No Script

جدوى الانتخابات اللبنانية بظل السلاح

مكرم رباح
مكرم رباح
تصغير
تكبير

تتحول الشوارع القاتمة في لبنان وعاصمته بيروت ببطء إلى «عرس» ديموقراطي، حيث تنشط كل الأطراف حملاتها لتأمين الأصوات في الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 15 مايو.

على الرغم من أن كل الدلائل تشير إلى إجراء الانتخابات، فإن شعوراً بالتشاؤم والتشكيك يكتنف البلاد بهالة تافهة تكشف، عند دراستها بعمق، أن الأزمة الوجودية التي يمر بها لبنان لا يمكن حلها عبر صناديق الاقتراع.

من المثير للاهتمام أن العديد من المرشحين للانتخابات لا يمكنهم الالتزام بتأكيد أو نفي إجراء الانتخابات. يطالبون الناس بالاقتراع لهم، لكنهم أنفسهم غير مقتنعين بالفعل بأنهم سيفوزون، وإذا فازوا، فهم غير متأكدين من أن المؤسسة الحاكمة ستسمح لهم بتنفيذ خططهم الإصلاحية المفترضة.

بشكل أساسي، لكي تخدم أي انتخابات غرضها، يجب أن تكون عادلة وحقيقية وشفافة. هذه المبادئ في لبنان غريبة على الثقافة السياسية وعلى الطغمة الحاكمة التي هيمنت على البلاد منذ عقود.

فالتغيير الحقيقي في ظل الظروف الحالية صعب (حيث يقول البعض إنه مستحيل) وهذا يرجع إلى حد كبير لعدد من العوامل التي تجعل التغيير من خلال الانتخابات غير مجدٍ. وعلى رأسها قانون التمثيل النسبي الذي ستجرى هذه الانتخابات بموجبه.

من خلال تقسيم الدوائر الانتخابية وإساءة استخدام سلطتها، تتمتع السلطة بالقدرة على التحكم في النتيجة النهائية للانتخابات، مما يترك يوم 15 مايو ليكون يوماً للتصفيات بين النخب الحاكمة نفسها التي ستكسب أو تخسر بعض المقاعد.

من الناحية العملية، فإن توقع العدالة والمساواة من قانون الانتخابات هذا يشبه الذهاب إلى كازينو به ماكينات قمار مزورة وتوقع الفوز.

إنه شيء لا يحدث إلا عندما يسمح الكازينو بذلك، وفي هذه الحالة، المؤسسة الحاكمة هي التي تقرر ذلك.

وبالتالي، بموجب هذا القانون، ليس لقوى التغيير التي ولدت من ثورة 17 أكتوبر 2019 فرصة للفوز في الانتخابات المقبلة. ويعود ذلك أساسا إلى افتقارهم إلى العمق اللوجستي لكسب الأصوات، والأهم من ذلك فشلهم بإقناع الفئة الواسعة من اللبنانيين بأنهم بديل موثوق للمؤسسة الحاكمة.

بنفس ثوري ولربما طفولي، تعتقد بعض قوى المعارضة أن التزامها المفترض بالإصلاح ومعارضتها للطبقة الحاكمة، كافٍ لحمل الجماهير على الاقتراع لها.

ولكن الواقع يحمل صورة مختلفة، فشلت قوى التغيير في إدراك أن موقفها الملتبس من «حزب الله» وأسلحته الإيرانية هي الأشياء الوحيدة التي يمكنها حشد ما يكفي من الدعم عبر الطوائف لإحداث تأثير في صناديق الاقتراع. في حين أن هذا قد لا يكون كافياً للفوز بكتلة كبيرة في البرلمان، إلا أنه سيركز على الطبيعة السرطانية للتحالف غير المقدس بين سلاح «حزب الله» والسياسيين الفاسدين الذين يحتمون به.

العديد من الجماعات التي تصنف نفسها ثورية، وفي سبيل توحيد اللوائح، وافقت على التحالف مع شخصيات وجماعات ترى «حزب الله» كحركة «مقاومة»، وذهبت إلى حد إنكار تورط الميليشيات في أي من الصفقات الفاسدة التي أدت إلى إفلاس الدولة.

مثل هذه السقطة الأساسية ضمنت مصير الانتخابات قبل الوصول للاقتراع. بقبولها خوض الانتخابات في ظل هذه الظروف، تعتقد المعارضة بسذاجة أن الإصلاح ممكن في دولة ينتهك سيادتها وكيل إيراني نشر مقاتليه في سورية والعراق واليمن، وكل ذلك في خدمة طهران ومشروعها التوسعي.

لا تستطيع صناديق الاقتراع وحدها إصلاح نظام سياسي مستعد للقتل والسرقة للبقاء في السلطة. فشل العديد من هؤلاء المرشحين الذين يطالبون بأصوات الناس في فهم ذلك. بينما، وبشجاعة وصف البعض «حزب الله» بأنه مصدر خطر، إلا أنهم لم يتخذوا هذه الخطوة الإضافية لتشكيل جبهة وطنية لتبني أجندة سياسية واحدة: السيادة كبوابة للإصلاح.

إن المسؤولية الحقيقية للانهيار لا تقع على عاتق المعارضة، بل على الطغمة التي استخدمت السلطة وأساءت استخدامها وأفلست دولة كانت مزدهرة ذات يوم، بينما تدعي بوقاحة أنها تخدم وتحمي طوائفها وأحزابها.

علاوة على ذلك، في حين أن اللبنانيين الذين اختاروا عدم التصويت في 15 مايو قد تكون لديهم أسبابهم العديدة، فإن فشلهم في محاسبة أولئك المسؤولين عن جرائمهم العديدة يجعلهم متواطئين ويسمح لـ «حزب الله» والنخبة السياسية بادعاء شرعية وهمية.

وطالما كان لدى الناس شكوك في احتمال تأجيل هذه الانتخابات أو أي استحقاق ديموقراطي، مثل الانتخابات الرئاسية في أكتوبر، فإن بلدهم ليس على ما يرام. طالما أن السكان يعتقدون أن أصواتهم لا تغير، فإنهم يساعدون في إدامة مأساة من صنعهم.

الخامس عشر من مايو ليس مجرد يوم للاقتراع، بل هو فرصة لبدء معركة طويلة وشاقة لاستعادة سيادة لبنان الحقيقية من أعداء الداخل قبل الخارج.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي