منتجات «العملاق الآسيوي» اجتاحت العالم ... ومثلها لغته وأطباقه

اللبنانيون الطموحون يطلبون التجارة ... ولو في الصين

تصغير
تكبير
|بيروت - من عتاب شمس الدين|

لم يعد حلم الشباب اللبنانيين السفر إلى الولايات المتحدة للعمل والعيش فيها، بل أصبح شبان لبنان، وربما شاباته لاحقاً، يحلمون بالسفر إلى الصين. قد يكون في هذا القول الكثير من المبالغة، لكن فيه الكثير من الصحة أيضاً. وواحد من الأحلام اللبنانية الجديدة هذه الأيام: السفر إلى الصين.

والطامحون إلى زيارة «العملاق الآسيوي» لا يريدون العيش على أراضيه، على غرار الحالمين بالإقامة في الولايات المتحدة، فجلّ ما يبغونه هو الظفر بالبضائع الصينية الزهيدة الثمن، ليبيعوها في بلادهم أو في بلدان أخرى، بهدف تحقيق أرباح تحسّن أوضاعهم المالية.

من هنا، فإن الحلم الصيني اقتصادي لا لبس فيه، ولا يستند الى الديموقراطية والحرية والمتعة والرفاه، إنّه فقط وعد ببحبوحة مالية يستطيع أن ينعم بها المتعامل مع الأسواق الصينية القوية.

سمير شاب لبناني في نهاية ثلاثيناته، يملك محالاً عدة في بيروت لبيع الأدوات الإلكترونية وأجهزة الكومبيوتر والأقراص المدمجة. بدأ عمله في العام 1994. يومها، كانت دبي السوق التي اعتاد على أن يقصدها لشراء بضائعه وبيعها في متجره اللبناني. وبفضل ربحه الوافر، تمكّن من فتح متجر ثانٍ وثالث. ثم تزوج وسكن في بيروت، فهو جنوبي آتٍ إلى العاصمة من قرية حدودية. وظل سمير يزور دبي أكثر من مرة سنوياً حتى العام 2005 حين سمع للمرة الاولى عن السوق الصينية. كثيرون أخبروه أن أسعار البضائع التي تصنع وتباع هناك أقلّ من مثيلاتها في دبي أو أي مكان آخر في العالم. وبدافع من روح المغامرة، قرر أن يسافر إلى الصين ليرى بأمّ عينيه ماذا يجري هناك.

في المرة الأولى سافر وحده. وصار يكرّر رحلته التجارية كل شهرين ويمكث بضعة أيام. وفي كل رحلة يحمل معه مبلغاً يتراوح بين 30 و60 ألف دولار.

يقول: «لم أخسر أبداً من تجارتي هذه وتضاعفت أرباحي، وصرت إضافة إلى البضاعة أشتري ثياباً لعائلتي ومفروشات لمنزلي. فهناك كل شيء رخيص، لكن الأسواق عملاقة والبحث فيها يستغرق ساعات طوال».

في رحلته الثانية تعرّف سمير على مكتب يساعد التجار العرب، عبر تأمين فتاة ترافق التاجر وتبقى إلى جانبه من الصباح الباكر حتى التاسعة ليلاً. وميزتها أنها تتكلم اللغة الإنكليزية التي تشكل معبراً إلزامياً بين العربية والصينية.

طبيب الأسنان... تاجر في الصين

محمد شمس الدين سمع من قريبه سمير عن عمله الذي ازدهر بفضل سفره إلى الصين، فأخذ يفكر جدياً في خوض هذه التجربة، رغم أنه طبيب أسنان يملك عيادتين في بيروت والجنوب، إلى جانب وظيفة ثابتة في مستشفى حكومي. وفكر في أخذ إجازة من أعماله كلها للسفر. لم يخطر في باله أنه قد يخسر جنى عمره في رحلة كهذه، وبدا واثقاً بأن مشروعاً كهذا لا يمكن أن يعود عليه بالخسارة، خصوصاً ان الحظ حالف قريبه التاجر. راح يسأل الأشخاص الذين خاضوا تجربة مماثلة، وآخرين سمعوا عن أناس سافروا إلى الصين وأفلحوا. حتى أنه لاقى تشجيعاً من أفراد عائلته وأقربائه وزملاء له، وأخذ أصدقاؤه يوصونه على بعض الأغراض من الصين، مثل أدوات طبية يستخدمها زملاؤه الأطباء في عملهم، أو أجهزة كومبيوتر محمولة وهواتف نقالة وثياب وأشياء أخرى.

رحلة محمد إلى الصين بدأت في «بحر» الإنترنت على سفينة «غوغل»، وكان القبطان ابنه العشريني الضالع في أمور الشبكة العنكبوتية. أخذ يتعرف إلى هذا البلد الذي تبلغ صادراته ثلثي ناتجه المحلي الإجمالي، والذي سيتجاوز الولايات المتحدة بحلول العام 2050، حسب تقديرات الخبراء الاقتصاديين، عبر ناتج محلي إجمالي يزيد على 45.000 مليار دولار مقابل 35.000 مليار دولار للولايات المتحدة. كذلك، علم أن الأزمة العالمية لم تؤثر في النشاط الاقتصادي الصيني، فقد بلغ عدد الذين يملكون أكثر من مليون دولار في هذا البلد 450 ألفاً، والرقم مرشح ليصل إلى أكثر من 800 ألف في العام 2013.

وهكذا، ترك شمس الدين طب الاسنان في بيروت وسافر إلى مدينة غوانزو جنوب شرق الصين المشهورة بمصانع الأدوات الطبية. ويقول اليوم إنه قد يترك عمله ويتفرغ للتجارة بين لبنان والصين.



اللغة بدأت تتسلّل

واللافت أن اللغة الصينية بات لها حضور في لبنان، بعدما اقتحمت دور النشر الصينية الثقافة والإعلام فى أوروبا والولايات المتحدة وبلدان أخرى. فقد تأسس أول معهد «كونفوشيوس» في العالم العربي في جامعة القديس يوسف اللبنانية في العام 2006 بالتعاون بين هذه الجامعة وجامعة شنيانغ الصينية، بإشراف «المصلحة الصينية للتعليم الدولي للغة الصينية». وبدأت الدراسة في هذا المعهد في 27 فبراير 2007 وصار اليوم مركزاً مهماً للغة والثقافة الصينيتين في الدول العربية.

منذ افتتاحه، التحق بالمعهد 213 طالباً تتراوح أعمارهم بين سبعة أعوام وستين عاماً، توزعوا على ثلاث مستويات لتعلم اللغة الصينية. وبعض هؤلاء طلاب في جامعة القديس يوسف وجامعات ومدارس أخرى، وبعضهم الآخر تجار لبنانيون يسافرون إلى الصين بانتظام، فيما بعضهم الثالث أجانب مقيمون في لبنان. وإلى جانب تعليم اللغة، بدأ المعهد ينظم دورات في الطب التقليدي الصيني.



المأكولات والثياب

المأكولات الصينية بدورها انتشرت بكثرة في لبنان، وباتت تقدم في المطاعم إلى جانب الأطباق اللبنانية. وأشهر المطاعم الصينية في لبنان موجود في وسط العاصمة بيروت، علماً أن جميع العاملات فيه من بلدان آسيوية.

واللافت أيضاً أن الألبسة الصينية غزت الاسواق اللبنانية واجتاحت المتاجر بعدما كانت الألبسة الأميركية تحتل المرتبة الأولى. وآخر موضة اليوم في لبنان «الوشم» الصيني على الأجسام.

 

الصين ستتجاوز أميركا

في العام 2020


 

النمو الكبير الذى حققته الصين جعل منها قوة اقتصادية لا يُستهان بها. وتشير التوقعات إلى أنها ستتفوق على الولايات المتحدة بين العامين 2020 و2025 بفضل الاستثمارات الخارجية ورخص التكنولوجيا والعمالة فيها.

وبروز الصين كأكبر قوة اقتصادية عالمية يسبق تقديرات معظم المحللين بنحو 20 عاماً، فإجمالي الناتج المحلي الصيني سيستمر فى النمو بنسبة 8 في المئة حتى العام 2010. وتشير بعض الأبحاث إلى أنه سيصل إلى نحو 2300 مليار دولار فى العام 2010، فيما سيبلغ إجمالي الدخل الفردي 1700 دولار مقابل 1200 دولار حالياً. وتورد إحصاءات أخرى أن عدد الذين يتعلمون اللغة الصينية خارج الصين يتجاوز مئة مليون شخص في أكثر من مئة بلد في العالم.



القصار حمل التنين إلى بلاد العرب



رجل الأعمال اللبناني الأول الذي «فتح» باب سفر اللبنانيين الى الصين كان يومها الشاب عدنان القصار، الذي كان قد مضى على عمله التجاري بين باكستان ولبنان أربعة أعوام، وشعر بأن الوقت حان لتحقيق قفزة نوعيّة.

التقى القصار وفداً من رجال أعمال صينيين. وبعد جلسات عدة، تلقّى دعوة إلى بكين من عمالقة آسيا الجدد آنذاك. كان الهدف إيجاد علاقات تبادل مع لبنان الذي يرفض محيطه التعاطي مع دولة شيوعيّة. وبذلك، أصبح القصّار اللبناني الأوّل، بل العربي الأول، الذي يقيم علاقات مع بكين. أقنع رئيس الجمهورية حينها كميل شمعون بدعوة الوفد الصيني الأوّل إلى لبنان. وأثر تلك الزيارة، وقّع البلدان أوّل اتفاق تجاري بينهما ورفرف العلم الأحمر بالنجمة الخماسيّة للمرّة الأولى في لبنان. لذلك يقال عن القصار إنّه «الشابّ الذي حمل التنين إلى بلاد العرب العذراء».

وفي العام 1971 ترأس القصّار أول وفد لرجال أعمال لبنانيّين إلى الصين، ناثراً بذور علاقات ديبلوماسية ستترسخ في ما بعد. وبعدما بات «صديق الصين وشعبها»، بادر إلى مد الجسور بين بكين والعواصم العربية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي