No Script

رؤية ورأي

أزمة «شعيرة زكاة الفطرة»

تصغير
تكبير

البداية الحقيقية لأزمة «شعيرة زكاة الفطرة» ليست في حادثة التعدّي على الشيخ مهدي الهزيم، إمام مسجد الإمام الحسين عليه السلام، بل في تغلغل تيّارات إقصائية قمعيّة في المجتمع بالاستعانة بنوّاب ونشطاء من مختلف أطياف المجتمع، ومن خلال تضليل الرأي العام بقيم ومفاهيم مغلوطة كمفهومها الإقصائي القمعي لـ«النهج الوطني».

لذلك، الكثير منا نحن المواطنين – من أطياف المجتمع كافة – مساهمون في إعداد وإحداث الأزمة وشركاء في جريرتها، عبر تبنّي أو تقبّل «النهج الوطني» الإقصائي القمعي، وتأييد أو تجاهل تشريع قوانين وإصدار قرارات إقصائية قمعيّة، ومن خلال تشجيع – أو التساهل مع – من ساهم في إقرار وإنفاذ تلك القوانين والقرارات. والأمثلة كثيرة، ولكنني سأكتفي بالإشارة إلى قانون الزكاة.

معظم المدافعين عن الحقوق الدستورية لم يسمعوا أو سمعوا ولم يستنكروا خبر تشريع مجلس 2006 قانون الزكاة بأغلبية ساحقة رغم تعارضه الصارخ مع المادة (35) من الدستور، وتحديداً الشق الثاني منه الذي ينص على أن «تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقاً للعادات المرعية، على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب».

وجل المطالبين بتطبيق الدستور، لا يعلمون أن الجهة المُلزَمة بهذا النص هي الدولة كاملة، بسلطاتها الثلاث، وليست الحكومة منفردة؛ وأن مستوى الإلزام أعلى من مجرد السماح بممارسة شعائر الأديان، لأنه يشمل واجب «حمايتها» من المبادرات والضغوط المحلّية والخارجية المطالبة بتقييدها.

ولم يلاحظوا أن هذه المادة الدستوريّة أطلقت الحرّيّة الدينية من أن يتم تنظيمها بقانون، بعكس حرّيّات دستورية أخرى كحرّيّة الرأي والبحث العلمي التي كفلتها المادة (36) ولكن «وفق شروط وأوضاع يُبيّنها القانون».

ولم يدركوا أنه لا يَصح دستورياً تشريع قوانين أو إصدار قرارات تَنتهك الآفاق الدستورية للحريّة الدينية، وأنه لا يليق بدولة المؤسسات أن تقاضي مخالفي قوانين وقرارات غير دستورية.

ولم يفطنوا إلى أن الخيار الحضاري الدستوري المتاح لتغيير الأمور التنظيمية المرتبطة بآفاق الحريّة الدينية هو مشاورة أهل الاختصاص من جميع الأطياف المعنيّة للخروج بحلول توافقيّة «بالإجماع».

هذا التستّر على فساد السلطتين التنفيذية والتشريعية في ملفات الحرية الدينية، وعلى خروقاتهما الآفاق الدستورية للحرية الدينية، حصاد مشروع منظّم ومستدام منذ مجلس 1981، نواته التيارات الإقصائية القمعية، وأذرعه وأدواته نوّاب ونشطاء – من مختلف أطياف المجتمع – متناغمون مع تلك التيارات عبر تبنّي نهج إقصائي قمعي سُمّي زوراً بـ«النهج الوطني».

وبشكل متزامن مع التستر على الفساد في ملفات الحرية الدينية، تنشط جهود شيطنة تحصين آفاق الحرية الدينية. والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، وقد يكون أحدثها المقال الذي كتبه أحد النشطاء المتناغمين مع التيارات الإقصائية القمعية، حذّر فيه من التكسّب الطائفي في أزمة «شعيرة زكاة الفطرة». فهذا الخطاب خبيث ويتكرر مع كل انتهاك للآفاق الدستورية للحرية الدينية، وله غرضان: تبرير تقاعس وتقصير نوّاب ونشطاء «النهج الوطني» الإقصائي القمعي عن مسؤولياتهم تجاه هذه الانتهاكات، واحتواء وتقييد النوّاب والنشطاء الآخرين أمام هذه الفئة من الفساد.

لذلك، بعد التأكيد والثناء على الأولوية التي يتبناها الشيخ الهزيم في أزمة «شعيرة زكاة الفطرة» القائمة، وهي «تصحيح التعاطي مع الشعائر الدينية»، أقول له: خطاك السوء، والله يعينك على ما أصابك وما سيصيبك – طالما تمسّكت بهذه الأولوية – من تشويه وإساءات على المستوى الشخصي، ومن تخاذل وانقلاب على المسرح البرلماني، ومن تحول المعارضة الشرسة إلى معارضة رخوة أو موالاة باسلة على الصعيد السياسي.

وأقول لسماحته ولحماة الحريّة الدينية الدستورية كافة: إن آفاق هذه الحريّة لن تتوسّع إلى سابق عهدها إلا بعد فضح زيف وازدواجية «النهج الوطني» الإقصائي القمعي وكشف تبعاته الكارثية على التنمية واللُحمة الوطنية... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي