No Script

رؤية ورأي

إعادة بناء حسينيّة «خيمة الأنصار»

تصغير
تكبير

تعاني الحريّات في الكويت من ورم سرطاني زرعته تيارات دينية إقصائية، وساعدتها في استشرائه، حكومات متعاقبة ونوّاب وسياسيون ونشطاء من مختلف الانتماءات المذهبية والأيديولوجية، من بينهم منتسبون إلى أطياف متضررة من مشاريع الإقصاء.

منذ ثمانينيات القرن الماضي، نجح هؤلاء بخطابات سياسية مخادعة في التضييق على الحريات واقتلاع مظاهر التعددية وقيم الدولة المدنية من الهوية الكويتية الأصيلة، وغرسوا مكانها رؤى وأفكاراً ونهوجاً أحادية إقصائية.

في بداية الألفية الحالية، ارتكبوا خطأ استراتيجياً جسيماً، تجسّد في انسياقهم مع موجات الكراهية الفئوية التي اجتاحت المنطقة، وتبنّيهم خطاباً سياسياً طائفياً سافراً، أفقدهم القبول والشعبية لدى شرائح من المجتمع، ثم أضعف موقفهم في الربيع العربي بالكويت.

لذلك، عادوا إلى تبنّي خطاب سياسي جامِع، من دون التخلّي عن النهج القمعي الإقصائي المتأصّل لديهم. فتبنّوا في برنامجهم السياسي المحدّث ملفّات إصلاحية مستحقّة، في مقدّمتها تعزيز الحرّيّات.

وبهذا البرنامج، وبما يمتلكون من انتشار واسع في الشارع الواقعي والافتراضي، تمكنوا مرة أخرى من خداع الرأي العام بمختلف شرائحه.

إلا أنه بعد انقضاء ما يزيد على السنة ونصف السنة من عمر المجلس الحالي، انخفضت شعبيتهم، بسبب استمرار إشغالهم المجلس بجدول أعمال الجلسة الأولى، وتحديداً بند انتخاب رئيس المجلس، على حساب الملفات المستحقة التي طال انتظارها.

في المقابل، نجحوا مراراً في توظيف استجابة الحكومة الى مطالباتهم القمعيّة لتعزيز شعبية المعارضة خصماً من شعبية الموالاة. وأحدثها مطالبة النائب محمد المطير بمنع «التطبير» في حسينية «خيمة الأنصار»، بحجة أنه مستنكر من قِبل جميع المذاهب الإسلامية من دون استثناء.

لكن الواقع هو أن «التطبير» مسألة خلافية عند المسلمين الشيعة. وهذا ما أكّده أيضاً الشيخ مهدي الهزيم عبر تغريدات متّزنة، تضمّنت كذلك تصريحاً منه بأن مرجعه الديني يرى حرمة «التطبير».

بغض النظر عن آرائنا الشرعيّة والشخصيّة تجاه «التطبير»، من حق الذين يعتقدون بجوازه أن يمارسوه. فهو حق دستوري أصيل موثّق في المادة (35) من الدستور التي تنص على أن «حرية الاعتقاد مطلقة».

وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقاً للعادات المرعية، على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب.

مع ملاحظة أن «التطبير» يمارس بالكويت في نطاق محدود منذ أمد بعيد، وعدد من الصحف اليوميّة نشرت في سنوات عديدة تقارير مصورة حول «التطبير» في عاشوراء بالكويت.

ولكن، جرياً على عادة الحكومات الكويتية - مع وجود استثناءات إبّان مجلس 2016 - استجابت الحكومة للمطالبة المخالفة للدستور، ومنعت «التطبير». بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث هدّمت الحسينية بالكامل بحجة عدم الترخيص، متناسية أن العديد من الدواوين والاستراحات والمرافق في المنطقة (بر «إرحيّة») غير مرخّصة.

المضحك المبكي، أن نوّاب المعارضة الذين هدّدوا باستجواب رئيس الوزراء في محور الانتقائية في تطبيق القانون ضد السعدون، تجاهلوا انتقائية الحكومة في هدم حسينية غير مرخصة، واستمرار الحكومة في رفض ترخيصها.

ونوّاب المعارضة الذين يعملون بالمشتركات مع نوّاب إقصائيّين بذريعة محاربة فساد الحكومة، يرفضون العمل بالمشتركات مع الآخرين لمحاسبة الحكومة على تقييدها حرّيّات دستورية.

والعديد من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي الذين استنكروا تعسف الحكومة عند اعتقال مغرّد متهم بسب وشتم البشر، تجاهلوا تعسّف الحكومة في منع بشر من ممارسة حق دستوري.

بغض النظر عن تناقضات المعارضة والحكومة، نوّاب الموالاة مطالبون بمضاعفة جهودهم لتكون بنتائج إيجابية ملموسة.

والحكومة مدعوّة إلى تشكيل لجنة للتحقيق حول حيثيات هدم الحسينية. وهي مدعوّة أيضاً إلى تحمّل مسؤوليتها الوطنية بإعادة بناء الحسينية بعد ترخيصها بالسرعة الممكنة، أسوة بالمرافق العبادية والخدميّة المرخّصة في تلك المنطقة.

وأما المعارضة فنتركها مع أولويّتيها: رحيل الرئيسين وقمع الحريّات... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي