قيم ومبادئ
جيل الروّاد...والدكاترة العصريون!
فرق كبير بين الأوائل من جيل الروّاد - الرعيل الأول - وبين الدكاترة المحترمين اليوم، ومن نسميهم علماء ومن نسميهم أُميين جهلاء!
ذلك الفرق الكبير الذي يتصوّره الناس عندما يريدون التفريق بينهما وإنزالهما منازلهما، فالعلماء والجهلاء بالسياسة وبواقع الكويت - إذ دققت النظر سواء لا فرق بينهما، إلا أن هؤلاء يعلمون المعلومات منظمة، وأولئك يعلمونها مبعثرة، وهؤلاء يحسنون البيان عنها، وأولئك لا يُبيّنون إلا من خلال الأسماء المستعارة أو مواقع التواصل الخارجية؟
ولو أمعنت النظر لوجدت أن المعاني والقضايا العامة المتعلقة بالخير والشر والنفع والضر والمسائل المنوطة بحياة المواطن ومعاناته يشترك في العلم بها جميع الناسن عامتهم وخاصتهم، كبيرهم وصغيرهم، سواء من نشأ مهنم في الجامعات الحكومية أوالخاصة أو من عاش منهم تحت سقوف السماوات؛ ذلك لأن العلم ينبوع يتدفق من خلال القيم داخل الإنسان وليس هو سيلاً يتدفق من الخارج!
ولأن طبيعة الكويت منذ نشأتها وسيرتها الإنسانية الحافلة بالإنجازات تعتبر مكنز معلومات كامنة في النفوس كمون النار في الرماد وما وظيفة التعليم إلا استثارتها من مكانها وبعثها من جديد من مراقدها، وآية ذلك أنك لا تجد قضية من القضايا الوطنية ولا سابقة من السوابق البرلمانية التي يجاهر بها النواب ويفخرون بإعلانها ويعدونها مظهر قوتهم وآية حكمتهم إلا وترى في ألسنة جيل الرواد وشوارد أقوالهم ما يراد منها ويزيد عليها، كما أنك لا تجد قاعدة من قواعد الحنكة والأدب ولا قضية من قضايا الأخلاق في التعامل مع أسرة الحكم التي نقرأها في ذخائر الأسفار ونفائس التراث إلا وهي ملقاة تحت أقدام العامة من جيل بُناة السور الأول والثاني والثالث - سور الكويت وقد انقرضوا - ومازال بعض كبار السن ممن سمعوا منهم وتلقوا القيم عنهم يعيشون بيننا اليوم رجال ونساء - أمدّ الله في أعمارهم - ولولا عجز العوام منهم عن بيان ما يجول في خواطرهم ويهجس في ضمائرهم من المعلومات عن الكويت على صورة مرتبة منظمة لما خيّل إليهم أنهم يسمعون من الخاصة من الدكاترة السياسيين كلاماً عجيباً أو معنى غريباً، وليست هذه الغبطة التي نراها تعلق بنفوسهم عندما يتلقون أحاديث الخاصة في مقاطع الفيديو من أجل أنهم علموا ما لم يكونوا يعلمون؟ أو أدركوا ما لا عهد لهم به من قبل في السياسة وفي الشأن العام، بل لأنهم عثروا على من يترجم عن أفكارهم ويجمع شمل المعاني المبعثرة في أنحاء أدمغتهم ولأنهم وجدوا في أنفسهم لذة الأنس بأفكار تشابه أفكارهم وآراء تشاكل آراءهم.
ولا أبتعد كثيراً إن قلت إن علم العامة من جيل الرعيل الأول أفضل من علم الخاصة، لأنه علم خالص من شائبة التكلف والتمثيل على الأمة في مجلس الأمة، بل تجد كثيراً من جيل الرواد من تعجبك استقامته في مقابل أنك تجد من الدكاترة من يدهشك إعوجاجه رغم تعلمه في أعرق الجامعات! وإن كان صحيحاً ما يتناقله الناس عن أن العلم فقط هو ما ينتفع به صاحبه فكثير من الجهلاء أعلم من كثير من العلماء العصريين!
وعليه فلا تبالغ في تقدير الحراك وتبهتك مراتبهم وشهاداتهم ولا تنظر إليهم نظراً يملأ قلبك رهبة وهيبة في مقابل لا تغل في احتقار جيل الرواد وازدراء العامة والضعفاء ولا تكن ممن يقضون حياتهم أسرى الشعارات وعبيد الألقاب! ذلك أن ما يجري وراء الكواليس واختفاء الحقائق وضلال هذا العالم يف مذاهبه ومراميه وتفرقه مذاهب وشيعاً - من الكتل النيابية - وركوب كل فريق رأسه وهيامه على وجهه ووقوف رموز المعارضة العصرية في مفارق الطرق ورؤوس المسالك مع وعورة الطرق حيارى ينشدون فلا يجدون ويجدون فلا يصلون لدليل على أن مكافحة الفساد والحوكمة الرشيدة والقيم البرلمانية والأعراف أصبحت كلمات غير مفهومات وأسماء بلا مسميات رغم وضوح الدستور وشمول اللائحة الداخلية للمجلس فأين الخلل إذاً؟
الخلاصة، أفلا من عودة إلى الرشد من جديد واستلهام العِبر من جيل الرواد... فهل من مجيب؟!