No Script

قيم ومبادئ

الضمير السياسي!

تصغير
تكبير

التخلق غير الخُلُقْ، وأكثر الذين يعتبرهم العوام فاضلين وعندهم قيم ومتخلقين بالفضائل البرلمانية!

ولكنهم في الحقيقة لا فاضلون ولا متخلقون بالإخلاص، لأنهم لبسوا هذا الثوب مصانعة للناس، أو خوفاً منهم أو طمعاً في تأييدهم، أما الذي يفعل الحسنة لأنها حسنة أينما كان أو يتقي السيئة لأنها سيئة أينما كان، فذلك من لا نعرف له وجوداً لأنه في حكم النادر في هذا الزمان - إلا من رحم - لذلك فالميزان الصحيح ألا نسمي الكريم كريماً حتى تستوي عنده صدقة السر وصدقة العلانية، ولا العفيف عفيفاً حتى يعف في حالة الأمن كما يعف في حالة الخوف! ولا الصادق صادقاً حتى يصدق ويتحرّى الصدق في أفعاله وأحواله وأقواله، ولا المتواضع متواضعاً حتى يكون رأيه في نفسه أقل من رأي الناس فيه.

ولذلك، لما جاء رجل إلى أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، يمدحه بكى الصدّيق ثم قال (اللهمّ لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون) وهذا الأثر يوضح المقصود من المقال.

ما زالت الأخلاق بخير حتى خذلها الضمير وتخلّى عنها وتولت قيادتها العادات والتقاليد الجاهلية البالية والمصطلحات العائمة والبروتوكولات ففسدت الأخلاق، واضطربت القيم، واستحالت إلى صور ورسوم وأكاذيب وألاعيب... فرأينا التاجر الجشع الذي يتبرع لبناء مسجد ولكنه قد هدم في سبيله ألف بيت من بيوت المسلمين بسبب الربا وضلَع الدّين!

ورأينا الفقيه الذي يتورع عن تدخين الغليون في مجلس القرآن، ولا يتورع عن ضرب أحاديث الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - عرض الحائط لأنها تخالف عقله القاصر!

ورأينا الغني المتصدق الذي يسمع أنين جاره في جوف الليل، وصياح عياله من الجوع فلا يرق قلبُه ولا يهتم به فينام هو شبعان وجاره جائع عارٍ، وإذا أصبح الصباح ذهب إلى ضريح من أضرحة الأولياء ووضع في صندوق النذور سبيكة من الذهب قد ينتفع بها من لا حاجة به إليها!

هذا إلى كثير من أمثال هذه النقائض التي يزعم أصحابها ويزعم معهم أكثر الناس أنهم من ذوي الضمائر الحية؟ لقد كان الكرم فضيلة يوم كان الناس يحفظون الجميل لصاحبه ويعرفون له يده البيضاء التي أسداها إليهم، فإذا هوى به كرمُه في هاوية الفقر والحاجة لا يعدم أن يجد من بين من أحسن إليهم من يمد له يد المعونة لينقذه من شقائه، أما اليوم فقد أنكر الناس الجميل واستثقلوا حمله بل تمادوا إلى الشماتة بصاحبه يوم تزل به قدمه!

ويصبّون على رأسه من حميم الشتائم وقذيع الصفات.

وكانت الرحمة فضيلة يوم كان الناس صادقين في أحاديثهم عن أنفسهم فلا يعرف بالبؤس إلا البائس ولا يلبس القديم إلا من عجز عن لبس الثوب الجديد، أما اليوم فقد ذلت النفوس وسفلت المروءات فلبس ثوب الفقر غير الفقير، وانتحل البؤس غير البائس؟ وأصبح نصف الناس كسالى متبطلين لا عمل لهم إلا اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي لينشروا فيها كل قبيح عن الكويت ويقللوا دورها في خدمة المواطن والمقيم!

بل كانت الشجاعة فضيلة يوم كان الناس ينصرون الشجاع ويؤازرونه لأنه ينصر الضعيف ويأخذ بحق المظلوم، أما اليوم فقد فترت همم الناس ووهنت عزائمهم، وماتت في نفوسهم نوازع الضمير الحي... فإذا رأوا الشجاع قائماً بدعوة وطنية أو إنسانية أغروه بالمضي فيها وصفقوا له جميعاً ثم وقفوا على المصطبة ينظرون ماذا يُفعل به، فإن ظفر بالمطلوب هتفوا باسمه ونزلوا على عَجل يقاسمونه الغنائم التي غنمها وإن فشل خذلوه وتنكروا له، فأصبحت الشجاعة تهوراً لا يجد صاحبها من ورائها إلا التهلكة والشقاء!

وكانت القناعة في تاريخ الكويت فضيلة يوم كان الفضل هو الميزان الذي يزن به الناس أقدار الرجال، ويوم كان الفقر مفخرةً للشريف إذا عفّت يدُه وعزفت نفسه، والغنى أصبح معرةً للدنيء إذا سفلت مساعيه وأغراضه! أما اليوم فقد تغير الحال وأصبح المجد والسؤدد - للمال السياسي - وأصبح الناس يتعارفون بأزيائهم ومظاهرهم قبل أن يتعارفوا بصفاتهم وأعمالهم.

حقاً، لقد كان الغضب رذيلة يوم كان الناس يعرفون فضيلة الحُلم والأناة ويقدرونها قدرها ويجلّون صاحبها... أما اليوم فقد ظهر التنمُّر فأصبح كثير من الشباب أشراراً يحملون شرورهم على كواهلهم ويجولون بها في مواقع التواصل الاجتماعي يطلبون بها رأساً يصبون عليه من الحميم! ولا يعجبهم الرجل الحيي التقي العفيف الخفي الذي لا يُحسن الذياد عن نفسه فلا خير في الحُلم، والخير كل الخير في الغضب ورد الصاع بصاعين!

الخلاصة:

إذا تقلّد سواد الناس سلاح الرذيلة وتقلّد النزر القليل منهم سلاح الفضيلة فليس لذلك إلا معنى واحد؟ هو أن يهلك أشراف الناس وسُراتهم في سبيل حياة أدنيائهم وأنذالهم...

فأين الضمير؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي