمي تحب المعاناة والقسوة وتبحث عمن يظلمها ويؤذيها، فصارت تفتعل المشاكل مع أي شخص ليظلمها ويسرقها وتشتكي عندي عنه، واكتشفت ايضاً انني اصبحت متوحشة مع الرجال من دون قصد مني، اصبحت ارى كل الرجال كأبي مؤذين مزعجين وموجعين، اهرب من كلمة زواج أو شريك حياة، واريد ان اموت وحيدة.

كنت اتابعها بصمت حتى انتهت، لتتوقف، ماذا افعل الآن ؟ كان هذا السؤال بداية الاسئلة داخلي، الآباء والامهات لماذا تدخلون ابناءكم في خلافاتكم، لماذا تسرقون عقولهم البريئة التي يجب ان تبنى على الابتكار والمحبة والسعادة والقيم وتهدمونها بمشاهد مزعجة لبصرهم وخادشة لمشاعرهم، لماذا تنجبون ان كنتم معذبين وغير قادرين على احتواء اطفالكم؟

الأم التي تبحث عن ظالم في حياتها، ما دخل ابنائك في شرح معاناتك لهم، طالما انت مستمتعة بالظلم، والأب المنفعل ما دخل مشاعر ابنائك بعدم توافقك مع زوجتك لماذا ولماذا ولماذا؟ الأسرة التي تسرق عقل ابنائها وتحجم تقديرهم لذاتهم وتؤذيهم سلوكياً ونفسياً إلى اين ستوصلون ابناءكم؟ ذلك الأب الذي سرق منها طفولتها الجميلة، وشوه عقلها بالقيم والمبادئ السامة عن الرجل، ما نوع الآباء أنت؟ وتلك الأم التي تدخل ابناءها بخلافاتها ومشاكلها مع الأب، أي قيم تزرعين في نفوس ابنائك؟ ان اللصوص ليسوا في الخارج فقط بل هناك لصوص يحبوننا ولكن يسرقون مشاعرنا وعقولنا.

لص، سرق منك انتماءك لذاتك، وأسرة جعلتك لا تحب صوتك أو كلماتك من كثرة التنمر، هؤلاء سرقوا منك ثقتك بنفسك، وايضاً هناك لصوص نواجههم يومياً في حياتنا، عن الصديق المزيف الذي يسرق وقتك، وآخر لا فائدة منه يسرق منك عمرك، وعن مظاهر كاذبة تسرق منك حقيقتك، وعن واجهات اجتماعية تلقنك تخصصك وتفرض عليك نوعية شريك حياتك، وعن الكثير من اللصوص في حياتنا الذين لا يدفع ثمن ما قاموا به سوى نحن، وتأثير ذلك علينا.

ماذا تفعل اذاً؟ اذا تمت سرقة نفسك وعقلك منه، راجع مختصاً لتصحيح الافكار المشوهة داخلك وتبنى منهج حياة جديداً بعد التصالح مع آلامك.

Instagram &Twitter @drnadiaalkhaldi

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي