No Script

قيم ومبادئ

إلى أين نحن ذاهبون؟

تصغير
تكبير

نبئوني عن الإسلام الصحيح أين مستقره ومكانه، وأين مسلكه، وفي أي بلد من البلاد الواسعة حل، وأي معهد من المعاهد نزل؟ أفي مجالس القهر والمواخير التي تئن منها الأرض والسماء وينتهك فيها المسلمون حرمات دينهم بلا خجل ولا أدنى حياء؟

وكأنما هم يشربون الماء الزلال، وكل ذلك باسم الفن والفنون، والانفتاح ومسايرة الحضارة والحريات! أم نجده في الأسواق والمجمعات حيث الغش الفاضح والغبن الفاحش مزخرفاً بالأقوال الكاذبة والأيمان الباطلة؟

أم في المعاهد الدينية، حيث يتلقى الطلاب الدين جسماً بلا روح وعلماً بلا عمل، كأنما يتلهون بدراسة إحدى الشرائع المندثرة أو أحد الأديان الغابرة، ويحفظون كشكولاً عجيباً غريباً من الأكاذيب والترهات، فلا تكاد تسمع من أفواههم إلا حديثاً موضوعاً أو قولاً مصنوعاً أو خرافة تاريخية أو بدعة دينية، وبعد التخرج يقضون حياتهم في المجادلات والتحاسد والتباغض والتقاطع والتدابر، وهي بعينها الرذائل التي ما جاءت الأديان إلا لمحاربتها، فهم يهدمون الإسلام من حيث يظنون أنهم يبنون، ويسيئون ويحسبون أنهم يُحسنون صُنعاً؟

أم نجد الإسلام في مجالس الدراويش والحضرات، حيث الألعاب الجمبازية والحركات البهلوانية في الموالد والمآتم وانتهاك الحرمات، بعنوان البركات!

وبعد هذه المقدمة السريعة، يأتي السؤال المستحق: هل يستطيع دعاة الإصلاح في الجاهلية الحاضرة أن يكونوا على الأقل كدعاة الإسلام في الجاهلية الأولى؟

وهل يمكنهم أن يخلصوا دينهم لله في عملهم جادين مثابرين وألا يرى أحدهم لنفسه على أخيه فضلاً إلّا بالإيمان والتقوى؟

وهل يستطيع المُصلِحون أن يكونوا كذلك ليصلحوا في الآخرين ما أصلح المصلحون في الأولين؟ «لست أدري ولا المُنجم يدري»... قال الشاعر:

لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى

ولا زاجرات الطير ما الله فاعل

بعد هذه الخواطر المحزنة طاف بي طائف سريع تنفست منه الصعداء، فذكرت الإسلام ومجده والدين وجنده، فهذا أبوبكر الصديق - رضي الله عنه - في رمضان المبارك يقاتل المرتدين حتى استقامت جزيرة العرب، ويقول: «والله لو منعوني عقال بعير لقاتلتهم عليه».

ثم تذكّرت عمر الفاروق- رضي الله عنه - وهو واقف بحر الظهيرة في أبواب المدينة المنورة وشدة القيظ يستقبل شبحاً أسود من بعيد يزول به السراب حتى اقترب منه فتبينه، فإذا هو أعرابي قادم من سواد العراق، فجعل عمر يسايره وهو راجل والأعرابي راكب لا يعرفه ويسأله ما فعل الله بسعد بن أبي وقاص وجنده فيحدثه القادم عن فتح القادسية والمدائن وما أفاء الله على المسلمين من عرش كسرى وذخائره وعمر لاه عن نفسه سروراً بما سمع وفرحاً بما تم، ثم قفزت بي الذاكرة فتذكّرت صلاح الدين وهو يقود الجحافل إلى حيث يستنقذ الثغور ويستخلص الأمصار واحداً تلو الآخر ثم انعطفت بي الذاكرة تستنهض الصفحات البيضاء في تاريخنا المشرق، فتذكرت محمد الفاتح حين اخترق بسفن البحر رمال القفر ويقطع الفيافي حتى نزل القسطنطينة ودخل معبد آيا صوفيا وسجد فيه لله.

كما ذكرت صقر قريش عبدالرحمن الداخل الذي سافر إلى المغرب برحلة استمرت ست سنوات ذاق خلالها مرارة الأيام وليس معه سوى خادمه!

فأنشأ وحده دولة خضعت لها أفريقيا وبعض أوروبا... ولم أستطع مسايرة الذاكرة التي توالت عليها هذه البطولات المشرفة لتاريخ الإنسانية حتى أجدني أقف مشدوداً عند الساعة الدقاقة التي أهداها هارون الرشيد إلى شارلمان ملك فرنسا، ففزع منها سامعوها فزعاً شديداً وسموها شيطاناً رجيماً أو آلة سحرية أو مكيدة عربية!

وأخيراً، حطت بي ذاكرتي ووضعت عصا التسيار حين علمت أن الإسلام جرى عليه ما جرى على الأمم السابقة حتى غدا عليلاً صار فيه أطباؤه وملّه عوّاده وظل متأرجحاً بين داهيتين ومضطرباً بين غايتين، إما أن يموت موتة أبدية ويطمس - عياذاً بالله - أو يحيا حياة مادية لا حياة أدبية وينهض جامعة تجارية ما دامت المادة اليوم هي قاعدة الحكومات وأكثر الحكومات عدوة الأديان... فإلى أين نحن ذاهبون؟!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي