No Script

مجرد رأي

احتراق الطبقة المتوسطة

تصغير
تكبير

هناك قاعدة اقتصادية اجتماعية سياسية في العالم مفادها بأن الطبقة المتوسطة في أي بلد، تشكل حجر الزاوية في النمو لما لها من آثار اقتصادية وسياسية واجتماعية كبيرة.

فالطبقة المتوسطة الكبيرة تزيد من الطلب على السلع والخدمات المحلية، وتساعد في دفع النمو الاقتصادي الذي يقوده الاستهلاك، كما تشارك في نمو الأعمال بحصة استثمارية.

في الكويت، تلعب الطبقة المتوسطة دوراً بارزاً في تحريك عجلة الاقتصاد والتعليم، بحكم ما لديها من الموارد اللازمة للادخار والاستثمار في تعليم أبنائهم، ما يصب في مصلحة رأس المال البشري للبلد ككل، كما يمكن للمنتمين لهذه الطبقة أن يأخذوا مخاطر تجارية معقولة، ليصبحوا مستثمرين أيضاً، إلى جانب كونهم مستهلكين وعمالاً في الأساس.

لكن من الواضح أن شيئاً ما تغير ديموغرافياً في الكويت في الفترة الأخيرة، فطبقتها المتوسطة لم تعد بالمكانة نفسها التي كانت تتمتع بها سابقاً، رغم أن حجمها تعدادياً ارتفع كثيراً مع زيادة عدد السكان آخر 10 سنوات.

ولا يعد سراً القول إنه بدا واضحاً في السنوات الأخيرة انحسار الطبقة المتوسطة واتساع رقعة الطبقة محدودة الدخل واستسهال ذلك حكومياً رغم التعقيدات الكبيرة التي يفرضها انحسار هذه الفئة لا سيما أن الانحسار كان منصباً باتجاه اتساع دائرة محدودي الدخل وليس الاغنياء.

ومن ينتمي لهذه الطبقة تحديداً، يدرك جيداً أن المواطنين المنتمين للطبقة المتوسطة انتابهم الكثير من القلق الاقتصادي، بعد تراجع قدرتهم الشرائية بمعدلات ملموسة.

بالطبع هناك أكثر من سبب يقف وراء ذلك، في مقدمتها ارتفاع معدلات التضخم في الآونة الأخيرة إلى معدلات وصلت إلى 4.3 في المئة العام الماضي فيما يرتقب ان تسجل الكويت مستويات قريبة هذا العام.

وما يزيد من تداعيات التضخم السلبية على هذه الطبقة، أن معدلات رواتبها لا تنمو بالمعدل نفسه المسجل للتضخم، ما أوجد هامشاً بالسالب لصالح زيادة الانفاق على الدخل.

وهنا تتنامى المخاوف من أن يقود ارتفاع الأسعار الذي وصل لمرحلة الجنون محلياً وعالمياً إلى حرق جيوب هذه الطبقة التي تتعرض لتآكل حقيقي في مكوناتها منذ فترة طويلة.

وبعيداً عن أزمة ارتفاع الأسعار خصوصاً السلع الرئيسية وأسباب تعرض هذه الطبقة للضغط تلو الآخر، هناك استحقاق حكومي حقيقي للمحافظة على هذا المكون بل ورعايته وتنميته لأهميته اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.

وهذا يتطلب حراكاً حكومياً سريعاً للقضاء على الأسباب المؤدية لمحدودية الدخل والبطالة والغلاء وأزمة الاسكان بصورة تضمن الحد من ظاهرة الفقر وتوسيع قاعدة الطبقة المتوسطة.

ولعل من أهم المعالجات التي يجب أن تسرع الحكومة في تبنيها في هذا الخصوص، رفع كفاءة التعليم أولاً، فبسبب التدهور الحاصل تعليمياً لجأت شريحة كبيرة من الطبقة الوسطى للانتقال تعليمياً لمدارس القطاع الخاص ما زاد من أعبائها وأثقل جيوبها بمصاريف إضافية كان يمكن تجنبها لو أن الدولة أولت اهتماما أوسع بتحسين منظومتها التعليمية.

ومن ثم يتعين أن تزيد الحكومة استثمارها في القطاع التعليمي لتعيد استقطاب أبناء الطبقة المتوسطة لمدارسها ووقتها سيتخلص أولياء الأمور من عبء غير مستحق عنوانه تحمل تكلفة التعليم الخاص، لتتم إعادة توجيهها استثمارياً أو معيشياً.

كما يجب حكومياً إعادة النظر في سلم الأجور، وهذا يشمل القطاعين الحكومي والخاص. فمعلوم أن هذه الطبقة توافر غالبية الأيدي العاملة المطلوبة بخلاف الطبقة الثرية التي يدير أبناؤها شركاتهم العائلية عادة. ويجب أن تكون زيادة الرواتب بما يستقيم مع حركة التضخم وتوجهه في الفترة المقبلة.

علاوة على ذلك، يجب العمل حكومياً لزيادة حضور أبناء هذه الطبقة وظيفياً سواء في مؤسسات الدولة أو في القطاع الخاص، من خلال صناعة الفرص التشغيلية التي يمكن أن تزيد الطلب عليهم، على أن يكون الطلب حقيقياً وليس تكريساً لمبدأ البطالة المقنعة.

كذلك يتعين إعادة النظر في منظومة الدعم، بحيث يحصل أبناء الطبقة المتوسطة على حصة أكبر تنسجم مع وضعهم الاجتماعي، بدلاً من توزيع الدعم بصورة متكافئة على الجميع وهنا تتحقق العدالة الاجتماعية أكثر.

الخلاصة

تعتبر الطبقة المتوسطة في أي مجتمع صمام أمان، وعامل استقرار في أي مجتمع، وكلما اتسعت قاعدة هذه الطبقة دل ذلك على عافية المجتمع وصحة حراكه.

لذلك يتعين على الحكومة الحفاظ على ديناميكية نموها خصوصاً أن الطبقة المتوسطة في كثير من الدول ومن ضمنها الكويت تضطلع بدور استهلاكي كبير وهذا يساعد على حفظ التوازن الاقتصادي في الدولة، كما تضمن هذه الطبقة الاستقرار اجتماعياً.

كما أنه وفي ظل أجواء التحول السياسي في الكويت، باتت الطبقة الوسطى عنواناً سياسيا مهماً، فالأمل متعلق بالدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الفئة للتوصل إلى توازنات سياسية جديدة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي